من ترك هؤلاء السوريين بين الوحل والقمامة؟!

2021.01.21 | 00:11 دمشق

photo_2021-01-19_12-45-55.jpg
+A
حجم الخط
-A

أظهرت الصور والفيديوهات القادمة من ريف إدلب وشمال شرقي سوريا، المعاناة المتفاقمة لسكان هذه المناطق وبشكل لا يمكن تبريره من قبل سلطات الأمر الواقع في هذه المناطق.

فمشاهد غرق مخيمات كاملة في ريف إدلب، المنطقة التي تديرها حكومة الإنقاذ، بسبب الأمطار والثلوج، ما أدى لكارثة أخرى جديدة لحقت بالمقيمين في هذه المخيمات هرباً من النظام، دون أي تدخل من جانب مؤسسات هذه الحكومة الخدمية، أمر لا يهين كرامة السوريين فقط، بل ويستهزئ بعقولهم أيضاً.

تعيدنا هذه المشاهد إلى شهور الربيع الخالية، عندما كان الطقس طيباً والأهالي في مأمن من حر الصيف وبرد الشتاء. وقتها استغل أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، هذه الأجواء اللطيفة ليجري جولات على بعض المخيمات حاملاً بيده ورقة وقلماً، بدا أنه يدون عليها احتياجات القاطنين هناك، الذين طالبوا بالتحضير لفصل الشتاء القادم (الحالي) والقيام بالأعمال اللازمة لتجنب السيول والوحل، فهل ضاعت ورقة الجولاني منه، أم أنه كان يوهم الحضور أنه يسجل مطالبهم بالفعل؟!

قد يعتقد البعض أن حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة لا تمتلك موارد كافية لإنجاز هذه المهمة البسيطة، لكن الواقع يقول إن لدى الهيئة موارد كبيرة من المعابر والضرائب والاستثمارات، بحيث لا تبدو هذه المشاريع معها ذات كلفة، بل إن أرباح شهر واحد لشركة النفط والمحروقات (وتد) التابعة لها، والتي تبلغ 450 ألف دولار تقريباً، تكفي لتوفير مساكن محترمة لـ 300 عائلة حسب تقديرات المختصين.

لكن السؤال الأكثر إثارة للفضول ربما هو: أين الجولاني الآن، ولماذا لا يقوم بجولات تفقدية في هذا التوقيت العصيب على المقيمين في هذه المخيمات البائسة؟ أم أن تفقد الرعية والعناية بالشعب والاهتمام بالمواطنين لا يكون إلا حين تشرق الشمس ويصبح الطقس دافئاً لكي تظهر الصور أجمل وتتحقق الدعاية بشكل أبلغ؟

عموماً ومهما كانت موارد حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام كبيرة، فإنها لا يمكن أن تقارن مع موارد الإدارة الذاتية لمناطق شمال شرقي سوريا التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني.

عموماً ومهما كانت موارد حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام كبيرة، فإنها لا يمكن أن تقارن مع موارد الإدارة الذاتية لمناطق شمال شرقي سوريا التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. فهذه المناطق كما هو معروف تمثل خزان سوريا من النفط والغاز، وسلة غذائها من المنتجات الزراعية والحيوانية، ورغم عدم التمكن حتى الآن من حصر ميزانية الإدارة أو دخلها، إلا أن التقديرات تشير إلى أن 2 ونصف مليون دولار تدخل خزينتها بشكل يومي من واردات النفط فقط.

ومع ذلك فقد كان صادماً نشر وكالة الصحافة الفرنسية صوراً وفيديوهات تظهر تهافت العشرات من أطفال ونساء بلدة المالكية في ريف الحسكة على عربات نقل القمامة، من أجل الظفر بمواد قابلة للبيع لتأمين مصدر دخل لعائلاتهم، التي أكدوا أنها تقبع تحت خط الفقر ولن تتمكن من العيش من دون هذا العمل.

ملايين الدولارات من النفط يومياً، وأخرى من المعابر التجارية مع النظام والمعارضة وإقليم كردستان العراق، ومثلها أيضاً ملايين من الرسوم والضرائب والاستثمارات، وفوقها كذلك أموال الدعم والمساعدات التي تقدمها دول عدة للإدارة الذاتية، ومع ذلك تجد آلاف العوائل نفسها في مناطقها مضطرة للعيش من العمل في جمع القمامة؟!!

المفارقة الكبرى أن هذه القوى تقدم نفسها كبديل عن نظام الأسد، وأنها جاءت لتخليص السوريين من ظلم هذا النظام وفساده الذي أنهكهم وأفقرهم. بل إن مسؤوليها وأنصارها يسخرون بشكل دائم من الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب (ودعك هنا من الواقع السياسي) الذي يعيشه السوريون في مناطق سيطرة النظام، بينما عملياً لا يشعر السكان في مناطقها بأن خلاصهم قريب.

ومن اللافت هنا أن ينشر أحد الإعلاميين المشهورين مادة تتحدث عن انبهار (شخصية إسلامية) زارت إدلب مؤخراً بحقيقة الواقع هناك، وأن هذه الشخصية عبرت عن فرط الإعجاب بمستوى الحوكمة في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ، في الوقت نفسه الذي كانت فيه الخيام تغرق بالسيول والوحل. والأطفال والشيوخ محاصرون داخلها، بينما لم يشاهد أحد آلية واحدة ترسلها هذه الحكومة لمساعدتهم!

لكن أين الائتلاف من كل ذلك؟

قد يبدو هذا السؤال مضجراً للبعض ومستهلكاً، وقد لا يبدو منطقياً للبعض الآخر، على اعتبار أن ما يحصل في هاتين المنطقتين لا يقع ضمن دائرة مسؤولية الائتلاف الذي لا حضور له فيهما، لكن ما لا يمكن تجاهله هو أن قاطني إدلب وشمال شرقي سوريا هم سوريون، لا يكف الائتلاف عن ادعاء تمثيلهم، وهو إن لم يكن قادراً على الفعل فعلى الأقل يجب أن يكون له موقف مما يتعرض له هؤلاء السكان من مآس وإذلال، تماماً مثل ما يجب أن يكون له موقف مما يتعرض له السوريون في بلدان اللجوء التي يعيشون فيها وضعاً صعباً، فهو إن كان عاجزاً عن حل مشكلة السوريين الكبيرة نتيجة لاعتبارات باتت معروفة، فعلى الأقل يجب أن يضع خططاً وتصورات لمعالجة ما يمكن من المشكلات الصغيرة التي تواجههم.

إلا أنه وبكل أسف، فإن الائتلاف ليس عاجزاً فقط عن الفعل، بل ويبدو غائباً عن كل هذه التفاصيل، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى تركيز كتل وقادة الائتلاف جل اهتمامهم وتخصيص معظم جهودهم والانشغال الكامل بالصراعات البينية والتنافس والتناحر من أجل الهيمنة على هذه المؤسسة التي لم يعد السوريون ينظرون إليها على أنها تمثلهم بشيء، خاصة بعد أن أصبح المخلصون فيها أسرى وضحايا للمتنفذين الذين يبدون مقاومة عنيفة لجميع دعوات الإصلاح!.