من أمجاد زنوبيا إلى فساد أسماء.. قصة امرأتين بين بناء حضارة وهدمها

2024.04.02 | 07:11 دمشق

565222222222222222
+A
حجم الخط
-A

ألهمني عنوان أحد الأخبار المنشورة على موقع تلفزيون سوريا، "بدعم من أسماء الأسد.. مستثمرون جدد يدخلون سوق الأمبيرات في دمشق" للكتابة عن الأحوال الاقتصادية في سوريا تحت إدارة أسماء الأسد، فالأدوار الملموسة التي تلعبها عبر المكتب السري أو الاقتصادي في القصر الجمهوري أمراً لا يمكن إنكاره، من خلال تدخلها الواضح والمؤثر في مجريات الاقتصاد السوري. يتألف المكتب من عدة أقسام بينها، الرصد المالي، والمتابعة، والمالي، والأمني، وتقع مهامه الرئيسية في تحصيل الأموال والإتاوات من التجار والسيطرة على صناعات وأعمال ومشاريع تدر أرباحاً وفائدة.

في الوقت الذي تعاني فيه سوريا من أزمات متعددة ذهبت أولويات أسماء الأسد لتعزيز ثروتها الشخصية ورفاهيتها وتعبئة خزائن ملابسها وتسوق الأحذية واللوحات الفنية والمجوهرات الثمينة. لم تألُ جهداً في السيطرة على قطاعات حيوية، وزج تجار في السجن وتجريدهم أموالهم، تحايلت منظمات المساعدة التابعة لها على الأمم المتحدة وسلبت أموال المساعدات الإنسانية.

تستدعي ما وصلت له سوريا من فساد ودمار وفقر تساؤلا جوهرياً: ما بال شعب ورث حضارات وإمبراطوريات تاريخية عريقة، رضي بشخصية مثل أسماء الأسد تتحكم بمقدراته؟ شعب خلّف زنوبيا وإمبرارطورية تدمر المزدهرة، كيف يرضى بالهوان الذي يعيشه تحت وطأة هذا النظام؟

امرأةٌ سورية

في العام 267م وصلت امرأة لحكم منطقة تدمر بعد وفاة زوجها أذينة الأول، تولّت سبتيميا زنوبيا الحكم نيابة عن ابنها الصغير "وحميت"، وقادت تدمر إلى عصر ذهبي، حيث تمكنت من السيطرة على مناطق كانت تحت حكم الرومان، وعززت التجارة والزراعة والثقافة والعلم، مستفيدة من موقع تدمر الاستراتيجي بين إمبراطورية فارس وروما.

تركت زنوبيا إرثاً كواحدة من أقوى النساء في التاريخ القديم، مظهرة كيف يمكن لمرأة طموحة ومستقلة أن تحكم بكفاءة وتتحدى القوة العظمى وتبني حضارة منافسة ومستقلة.

حافظت زنوبيا على علاقات جيدة مع القوى الأخرى وتمكنت من توسيع نفوذها ليشمل مصر وأجزاء من آسيا الصغرى، وضربت عملة جديدة خاصة بها، وحظي القطاع الزراعي باهتمام بالغ حيث تم استخدام القنوات والسدود وأنظمة الري وتخزين المياه لتأمين المياه اللازمة للزراعة.

تركت حضارة تدمر آثاراً عريقة في سوريا، لا تزال ماثلة إلى يومنا هذا، وتركت زنوبيا إرثاً كواحدة من أقوى النساء في التاريخ القديم، مظهرة كيف يمكن لامرأة طموحة ومستقلة أن تحكم بكفاءة وتتحدى القوة العظمى وتبني حضارة منافسة ومستقلة. تحدت زنوبيا بشخصيتها القوية وقدرتها على الحكم الامبراطورية الرومانية وظلّت رمزاً للقوة والاستقلالية في وجه أعتى الإمبراطوريات آنذاك.

شهدت مملكة تدمر، أو سوريا، في عهد زنوبيا فترة من الازدهار الاقتصادي والسياسي، مدعومة بالتجارة الواسعة والزراعة المستدامة، وواجهت تحديات كبيرة بسبب سياستها التوسعية والصراع مع روما.

من بين منجزات أسماء الأسد، توسيع شبكات الفساد والهيمنة على قطاعات حيوية كالاتصالات والانترنت والكهرباء والتجارة.

امرأة أخرى

في المقابل تعرّضت سوريا في عهد أسماء الأسد، إن جاز التعبير، لأحد أعقد الأزمات في التاريخ الحديث، تميزت بأزمات لجوء ونزوح إلى جانب معاناة شديدة من الجوع والتسرّب من التعليم والمشكلات الصحية. ونتيجة العمليات العسكرية والعنف ضد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام اضطر نصف السكان تقريباً لترك منازلهم، وانهارت العملة والقوة الشرائية، فوجد أكثر من 80% من السكان أنفسهم تحت خط الفقر، وباتت أكثر من نصف القوى العاملة في سوريا عاطلة عن العمل أو تعمل في وظائف غير رسمية.

وشهد الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً كبيراً، مع تقديرات تشير إلى تراجع يزيد عن 50% مقارنة بمستويات ما قبل العام 2011.

وواجهت البلاد نقصاً حاداً في خدمات المياه والكهرباء، وارتفاعاً في أسعار المواد الأساسية، إلى جانب انهيار في النظام الصحي والتعليمي.

باع النظام أصول وموارد البلاد لروسيا وإيران مقابل دعمه وحمايته من السقوط، مثقلاً الأجيال القادمة بأعباء الديون الضخمة، وباتت سورية مركزاً لإنتاج وتوزيع المخدرات عالمياً.

من بين منجزات أسماء الأسد، توسيع شبكات الفساد والهيمنة على قطاعات حيوية كالاتصالات والانترنت والكهرباء والتجارة. ومع كل ما سبق تصوّر أسماء الأسد وزوجها الأوضاع الاقتصادية على خير ما يرام، وتسعى جاهدة لتحسين صورتها بين السوريين، بطريقة تقدم بها نفسها كرمز لمستقبل سوريا. وهو ما يعكس التباين بين قيادتين نسائيتين، إحداهما بنت حضارة، والأخرى أسهمت في هدمها.

ربما الأجدر مقارنة أسماء الأسد بإيميلدا ماركوس زوجة الرئيس الفلبيني، والمهووسة بشراء الأحذية حيث أدت سياساتها وأسلوب حياتها الباذخ إلى الإطاحة بها وبزوجها في العام 1986. اتسمت إيميلدا بتمردها وحبها للسلطة والنفوذ، تولت مناصب عليا في الدولة بينها حاكمة مانيلا، وعضوة في البرلمان، وأحدث لها زوجها وزارة جديدة وأسندها لها، في حين حكم زوجها البلاد بقبضة من حديد، فرض خلالها حالة الطوارئ، واعتقل كل من عارضه، وسط معاناة الشعب من الفقر والبطالة جابت زوجته إيميليدا العالم بالطائرة الخاصة، تسهر وتفتتح الملاهي الليلية، وتشتري العقارات الفاخرة والمجوهرات واللوحات والأحذية، وعمدت إلى طرد بعض السكان من منازلهم لبناء محمية حيوانات استقدمتها من إفريقيا، ومع تفاقم الأضاع الاقتصادية والفقر أدى الاستياء الشعبي، لخروج الشعب الفلبيني بثورة أطاحت بها وبزوجها اللذين فرّا من الفلبين ناهبين ثروة طائلة قدرت بمليارات الدولارات، فيما بعد عثر الشعب الفلبيني في أحد قصور إيميلدا ما يزيد عن 3 آلاف زوج من الأحذية.

مقارنةً بزنوبيا، التي تركت إرثاً كواحدة من أقوى النساء في التاريخ القديم وكيفية بناء حضارة مستقلة في سوريا، تظهر أسماء الأسد وإدارتها بمثابة سقوط أخلاقي واقتصادي، ولا أقلّ أن تُقارن بالمجرمين واللصوص، والياسمين بريء.