icon
التغطية الحية

 أزمة خبز وشيكة.. ما حلول المؤقتة والمجالس لتوفير المادة الرئيسية لدى السوريين؟

2021.12.29 | 05:18 دمشق

img_9630-logo.jpg
حلب - حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

يعيش سكان ريفي حلب الشمالي والشرقي في سوريا، على وقع أزمة خبز وشيكة من جراء انخفاض كمية إنتاج مادة الخبز المدعوم في الأفران الآلية، التي تغطي مدن وبلدات المنطقة، إضافة إلى تفاوت أسعار ربطة الخبز بين مدينة وأخرى، ما شكل موجة استياء من الأهالي الذين باتو يضطرون إلى شراء خبزهم من الأفران الخاصة والعامة، بأسعار مرتفعة لتحقيق اكتفائهم من المادة الرئيسية على الموائد السورية.

وشهدت الأفران خلال الأيام القليلة الماضية في مدن اعزاز وعفرين ومارع والباب وأخترين بريفي حلب الشمالي والشرقي طوابير من الأهالي بنسب متفاوتة طلباً لمادة الخبز، لا سيما بعد انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي، ولجوء بعض الأفران إلى رفع تسعيرة ربطة الخبز بما يتناسب مع الكلفة الإنتاجية.

وتزامناً مع أزمة الطلب على مادة الخبز وارتفاع أسعاره بدأ باعة الخبز بشرائه من المناطق التي ما زالت تحافظ على التسعيرة القديمة، حيث يُنقل الخبز من مدينة إلى أخرى عبر الطرق الفرعية ضمن الأراضي الزراعية خشية المساءلة القانونية معتبرين أن عملية نقل الخبز من منطقة إلى أخرى عملية تهريب، بعدما ضبطت حواجز الشرطة الموجودة على مداخل المدن سيارات تنقل الخبز، بحسب ما أكدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا.

وتظاهر عشرات المدنيين الثلاثاء 21 كانون الأول، في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية، وسوء خدمة المياه والكهرباء، إضافةً إلى ارتفاع أسعار المواد التموينية، وعلى رأسها مادة الخبز، بحسب ما أوضح محمد الدبك من أهالي مدينة الباب لموقع "تلفزيون سوريا".

أسعار وعقود جديدة للخبز المدعوم

وأعلن المجلس المحلي لمدينة الباب عن تسعيرة الخبز الجديدة، حيث أصبح سعر ربطة الخبز المدعوم التي تزن 700 غرام، ليرتين تركيتين، نتيجة توقف دعم الطحين وانخفاض القيمة الشرائية لليرة التركية، ما أدى إلى زيادة المصاريف والكلفة في إنتاج مادة الخبز، وفقاً لتعميم المجلس. كما رفع المجلس المحلي في مدينة اعزاز في 18 كانون الأول سعر ربطة الخبز المدعوم التي تزن 800 غرام إلى ليرتين تركيتين، لـ "ضرورة المصلحة العامة"، وفقاً للقرار الصادر عنه.

وأبرم المجلس المحلي في مدينة الراعي اتفاقاً مع منظمة (شفق) للاستمرار في بيع ربطة الخبز بوزن 600 غرام بسعر ليرة تركية واحدة، خلال خمسة أيام في الأسبوع، حيث ستوفر المنظمة تقديم الطحين بنسبة 50 %، بينما سيتكفل المجلس المحلي بتأمين الكمية المتبقية للحفاظ على السعر.

وكان المجلس المحلي في مدينة مارع، خفض وزن ربطة الخبز إلى 600 غرام بسعر ليرة تركية واحدة، عقب توقف دعم مادة الطحين من منظمة (آفاد)، حيث كانت تحصل عليه الأفران الآلية العامة التي تديرها المجالس المحلية في منطقة درع الفرات، بحسب ما أوضح نائب رئيس المجلس المحلي للمدينة ومدير مكتب الطحين محمد النجار، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا.

 

 

وأوضح النجار أن منظمة آفاد كانت تقدم 82 طناً من الطحين أسبوعياً لمدينة مارع، ويغطى العجز من مادة الطحين من مجلس المدينة، حيث يشتري المجلس الطحين من مؤسسة المطاحن والحبوب في الحكومة السورية المؤقتة، بسعر 285 دولاراً أميركياً لطن الطحين المدعوم من صندوق الائتلاف، وتعمل معظم المجالس المحلية وفقاً للآلية السابقة، بما يتناسب مع عدد السكان.

وباشر محلي مارع منذ مطلع كانون الأول الجاري، الحصول على مادة الطحين المدعوم من قبل مؤسسة قطر الخيرية، التي تعمل على دعم الأفران حيث افتتحت مطحنة في صوامع المدينة لتوفير مادة الطحين، وتتراوح تكلفة ربطة الخبز التي تزن 600 غرام، بين 85 و90 قرشا تركيا، حيث توافق التكلفة الإنتاجية للخبز المدعوم أسعار المبيع للأهالي، بينما يحصل معتمد الأحياء على 10 قروش لكل ربطة، لكن عندما يتم شراء الطحين المدعوم من الائتلاف بسعر 285 دولارا فإن سعر ربطة الخبز سيبلغ 4 ليرات تركية.

وتابع النجار: "يترتب على المجلس المحلي دفع التكاليف التشغيلية للأفران، والتي تتضمن المحروقات والأعطال والأكياس والكهرباء والماء وغيرها من احتياجات تصنيع رغيف الخبز، وتقدم مؤسسة قطر الخيرية الطحين بشكل كامل بالتعاون مؤسسة العامة والحبوب في الحكومة السورية المؤقتة".

من جانبها توفر الحكومة السورية المؤقتة مادة الخبز في العديد من الأفران المنتشرة في مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي، إلى جانب مراكز الحبوب والمطاحن لتأمين مادة الطحين، في محاولة منها للحفاظ على الأمن الغذائي، في ظل الأزمة الحادة التي تعيشها المنطقة.

وقال مدير الشركة العامة للمخابز التابعة للحكومة السورية المؤقتة، المهندس علي العبيد لموقع تلفزيون سوريا: "توفر المؤسسة العامة للحبوب مادة الخبز من خلال مطاحنها المنتشرة في مدن اعزاز ومارع وبزاعة والغندورة وعين البيضا والأتارب، التي توزع الدقيق بسعر مدعوم على المجالس المحلية والمخابز المعتمدة لديها، وتنتشر مخابز المؤسسة في مناطق أخترين وبزاعة والغندورة، وتوزع الخبز على المواطنين بسعر مدعوم يصل إلى ليرتين تركيتين لكل (1200) غرام".

وأوضح: "أن تكلفة ربطة الخبز بوزن 1 كغ يبلغ سعرها ربع دولار، بما يعادل 3.5 ليرة تركية الموافق على سعر الصرف 14 ليرة، بينما تقوم المخابز ببيع ربطة الخبز بوزن 1200 غرام بسعر 2 ليرة تركية في حين تكلفتها الحقيقية تفوق الـ 4 ليرات، ويصل إنتاج مخابز المؤسسة بشكل يومي نحو 4 آلاف ربطة".

مصادر دقيق القمح في ريف حلب

يوجد ثلاثة مصادر لدقيق القمح في ريف حلب، الأول المقدم من آفاد التركية، ومن سلبياته عدم تغطية احتياج المنطقة بالكامل وغالباً ما يتوقف بشكل فجائي لفترات غير معروفة، وهو يدخل من المعابر التركية إلى المنطقة.

والثاني الدقيق المنتج من قبل المؤسسة العامة للحبوب في مطاحنها المنتشرة في الشمال السوري التي تعتمد على منتج القمح المحلي، والذي يعتبر مدعوما بنسبة تزيد على 67%، حيث تغطي كمية هذا الدقيق ما يقارب 35 % من الاحتياج الكلي للمنطقة.

والثالث الدقيق الحر الذي يتم توفيره عن طريق التجار، وهو بسعر عال جداً مقارنة للوضع المعيشي في مناطق الشمال السوري حيث يبلغ سعر الطن الواحد 450 دولاراً أميركياً، ويشتريه أصحاب الأفران الخاصة التي تبيع "الخبز السياحي".

وبيّن العبيد أن سعر طن القمح في الأسواق يفوق الـ 400 دولار أميركي، بينما يبلغ سعر طن دقيق القمح نحو 450 دولاراً أميركياً، وتبلغ تكلفة طحن طن القمح نحو 40 دولاراً أميركياً.

تحديات ومعوقات تواجه صناعة الخبز

أوجدت الظروف الاقتصادية التي تعيشها المنطقة إلى جانب الظروف المناخية التي أثرت على إنتاج القمح المحلي في العديد من التحديات والمعوقات التي أسهمت في عرقلة إنتاج مادة الخبز المدعوم وتوفيرها بأسعار جيدة للأهالي في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

ويرى علي العبيد أن أبرز التحديات التي تواجه صناعة الخبز في ريف حلب الشمالي: "الضعف الشديد في إنتاج القمح المحلي وارتفاع أسعار القمح عالمياً بشكل كبير، وبالتالي صعوبة تأمين الدقيق، وعدم وجود جهة واحدة تتولى موضوع الأمن الغذائي وإيكال ذلك للمجالس المحلية التي تتباين الرؤى فيما بينها ولكل مجلس وجهة نظر خاصة لإدارة هذا الملف".

وأوضح الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، أن أزمة الخبز ناتجة عن أزمة قمح، لأن إنتاج البلاد في كل المناطق من القمح شهد تدهوراً حاداً بحيث لم تعد الكمية المنتجة تكفي الاستهلاك، ومن جهة أخرى يعد توفير القمح المستورد أمراً غير متاح دائماً نتيجة عقبات مالية وأخرى إدارية، لا سيما أن استيراد القمح في الشمال السوري غير متاح إلا بوساطة تركية".

وأضاف في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "انعكس عدم استقرار سعر صرف الليرة التركية على تكاليف الاستيراد وعلى قدرة الحكومة المؤقتة على توفير التمويل، إضافة إلى ما سبق فإن وجود بعض حالات الفساد في توزيع القمح على المطاحن ووجود سوق سوداء وضعف الرقابة أدى لتفاقم المشكلة".

وأشار إلى أن رفع سعر ربطة الخبز هو إحدى وسائل معالجة السوق السوداء الموازية، "إلا أن لهذا الأمر انعكاسات خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لذلك فهذا الخيار يعد غير فعال وله تبعات سلبية".

حلول خجولة.. يجب أن تحظى بالاهتمام

تعمل المؤسسة العامة للحبوب على تشجيع الفلاحين في الاستمرار بزراعة القمح، لا سيما من خلال توفير الأسمدة والبذور والأكياس وغيرها من احتياجات المزارعين لتحقيق إنتاجية متقدمة من القمح، إلا أنها فعلياً لا تحظى بذلك الوقع على الإنتاج الزراعي من القمح.

وقال مدير شركة المخابز علي العبيد: "تقوم المؤسسة بدراسة سعر تسويق لمحصول القمح يضمن الربح الجيد للمزارع، ويشجعه على استمرار الزراعة في الأعوام المقبلة وتشتري منه بالدولار منعاً لتقلبات الصرف التي قد تؤدي إلى خسارته".

ومن ثم تسعى المؤسسة العامة للحبوب لتوفير الدقيق المدعوم وتوسعة مطاحن القمح في المنطقة وذلك لتحقيق العجز الحاصل في إنتاج مادة الخبز.

بدورها المجالس المحلية في ريفي حلب الشمالي والشرقي تسعى إلى تشجيع الفلاحين على زارعة القمح، عبر مديريات الزراعة التابعة لها في كل مدينة، وتخصص بالتعاون مع مؤسسة الحبوب في الحكومة السورية المؤقتة دعماً متواصلاً للفلاحين لرفع الإنتاجية.

بينما يرى الباحث يحيى السيد عمر، أن حل مشكلة الخبز لا يمكن أن تتم إلا بمعالجة جذورها، من خلال دعم مزارعي القمح، وإعطاء سعر مناسب للمزارعين بما يضمن تسليم القمح كله للحكومة، وتوحيد الجهود ومنع تهريب القمح إلى خارج المنطقة، وفي ذات الوقت لا بد من توفير مصادر ري إما من خلال فتح آبار أو بناء سدود سطحية، أو مشاريع استراتيجية كجر المياه من نهر الفرات، والتي ستساهم في تحسين الواقع الزراعي والمعيشي لدى الأهالي.