icon
التغطية الحية

من جرّاح أعصاب إلى باحث في أمراض القلب.. قصة طبيب سوري في هولندا

2024.03.14 | 06:55 دمشق

الطبيب السوري محمد قاسم
الطبيب السوري محمد قاسم - هولندا
هولندا ـ أحمد محمود
+A
حجم الخط
-A

تحدّى طبيب سوري لاجئ في هولندا، كل المصاعب التي واجهها وتمكّن من الحصول على عمل يتناسب مع كفاءته في مركز أبحاث هولندي لأمراض القلب والأوعية الدموية.

وبحسب موقع "أوبسرفانت" الهولندي، كان محمد قاسم طبيب أعصاب عندما فرّ من سوريا، عام 2012، لكنه لم يتمكّن من الاستمرار في مهنته بعد وصوله إلى هولندا، حيث يعمل حالياً كباحث في مركز الأبحاث "CARIM".

يعيش قاسم (45 عاماً) في هولندا منذ عشر سنوات تقريباً، وقد حصل، نهاية العام الفائت، على درجة الدكتوراه من جامعة "ماستريخت (UM)" لأبحاثه حول التنبؤات بخطر الإصابة باحتشاء دماغي، وأنّه الآن يعمل باحثاً في معهد أبحاث أمراض القلب والأوعية الدموية (CARIM) التابع للجامعة، حيث قال إنّ البحث الطبي أصبح شغفه.

وقال قاسم: "اسأل أي طفل في الشرق الأوسط عما يريد أن يصبح في المستقبل.. ستكون الإجابة طبيباً أو مهندساً"، مشيراً الموقع إلى أنّ من بين هؤلاء الأطفال كان قاسم، الذي حقّق حلم طفولته وأصبح جرّاح أعصاب.

الهروب من سوريا

يستذكر الطبيب السوري مراحل حياته وخصوصاً بداية الربيع العربي في سوريا، قائلاً: "تظاهر الشباب وطالبوا بالديمقراطية والحرية ونظام التعددية الحزبية وفصل الدولة عن الدين، كنا ضد الأسد وأردنا رحيله.. قبل خمسين أو ستين عاماً، قبل وصول عائلة الأسد إلى السلطة، كانت سوريا دولة ليبرالية، وكان برلمانها يضم النساء".

وأضاف: "أطلق جيش النظام النار على المتظاهرين، وكان هناك قصف عنيف على مدن مثل حلب وحمص"، مردفاً: "تحوّلت الثورة إلى (حرب أهلية)، مما أدى إلى أزمة إنسانية.. مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين".

وحينذاك، استُدعي "قاسم" للخدمة العسكرية، موضحاً: "لم أكن أرغب في الخدمة، لأنه كان عليّ أن أقتل شعبي.. لقد هربت لأسباب سياسية، ولأنّ عقوبة رفض الخدمة العسكرية الإعدام".

وانتهى الأمر بـ"قاسم" في تركيا، حيث عمل لفترة كمنسق طبي في منظمة الصليب الأحمر، وعندما علِم النظام السوري بذلك، اعتقل شقيقه وصديقه المقرب انتقاماً منه وللضغط عليه، نجا الأول وأُطلق سراحه بعد عام وبفدية مالية كبيرة، لكن أعز أصدقائه توفي متأثراً بجراحه الناجمة عن التعذيب.

ويقول الطبيب السوري محمد قاسم: "لقد عرّضت عائلتي وأصدقائي للخطر بعملي في تركيا، تركت وظيفتي وقرّرت الذهاب إلى أوروبا"، مضيفاً بأنه لم يكن لديه خيارات كثيرة: "الموت أو بداية حياة جديدة".

وركب قاسم القارب مع زوجته التي كانت صيدلانية في سوريا، وقد هربت أيضاً بعد أن سمعت من صديق لها، بأنّ الشرطة ستأتي لاعتقالها.

وعن ذلك يقول قاسم: "زوجتي كانت معروفة كناشطة، وفي خضم الفوضى التي أعقبت رحيلها، اضطرت إلى ترك كل شيء تقريباً خلفها، بما في ذلك شهادتها التي حصلت عليها في أوكرانيا".

وكانت زوجته هي التي أرادت الذهاب إلى هولندا، موضحاً: "أردت أن أذهب إلى ألمانيا، حيث سيتاح لي مزيد من الفرص في جراحة الأعصاب، لكنّها قرأت كثيراً عن هولندا وعن حقوق الإنسان فيها، وعن المساواة بين الرجل والمرأة".

ووصل قاسم وزوجته إلى هولندا وتنقّلا بين عدة مراكز إيواء، وخلال العام 2014 وحده تنقّلا بين ثمانية "كامبات" حتى حصلا معاً على تصريح إقامة، في العام 2015، وبدأا عملية الاندماج: "لقد درست بجد وأردت أن أتعلم اللغة بسرعة للحصول على وظيفة".

واكتشف قاسم أن ممارسة عمله كـ"جرّاح أعصاب" ستكون صعبة أو مستحيلة، لم يقتصر الأمر على أنه لم يمارس مهنته لسنوات بسبب رحلته، بل لأنّ القواعد الهولندية صارمة أيضاً.

ويُعتبر إدراج الطبيب في سجل "BIG" الذي يعترف بالشهادات الأجنبية والهولندية، أمراً أساسياً لممارسة مهنة الطبيب، وكذلك مهنة الصيدلي، يلزمه معرفة جيدة باللغة الهولندية ودبلوم معترف به.

وعلى الرغم من أن الأساسيات المتعلقة بدراسته في سوريا هي نفسها في هولندا، فإن قاسم قال إنه "سيتم إدراجه في سجل (BIG) كطبيب وليس كجرّاح أعصاب".

وسيكون عليه أن يعيد دراسته كـ"متخصّص" ست سنوات أخرى، لكنه لم يرغب في ذلك: "لقد درست في سوريا لمدة 18 عاماً، ست سنوات في المدرسة الإعدادية الثانوية، وست سنوات في كلية الطب، وست سنوات في جراحة الأعصاب".

ويضيف: "من الرائع لو أتيحت لي الفرصة لممارسة مهنتي، ضعوني تحت المراقبة وانظروا ما يمكنني فعله ثم احكموا هل أستطيع أم لا.. لكن ذلك لم يكن ممكناً: إهدار للمال والموهبة، خاصة بالنسبة لبلد يعاني من نقص في العاملين في المجال الطبي".

"فائدة للعالم كله"

لم يستسلم الطبيب السوري محمد قاسم، وسجّل في برنامج الماجستير البحثي بالعلوم الطبية الحيوية، وتبيّن أن ذلك كان بمنزلة "فرصة ذهبية".

وفي العام 2019، تخرّج وانتقل على الفور إلى بحث الدكتوراه الذي أكمله، نهاية العام المنصرم، قائلاً: "لماذا أجد البحث العلمي رائعاً جداً؟ كطبيب يمكنك مساعدة عدد قليل من المرضى يومياً، وكباحث يمكن للعالم كله الاستفادة من نتائجك"، معرباً عن أمله في الاستفادة من نتائج أطروحته التي تناولت النزف لدى مرضى السكتة الدماغية.

وعمِل قاسم على فحص تركيبة ما يسمى باللويحات -وهي جزيئات تلتصق في الشريان السباتي وبالتالي تسبب تضيقه (تصلب الشرايين)"، وإذا انفصلت لويحة، يمكن أن تتشكّل جلطة دموية تسبب احتشاءً أو نوبة إقفارية عابرة في مكان أبعد في الدماغ.

ولماذا تعتبر لويحة واحدة خطراً وأخرى لا؟ يجيب قاسم: "فكّر في تفاحتين، لهما الحجم نفسه واللون نفسه، يمكنك أن تأكل واحدة وتحتفظ بالأخرى، كيف نعرف أي التفاحة ستتعفن أولاً وبالتالي يجب أن نأكلها أولاً؟ لا يمكنك رؤية ذلك من الخارج، لكن باستخدام طرق التصوير بالرنين المغناطيسي المتقدمة سننظر إلى الخصائص المحدّدة في التفاحة التي تسبّب التعفن".

وتابع: "الأمر نفسه ينطبق على اللويحات الموجودة في الشريان السباتي، أنت تبحث عن ميزات صغيرة يمكن أن تسبب نزيفاً في اللويحة وبالتالي جلطة دموية أو نوبة إقفارية عابرة أو احتشاء دماغي".

عن المستقبل، يقول الطبيب السوري محمد قاسم: "أريد أن أعمل في البلد الذي جلب لي ولعائلتي الأمان وأعطاني الفرصة للدراسة.. أريد إجراء بحث يفيد الناس في هولندا من وجهة نظر طبية.. وآمل أن يكون ابني وابنتي فخورين بنا وسعداء بالحياة التي نبنيها أنا وزوجتي هنا".