icon
التغطية الحية

من بذرة القمح إلى رغيف الخبز.. مشروع قطري متكامل لضمان الأمن الغذائي شمالي سوريا

2022.02.17 | 05:05 دمشق

img_9913.jpg
حلب - حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

أطلقت جمعية قطر الخيرية، بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA)، مشروعاً استراتيجياً يهدف إلى دعم القطاع الزراعي، في ريف حلب الشمالي، لتعزيز الأمن الغذائي لقاطني المنطقة، عبر سلسلة من الأنشطة المتكاملة والمنتظمة، التي تدعم مئات المزارعين والفلاحين، والأيادي العاملة من سكان المنطقة، وتأمين مادة الخبز بجودة عالية عبر الأفران التي تدعمها.

وشهد ريفا حلب الشمالي والشرقي أزمة خبز حادة خلال الفترة الماضية مع انقطاع دعم عدد من الأفران، بعد انتهاء عقودها مع المنظمات التي تورد الطحين إلى الشمال السوري، ما دفع المجالس المحلية إلى شراء الطحين من الأسواق، فتسبب ذلك بارتفاع سعر ربطة الخبز إلى أكثر من ليرتين تركيتين لربطة الخبز المدعوم التي تزن 700 غرام، وأكثر من 5 ليرات تركية للخبز غير المدعوم في عدة مناطق، الأمر الذي أثار قلق الأهالي من انقطاع مادة الخبز وعدم قدرتهم على توفيرها لأسرهم.

وانطلق مشروع قطر الخيرية في الموسم الزراعي لعام 2019، في دعم القطاع الزراعي في الشمال السوري، حيث يقوم المشروع في كل موسم زراعي منذ انطلاقته بمشاريع تدعم المزارعين عبر عملية إنتاج مستدامة هدفها الحفاظ على الأمن الغذائي في المنطقة في ظل أزمات المعيشة التي تشهدها البلاد.

ووصفت مساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر مشروع "قطر الخيرية" بـ "الرائد"، موضحة أنه يمثل في عامه الثالث "دورة كاملة مستدامة يفيد منها الأشقاء السوريون من شراء البذور إلى خبز وتوزيع الخبز".

 

 

ويعمل المشروع بدورة إنتاج كاملة من خلال توفير أصناف قمح ذات جودة عالية، وزراعة أراض في الداخل السوري، إضافةً إلى إيجاد مصدر دخل للمزارعين، وشراء المحاصيل الزراعية، من المزارعين بدل شرائها من أسواق وشركات عالمية، إضافةً إلى تخزين القمح وطحنه وتوريده إلى الأفران لتزود سكان المنطقة نفسها بمادة الخبز، ما يسهم في تحقيق الآمن الغذائي.

بدءاً من البذرة.. محطات إكثار البذار

أنشأت جمعية قطر الخيرية بالتنسيق والتعاون مع المؤسسة العامة لإكثار البذار في الحكومة السورية المؤقتة، محطتين لإكثار أصناف بذور القمح المحلي وإنتاج مراتب عالية النقاوة منها، في منطقتي مارع واعزاز بمساحة 50 دونماً لكل منهما، تهدف إلى الحفاظ وتحسين أصناف القمح لإمداد المزارعين بها.

 

محطات إكثار البذار في الشمال السوري - تلفزيون سوريا

 

وعملت الكوادر الزراعية المختصة، على تجهيز المحطة وتخطيطها وتقسيمها إلى شرائح وقطاعات، وزراعة أصناف من خلال الاعتماد على خط السنبلة الواحدة بعد فرط كل سنبلة على حدة وزراعتها ضمن الخط من أجل إنتاج مرتبة النواة والحفاظ على النوية من أجل استمرارية وإعادة دورة الإنتاج بالإضافة إلى زراعة الشرائح الصغيرة والموسعة لإنتاج مرتبة الأساس.

التقى موقع تلفزيون سوريا بالمهندس الزراعي زكريا المطير، الذي يشرف على المشاريع الزراعية، ومسؤول برنامج الأمن الغذائي، في جمعية قطر الخيرية.

وقال المطير: "تعتبر محطات الإكثار أساس استمرار إكثار بذار القمح للحفاظ على الأصناف ورفع نقاوتها وصولاً لإنتاج الكميات اللازمة من البذار الموثوق بها لسد حاجة المنطقة وتلبية رغبة المزارعين".

 

 

وأضاف: "من المتوقع أن يتم إنتاج 45 - 50 طناً من الأصناف المختلفة بنقاوة جيدة التي سيتم إكثارها لاحقا لإنتاج المراتب الأخرى من البذار المسجلة والمعتمدة والمحسنة على مراحل".

ومن أبزر الأنواع المزروعة في المحطتين من القمح القاسي: (شام1، شام3، شام5، شام7، شام11، بحوث 9، بحوث 11، دوما 1، اكساد 65، حوراني)، ومن القمح الطري: (شام 6، شام8، شام10، شام12، دوما2، دوما4، جولان2).

دعم المزارعين والقطاع الزراعي

يستهدف المشروع القائم في ريف حلب الشمالي منطقتي مارع والراعي، ويدعم المزارعين لزراعة هكتار (10دونمات) لكل منهم، من خلال توفير المدخلات الزراعية مجاناً، وذلك بالتنسيق مع مديريات الزراعة التابعة للمجالس المحلية الموجودة في كلا المنطقتين.

 

دعم المزارعين والقطاع الزراعي في ريف حلب الشمالي - تلفزيون سوريا

 

وأوضح المهندس الزراعي المشرف على مشروع دعم المزارعين في جمعية قطر الخيرية أسامة الخلف، لموقع تلفزيون سوريا، أن المشروع يقدم الأسمدة المركبة واليوريا، ومبيدات القوارض، والمبيدات الحشرية لمكافحة حشرة السونة، ومبيدات فطرية لمكافحة الأصداء، ومبيدات أعشاب لمكافحة الأعشاب، إضافةً إلى بدل الري، وبدل الحصاد".

ويستهدف المشروع نحو 550 مزارعا، في منطقتي الراعي ومارع بريف حلب الشمالي، حيث يحصل كل منهم على تغطية كامل الاحتياجات لزراعة هكتار واحد ملكاً له من القمح، إضافة إلى متابعة من قبل الفريق الفني في قطر الخيرية الذي يقدم الإرشادات والاستشارات الزراعية اللازمة للمزارعين حتى موسم الحصاد".

 

حصاد القمح في ريف حلب الشمالي خلال الموسم الماضي - تلفزيون سوريا

 

وحقق المشروع تقدماً زراعياً مهماً في المنطقة في ظل ارتفاع أسعار الاحتياجات الزراعية، التي تقف عقبة أمام المزارعين، في زراعة حقولهم ما يضطرهم إلى تأجيرها، في ظل تردي الأوضاع المعيشية لدى معظم الأهالي، وعزوف الكثير منهم عن الزراعة بسبب شح الهطولات المطرية، كما أوضح المزارع عبد الله المصطفى، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا.

وأكد المصطفى أنه استطاع زراعة أرضه الزراعية بمادة القمح بعد حصوله على القمح والأسمدة ومعظم الاحتياجات الزراعية اللازمة لاستثمار أرضه الزراعية، بعد أن كان يفتقد للقدرة المالية اللازمة لزراعة أرضه.

شراء القمح وتوريده إلى المخازن

بعد دعم المزارعين وتشجيعهم على زراعة القمح، قامت قطر الخيرية بالتعاون مع المؤسسة العامة للحبوب في الحكومة السورية المؤقتة بشراء القمح من المزارعين، بأسعار لا تقلل من تكاليف الإنتاج وإنما تحرص على ضمان تحقيق الربح المناسب للمزارعين.

 

شراء القمح وتوريده إلى المخازن

 

وقال واصف الزاب، مدير شركة الخزن والتسويق في الحكومة السورية المؤقتة: "حرصت المؤسسة العامة للحبوب، منذ تأسيسها على دراسة أسعار القمح، بحيث تكون مناسبة لتغطية التكاليف، حتى يتم الحصول على سعر مجزي، بما يتناسب مع الأسعار العالمية، وغالباً ما تكون مرتفعة عن الأسعار التي يحددها النظام وقسد، حيث تتراوح قيمة الطن الواحد بين 350 – 360 دولارا أميركيا".

وتابع في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "ويهدف المشروع إلى منع ارتفاع أسعار الخبز في المنطقة، ويتم تحديد أسعار القمح بالتعاون مع المجالس المحلية والفعاليات الموجودة والمنتجين المعنيين بإنتاج القمح مع دراسة تكاليف الإنتاج، والسعر الأنسب للمزارع، حيث تم شراء نحو 4500 طن من القمح خلال الموسم الماضي".

طحن القمح وتوريده للأفران

تعمل قطر الخيرية من خلال المشروع بالتعاون مع المؤسسة العامة للحبوب على خزن القمح في الصوامع، إضافة إلى طحنه وتوريده إلى المخابز التابعة للمجالس المحلية في منطقتي الراعي ومارع في ريف حلب الشمالي، وفقاً لاتفاقيات مبرمة بين قطر الخيرية والمجالس المحلية، لتأمين الخبز المدعوم لسكان المنطقتين.

 

شراء مطحنة وتأهيل المكان لطحن القمح في مارع

 

وقال مسؤول الأمن الغذائي في قطر الخيرية زكريا المطير لموقع تلفزيون سوريا: "تعمل الجمعية على شراء الطحين أيضاً لتزويد الأفران، إلى جانب دعمها زراعة القمح من الزراعة حتى الحصاد والتسويق، من أجل إنتاج الخبز وتوفيره للمستفيدين بالاعتماد على الإنتاج المحلي في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي".

4.6 ملايين ربطة خبز

وأشار المطير إلى أن قطر الخيرية تهدف من خلال هذا المشروع إلى توفير نحو، 4.6 ملايين ربطة خبز، لأكثر من 17 ألف أسرة بشكل مدعوم، بينها 3900 أسرة تحصل عليه بشكل مجاني، من خلال شراء 5 آلاف طن قمح من الفلاحين، في الداخل السوري، وتخزينه في صوامع مارع والراعي بعد ترميمها، وتعمل الآن على طحن القمح أيضاً في مطحنتين تقعان بالقرب من الصوامع، تم ترميمهما وشراء معدات كاملة للمطاحن".

وأوضح مدير مكتب الطحين، في المجلس المحلي لمدينة مارع، محمد النجار، أنه منذ مطلع كانون الأول 2021، باشر المجلس المحلي الحصول على مادة الطحين المدعوم من قبل مؤسسة قطر الخيرية، التي تعمل على دعم الأفران، حيث افتتحت مطحنة في صوامع المدينة لتوفير مادة الطحين، وتتراوح تكلفة ربطة الخبز التي تزن 600 غرام، بين 85 و90 قرشا تركيا، حيث توافق التكلفة الإنتاجية للخبز المدعوم أسعار المبيع للأهالي، بينما يحصل معتمد الأحياء على 10 قروش لكل ربطة.

 

تأهيل المخابز وإمدادها بالطحين لصناعة الخبز

 

ويبلغ سعر ربطة الخبز المدعوم من قطر الخيرية  ليرة تركية واحدة تزن 600 غرام، بينما تحصل عائلات لا معيل لها على الخبز المجاني المقدم من قطر الخيرية في منطقتي الراعي ومارع بريف حلب الشمالي، باعتباره أحد شروط توريد ودعم أفران المدينتين.

ماذا حقق المشروع في أعوامه الثلاثة؟

انطلق مشروع دعم القطاع الزراعي في الشمال السوري خلال العام 2019 بدورته الكاملة من كل عام زارعي حتى مع توسع المشاريع في العام 2022، ومن أبرز الإنجازات التي حققها المشروع:

  • ترميم وتأهيل 3 منشآت صوامع، تحتوي كل واحدة  12 خلية تخزينية بسعة 1000 طن، منتشرة في كل من مارع والراعي وشران
  • تركيب مطحنتين لإنتاج الطحين بطاقة إنتاجية تبلغ 50 طنا يومياً تنتشر في كل من مارع والراعي
  • تقديم نحو 7 ملايين و280 ألف ربطة خبز منذ انطلاقته 2019 حتى انتهائه
  • شراء 6549 طنا من القمح من المزارعين
  • تأمين مخبز آلي بطاقة إنتاجية تبلغ 5000 رغيف في الساعة في مدينة الراعي، وإعادة تأهيل مخبز في مدينة مارع
  • زراعة ثلاث محطات لإكثار أصناف القمح المحلي عالية الجودة في مدينتي مارع واعزاز

 

ترميم وتأهيل الصوامع وبناء مطحنة في مدينة مارع

 

وقال مسؤول الأمن الغذائي زكريا المطير إن قطر الخيرية تسعى من خلال مشاريعها إلى دعم الخبز وتوزيعه على أفراد المجتمع المحلي بسعر مدعوم بنسبة 50%، وهذا الإجراء سيحقق دعم المجتمع المحلي على مستويين مهمين، الأول، دعم تسويق القمح لتحفيز المزارعين على الاستمرار في زراعة القمح، أما الثاني حصول المجتمع على خبز بجودة عالية وأسعار مقبولة تتلاءم مع الوضع الاقتصادي للعوائل".

أهمية المشروع ودوره الاقتصادي

يعد المشروع مهماً للغاية، لكونه يخدم المزارعين في ريف حلب الشمالي، ويعود بالنفع على المجتمعات المحلية، التي تعتمد على الزراعة والأعمال المرافقة لها كمصدر دخل رئيسي لإعالة أسرهم. حيث يتيح المشروع مئات فرص العمل الدائمة والدورية لأشخاص لا يجدون عملاً في ظل أزمة البطالة الحادة التي تشهدها المنطقة.

عبد الغني الحاجي، يعمل عامل تعبئة في مطحنة مدينة مارع، ضمن مشروع قطر الخيرية، قال خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا إنه كان يبحث عن فرصة عمل لإعالة أسرته، لكن مع انطلاق مشروع المطحنة التحق بالعمل فيها، مشيراً إلى أن فرص العمل قليلة جداً في المنطقة ومصادر الدخل منخفضة ولا تغني من جوع.

بينما كان يعمل بشار نجار حداداً، قبل ثلاثة أشهر، عندما التحق في العمل كعامل مطحنة أيضاً، حيث كان يواجه انقطاعاً كبيراً في عمل الحدادة بسبب تكاليف الحديد وارتفاع أسعاره وضعف الأحوال المعيشية لدى الأهالي مما دفعه إلى العمل في المطحنة لإعالة أسرته.

وقال الباحث الاقتصادي أدهم قضماتي، لموقع تلفزيون سوريا: "يلبي المشروع جزءاً من حاجة المنطقة من القمح وسيقلل الاعتماد على الطحين المستورد، وذلك سينعكس على الأسعار، كما يشجع المستثمرين على الانخراط في مشاريع مشابهة وبمحاصيل مختلفة يمكن أن تدر ربحاً لهم، وتعجّل في دوران عجلة الاقتصاد في مناطق الشمال السوري والوصول للاكتفاء الذاتي الزراعي".