من بينهم.. سوري

2021.10.16 | 07:09 دمشق

77745cba-14102112_m2.jpg
+A
حجم الخط
-A

لست بحاجة إلى حدس شاعر أو عاشق لتدرك أن الخبر القادم حول مثيري الشغب في يوم بيروت العصيب سيكيل اتهاماً لسوري من بين المتهمين أوالمشتبهين، وأنا من بين هؤلاء اعتدت- في كل جريمة أو مأساة تقع في أي مكان- أن أضع يدي على قلبي أو أن أصاب بالصدمة حينما لا يكون بين أولئك أثراً لسوري هارب أو لاجئ فيحدث مثلاً أن يترك بطاقته الشخصية أو جواز سفره لكي يراه الباحثون عنه.. فالسوري دائماً (من بينهم).

جاء الخبر كما توقعنا جميعاً وهنا في لبنان يكون الأمر عادياً لو نجا السوري من إثمه، ولكن انتهى كما يجب أن ينتهي أي خبر دموي: (القبض على تسعة أشخاص من بينهم سوري) يا لتلك العبارة الفاجرة، هل بات العالم مختصاً بإنتاج الجريمة مع لازمة أبدية تجعل من كل موت مؤثراً إن خرج بإيماءة عن تلك البلاد التي تبيض مجرمين وإرهابيين وبؤساء؟.

من أجل ذلك يريد هذا (اللبنان) الجديد أن يعيد الهاربين إلى بيت الطاعة القديم، ولا طريق لذلك سوى إيغال صدور من بقي من متعاطفين معهم

لبنان الصغير المحشو بكراهية اللاجئين السوريين، والمخزون القاتل لحاملي رايات الثأر الموتورة من شعب حكمه الاستبداد عقوداً، وتوجب عليه اليوم في غربته أن يحمل وزر انتقام الجيران الذين شربوا من الكأس المستبدة نفسها مضافاً إليها نكهة الطائفية القادمة من خارج الحدود لإمبراطورية تولد في العواصم العربية تحت رايته محو هذه المدائن وتغيير جغرافيتها وبشرها وأحلامها.

من أجل ذلك يريد هذا (اللبنان) الجديد أن يعيد الهاربين إلى بيت الطاعة القديم، ولا طريق لذلك سوى إيغال صدور من بقي من متعاطفين معهم، والقول إن كل بلاء في الأرض يسكن جوف سوري، ولهذا يمكن لنضال الأحمدية أن تشتم السوريين وتجعل منهم رمزاً للقذارة بينما هم عكس ذلك في القاهرة وإسطنبول، ويمكن لصحف الممانعة أن تتهمهم بنشر السرطان في مدينة تغلق القمامة مداخل البيوت، وأن ينال محللو الميادين من سكان المخيمات الغارقين في العراء والثلج في عرسال ويتهمهم بالانتماء إلى النصرة وداعش..هكذا على السوري أن يعيش خائفاً في الجار الشقيق المفتوح على الانهيار مع أول طلقة رصاص تنعش ذاكرة الاقتتال الطائفي البغيض.

في سوريا المظلمة الفقيرة لا يختلف الأمر كثيراً حتى بعد انتهاء حفلة الدم الكبرى، فالسوري المنبوذ هو نفسه لم يتغير حتى في حارته ومدينته وأحلامه

في تركيا التي تعيش اليوم حمى الحرب على السوريين التي تقودها المعارضة، والتي ترى فيهم القشة التي ستكسر بها ظهر الحكومة فيما يمكنها ذلك بوسائل شتى كالاقتصاد والسياسة لكنها ترى أن ورقة السوري هي الأسهل والتي تثير حنق العاطل عن العمل والقومجي المتشدد، ولهذا فالمتحرش في غازي عينتاب سوري، والقاتل في أنقرة سوري، وسارق أرزاق الأتراك في إسطنبول سوري، والمتسول في السلطان أحمد وتقسيم سوري، والذي يرمي القمامة في الشوارع سوري، ومن يخدش أذن التركي بالعربية الفجة سوري، وهكذا تستعر الكراهية التي ستصل ذات يوم لا يتمناه عاقل إلى الدم.

في سوريا المظلمة الفقيرة لا يختلف الأمر كثيراً حتى بعد انتهاء حفلة الدم الكبرى، فالسوري المنبوذ هو نفسه لم يتغير حتى في حارته ومدينته وأحلامه، وعليه أن يدفع من جيبه ثمن هروبه إلى المجهول حيث يمكن له أن يقول في سرّه: (وظلم ذوي القربى)، ويلقي الشباب السوري بأنفسهم في البحر فالسمك أولى باللحم من سياط الجلاد، وفي رحلة اللجوء إلى بلاد النجاة قد تكون النهاية جثة هامدة على سياج حدودي برصاصة حارس حاقد، وفي أحسن الحالات لاجئاً في مخيم بين اليونان وأوروبا العجوز تحت المطر والذل بانتظار قبول طلبه كمواطن يأكل ويشرب ويصرخ.

السوريون ليسوا ملائكة فمنهم القاتل والموتور والمريض النفسي والمتخلف ولكنهم بشر يبحثون عن ملجأ هادئ في معظمهم، بشر هاربون وخائفون من المجهول الذي يسميه الآمنون مستقبلاً.. ويتمنون أن يكونوا من بينهم.