من التطبيع إلى التعويم.. الحلول العربية في حضن الأسد!

2023.08.20 | 06:29 دمشق

من التطبيع إلى التعويم.. الحلول العربية في حضن الأسد!
+A
حجم الخط
-A

لطالما كانت بعض الدول العربية من أبرز اللاعبين في سوريا منذ بداية الثورة السورية وحتى قبل ذلك، ولا يكاد يخفى على أحد الدور الذي جسدته كطرف داعم بشكل أو بآخر للجهات المتصارعة في الحرب والصراع الحالي الذي بدأ يتحول إلى شكل جديد وخطير على الإنسانية.

وبتغير الأحداث والوقائع تبدلت مواقف تلك الدول، حتى تحولت من "عدو مفترض" لنظام قمعي استبدادي متورط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى "صديق" يعود ويهرول نحو التطبيع معه ولا يكتفي بذلك بل يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى تعويمه وإظهاره على أنه أداة للسلام وطرف للحل.

تمر الأعوام وتنكشف العديد من الحقائق على السوريين وشعوب المنطقة التي رغم أنها لا تملك من أمرها شيئاً إلا أنها باتت تدرك حجم التناقض الذي ينعكس في سلوك بعض الحكومات العربية والوسائل الإعلامية الخاضعة لسيطرتها.

تقوم تلك الحكومات بالتطبيع مع النظام ورئيسه مستغلة الأحداث والتغيرات الميدانية تحت شعارات وحجج لا يمكن تبريرها إنسانياً ولا أخلاقياً، فالحل الذي تتحدث عنه بعض الدول لا يمكن أن يتحقق عبر بشار الأسد ونظامه الذي هو طرف أساسي ورئيسي بالمشكلة.

الحلول في أحضان الأسد!

من الطبيعي عندما يحصل أي صراع بين طرفين يتدخل طرف ثالث لحل المشكلة إما عبر جمعهما معاً والجلوس على طاولة واحدة، أو عبر مبادرة معقولة يفترض أن تطرح حلولاً جادة غير منحازة لجهة من جهات الخلاف.

لكن في الحلول العربية تجد الدول التي أعادت التطبيع والتعويم مع نظام الأسد تعمل كل ما بوسعها للزج به كطرف لا غنى عنه في الحل كما حصل في اجتماع القاهرة منتصف آب/أغسطس 2023 الذي شارك فيه وزراء خارجية النظام السوري، العراق، لبنان، مصر، الأردن والسعودية مع أمين الجامعة العربية أحمد أبو الغيط.

تصرف وزراء تلك الدول مع النظام السوري كأنه طرف محايد لا علاقة له بالمأساة السورية، ورغم ذلك كانت النتائج فضفاضة كل ما فيها تكرار وتطلعات وآمال من دون خطوات جادة أو حقيقية.

أبدى المجتمعون تطلعهم لاستئناف المسار الدستوري السوري في سلطنة عمان قبل نهاية العام الجاري بتسهيل من الأمم المتحدة!

وباعتقادي الخاص لولا حديث هؤلاء عن المسار الدستوري لما تذكر أحد من السوريين الذين يكافحون لأجل المعيشة هذا المسار الذي بدأ قبل سنوات من دون تحقيق أي نتائج بل كان ضياعاً للوقت وفق رؤية البعض.

وصدر تأكيد من قبل الوزراء العرب (ليس بالجديد) على أن الحل الوحيد للأزمة في سوريا هو الحل السياسي.

كما صدر تأكيد آخر مكرر ولا جديد فيه على ضرورة معالجة ملف اللاجئين (من دون الحديث عن السبب الرئيسي لمشكلتهم) المتعلقة بعدم توفر الأمان والدولة التي تهيئ أساسيات الحياة من أمن وعدل قبل المعيشة الكريمة.

الصادم لي كمواطن سوري وللعديد من السوريين أنه في كل مرة يتم زج النظام السوري كأنه المفتاح السحري الذي يملك الحل، وتجاهل حقيقة أن أمره ليس بيده وأن من يحكم سوريا فعلياً داعموه من الروس والإيرانيين الذين يتسابقون إلى تملك ما تبقى من البلاد.

شدد البيان العربي على ضرورة تنسيق النظام السوري مع دول اللجوء لإعادة اللاجئين لتسهيل (العودة الطوعية والآمنة) فهل تقصد تلك الدول عودة السوريين إلى المعتقلات أو المحافظات والقرى التي تحولت إلى سجون بفعل سيطرة ميليشيات السلاح والمخدرات عليها؟

هل تقصد تلك الوزارات بالعودة الطوعية نموذج لبنان الذي ترحل سلطاته السوريين بشكل قسري نحو الموت والفروع الأمنية من دون أي مراعاة للقوانين الدولية والمواثيق الأممية الخاصة باللجوء؟

لقاء بشار الأسد يثبت أنه المشكلة

في الظهور الإعلامي الأخير لبشار الأسد بدا واضحاً رؤية المتشبث المتعنت الذي لا يريد الحل، ويؤكد أنه طرف رئيسي في معاناة ومأساة السوريين، من خلال إجابات تبين للدول المهرولة نحو التطبيع أنها ارتكبت خطأ كبيراً في محاولة تعويم النظام القمعي الاستبدادي.

يلعب بشار الأسد في تلك اللقاءات دور الطفل المدلل الذي ينتقد ويهاجم الدول العربية التي تتقرب منه وتهرول إليه بحجة أنها المسؤولة عما حصل في سوريا، وفي الوقت ذاته يتسول منها المساعدة بمختلف أنواعها.

وفي واقع الأمر كمواطن سوري لا يهمني حديث بشار الأسد ولم يعد يستفزني أي حديث له لأنه يكرر ذات الخطاب بتناقض وإنكار أكبر، رغم أن دوره كرئيس دولة يشبه دور المندوب الذي تضعه دول كبرى وتحركه كيفما تشاء.

فلا يخفى على أحد أن روسيا وإيران والدول التي تتقاسم السيطرة على الأراضي السورية هي الحاكم الفعلي لها، وأي حديث عن الاستقلالية والسيادة حتى الطفل الصغير لا يمكن له أن يصدقه.

لكن رحيل هذا المندوب باعتقادي سيسقط أحجار الدومينو التي تستند إليه وتتخذ من اسمه واسم والده "آلهة" لسوريا طيلة العقود الماضية.

ستزول الوصاية بمجرد رحيل بشار الأسد ومثلما تحررت سوريا من العديد من الاحتلالات والاستعمارات ستعود إلى شعبها الذي أثبت تاريخياً أنه لا يخضع ولا يقبل أن يكون تحت وصاية أي طرف.

تساؤلات عن السقوط العربي

التساؤلات التي يمكن أن تطرح وأتمنى أن أسمع الإجابات من مسؤوليها عبر وسائل الإعلام المختلفة: "ما الذي تستفيده بعض الدول العربية من التقارب مع النظام السوري؟ هل يحقق التطبيع والتعويم لها ولشعوبها أي فائدة؟".

أتساءل أيضاً: "ألا تخشى الأطراف التي أدخلت يدها في النار السورية التي لم تبرد ولم تهدأ أن تحترق بما تصنعه، وتنتقل إليها آثار الحرب والصراعات الدولية؟ ولاسيما أن الحديث يدور عن الإرهاب والمخدرات وما شابهها من قضايا خطيرة عالمياً".

ألا تخجل بعض الدول العربية أمام شعوبها من التناقض الذي تمارسه حيال القضية السورية؟ ألا تشعر بالقليل من الحياء من الشتائم والاتهامات التي تلقتها حكوماتها في الإعلام السوري ومن مسؤولين بارزين لدى نظام الأسد خلال السنوات الماضية؟

وفي حال سقط النظام السوري وليس لدي أدنى شك في أن هذا الأمر سيتحقق يوماً ما، ما الذي ستفعله الدول التي دعمته وأصرت على تعويمه وتلميعه؟ ألا يجب عليها أن تعيد حساباتها وتفكر بالسيناريوهات التي يمكن أن تحصل بعد ذلك؟

ويبدو السؤال الأهم الذي قد لا يلقى أي إجابة: "هل هذه الدول مستقلة لها سيادتها أم أن هناك أطرافاً إقليمية ودولية تحركها كما تريد لتصالح هذا الطرف وتعادي ذاك ثم تتغير وتتبدل مواقفها بين ليلة وضحاها؟".