من أذينة ملك تدمر إلى فنزويلا: تاريخ توسع إيران وخططها المستقبلية

2024.05.29 | 06:21 دمشق

آخر تحديث: 29.05.2024 | 06:21 دمشق

699999999999999999999999999998
+A
حجم الخط
-A

نعيش كسوريين على وقع احتلالات عديدة، وإن كان بعضها يعود لدول بعيدة عابرة للقارات، وخطوط إمدادها بعيدة، فإن البعض الآخر يقع في الإقليم أو على حدودنا مباشرة، والاحتلال الإيراني أحد هذه الاحتلالات، وأكثرها إجراما بحق الشعب السوري، وأعتقد أنه من المفيد مراقبة حركة إيران، وفهمها وتحليلها، لنستطيع مواجهة هذا الاحتلال الخبيث متسلحين بالمعرفة والفهم.

الموقع الجغرافي والتاريخ

أهم ما يمكن أن نتعلمه من دروس التاريخ والجغرافيا - حسب اعتقادي دوما - بأن أذينة ملك تدمر، وجد نفسه وسط صراع مدمر لإمبراطوريتين تحكمان العالم آنذاك، ورأى تراجع الإمبراطورية الرومانية، وكيف كان الفرس متعجرفين منتشين بنصرهم على الروم، ولم يعيروا محاولات أذينة التقرب منهم بهدف حماية مملكته من هذا الصراع، بل أهانوه فأحس بالخطر، فكان انحيازه للرومان خوفا من بطش الفرس بمملكته الصغيرة ضربة قاصمة للفرس، واستطاع محاصرة عاصمتهم مرتين، واستطاع أن ينال الامتيازات الكبيرة بفضل هذا الانحياز، وانتزع لقب ملك العرب من الإمبراطور الروماني، وترك لأرملته زنوبيا مملكة ضخمة تصل لحدود البوسفور في عمق الأناضول.

بعد نشأة إيران الدولة الوليدة بعد الحرب العالمية الأولى حاولت التمدد خارج حدودها باتجاه الغرب، فاصطدمت بمنع صريح من بريطانيا في ذلك العصر، وبعدما استولى أصحاب العمائم على السلطة، تابعوا نهجهم التوسعي، واعتمدوا مبدأ تصدير الثورة، الذي اصطدم بإرادات محلية خليجية عراقية، منعتهم من هذا واستنزفتهم وبدعم غربي يسعى لاحتواء القوتين العراقية والإيرانية.

اعتمد الملالي سياسة استخدام الميليشيات والتدخل بشؤون الدول المجاورة، والتي بدأها الشاه الإيراني منذ ستينيات القرن الماضي حين دعم التمرد الكردي في شمالي العراق، بهدف الضغط على بغداد للقبول بتعريفها للحدود بين البلدين على طول الممر المائي أرفاندرود/شط العرب، وكما فعل عام 1972 حين دعم السلطان قابوس ضد تمرد ظفار، لهذا عملت إيران خلال سنوات طويلة على تقوية نفوذها الإقليمي في المنطقة عبر شبكة علاقات وميليشيات عديدة قامت بتأسيسها والعمل على تقويتها لفترات طويلة جدا من الزمن، إضافة للتحالفات الإقليمية والدولية لتكون دولة إقليمية صاحبة كلمة قاطعة في الإقليم، ولم تعتمد فقط على الولاء المذهبي، بل تجاوزت هذا لدعم ميليشيات مختلفة عقائديا معها، سواء اختلاف طفيف كالحوثي باليمن، أو اختلاف كبير كبعض فصائل البشتون من طالبان أو الطاجيك في أفغانستان، أو حماس والجهاد الإسلامي في غزة، ودعمت أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية.

أعتقد أن التاريخ يقول لنا انتبهوا من سياسات الهيمنة الإيرانية، والتي لا تتعلق فقط بملالي إيران، إنما هي نهج منذ عهد الشاه، واستمرت في عهدهم، وأن طبيعة إيران تاريخيا (منذ الإمبراطورية الفارسية) تدفعها للبحث عن التوسع غربا باتجاه البحر المتوسط، وهذا الأمر يتعلق بخطوط التجارة، والنفط والغاز وغيرها من المصالح الكبرى.

في إفريقيا تحاول إيران التمدد بمختلف الطرق "منح دراسية، علاقات مع الجماعات الصوفية، الاعتماد على الشيعة اللبنانيين، دعم مالي وتقني وغير ذلك.

توسع النفوذ الإيراني وتصاعد قوته

يبدو أن النفوذ الإيراني يزداد تجذرا وتوسعا، فالقدرات العسكرية الذاتية لإيران كبيرة، ومتطورة، كما أن الميليشيات الإيرانية لا تزال لاعبا رئيسيا في المنطقة، ففي العراق وسوريا ولبنان واليمن، تمتلك هذه الميليشيا اليد الطولى، ولديها قوة عسكرية كبيرة ومتطورة، ويمكنها التسبب بإزعاج كبير لخصومها، وهي تهيمن على مساحات جغرافية واسعة، ولديها إطلالات على بحار وموانئ مهمة، ومن الصعوبة بمكان تصفية هذه الميليشيات وإنهائها من الوجود بسهولة.

ومازالت إيران تتمدد وتدعم ميليشيات وحكومات في مناطق مختلفة من العالم، ففي إفريقيا تحاول إيران التمدد بمختلف الطرق "منح دراسية، علاقات مع الجماعات الصوفية، الاعتماد على الشيعة اللبنانيين، دعم مالي وتقني ..إلخ"، وفي نيسان الماضي انعقد الملتقى الدولي الثاني بين إيران وإفريقيا بمشاركة رؤساء ووزراء خارجية واقتصاد ومسؤولين من أكثر من 40 دولة إفريقية، وتم فيه التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية بين إيران والدول الإفريقية في مجالات مختلفة مثل التجارة والاستثمار والبنية التحتية، وإنشاء مجلس أعمال إيراني إفريقي، وصندوق مشترك للتنمية.

كما أعادت إيران بداية هذا العام العلاقات مع جيبوتي، وزار الرئيس الإيراني دول أوغندا، زيمبابوى، كينيا، في سعي منه لتعميق النفوذ الإيراني في إفريقيا.

وفي السودان الذي يحظى بإطلالة على البحر الأحمر بطول يقارب 800 كم، ويمر منه نهر النيل عصب الحياة لمصر، ظهر مقطع فيديو لعناصر من قوات الدعم السريع يحملون حطام طائرة مسيرة من طراز "مهاجر 6" حسب وكالة بلومبيرغ، مما يشي بعودة التحالف بين الجيش وبقايا نظام البشير من جهة، وبين إيران من جهة ثانية، وكان من نتائجه نجاح الجيش في تقدم سريع بمعارك أم درمان والخرطوم بحري، وتغيير مسار الحرب في السودان.

وفي الجزائر أيضا نجد العلاقة الحميمة بين إيران وجبهة البوليساريو المدعومة جزائريا، وظهرت تهديدات من قادة إيران باتجاه مضيق جبل طارق.

كما وصلت تحالفات طهران إلى فنزويلا في أميركا اللاتينية، فنقلت وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية أخبارا عن بناء إيران أنفاقا، ونقلها أسلحة تتضمن صواريخ ومسيرات إلى هذا البلد القريب من الولايات المتحدة، وإن صدقت هذه الأخبار، فهذا يعني أن إيران قادرة على ضرب وإيذاء البر الأميركي بشكل مباشر، مما يشكل ضغطا كبيرا على الولايات المتحدة ويسمح لها بابتزازها.

تستفيد إيران من شبكة تحالفات دولية تساعدها على التحايل على العقوبات الأميركية والهروب منها.

القدرات الاقتصادية والتحالفات الدولية

لا تزال إيران تتمتع بقدرات اقتصادية كبيرة، فبعد غض إدارة بايدن النظر عن تصدير إيران لنفطها، نما إنتاج النفط الخام الإيراني بنسبة أكبر من 60% حسب تصريحات وزير النفط الإيراني جواد أوجي، وقال: "تمّكنا في العام الماضي (2023)، من تصدير أكثر من 35 مليار دولار من النفط"، " وزاد إنتاج الغاز بمقدار 54 مليون متر مكعب، فضلًا عن زيادة الطاقة المعالجة بمقدار 220 ألف برميل و10 ملايين طن من البتروكيماويات خلال العامين ونصف العام الماضيين"، ومن المتوقع حسب "أوجي" أن يضاف 300 إلى 400 ألف برميل لإنتاج النفط، و35 مليون متر مكعب لإنتاج الغاز، و50 ألف برميل للطاقة التكريرية، و3 إلى 5 ملايين طن للطاقة الإنتاجية للبتروكيماويات في البلاد، حتى آذار مارس 2025.

وبلغت قيمة صادرات إيران الإجمالية خلال اثني عشر شهرا المنتهية في آذار مارس 2024 حسب رئيس الجمارك الإيراني "محمد رضواني فر" 86.8 مليار دولار صادرات إيرانية، وأوضح أنه لولا صادرات النفط، لسجلت إيران عجزاً تجارياً قدره 16.8 مليار دولار.

وتستفيد إيران من شبكة تحالفات دولية تساعدها على التحايل على العقوبات الأميركية والهروب منها، فمثلا تلقت الصين في العام الماضي من إيران 90% من صادرات الأخيرة من النفط الخام، ويقدر ب 1.11 مليون برميل من الخام الإيراني يومياً، ويضاف إليه إتقان إيران لعمليات تهريب النفط، والتحايل على العقوبات، وإتقان الصين لعمليات تمويه النفط الإيراني المعاقب الواصل إليها، بالإضافة لتساهل أميركي مع صادرات النفط الإيراني كي لا ترتفع أسعاره، خصوصا بظل الانتخابات الرئاسية الأميركية، ما يعني أن موارد مالية كبيرة سيستفيد منها النظام الإيراني في تعزيز نفوذه الداخلي عبر انعاش الاقتصاد المنهار والخارجي عبر تمويل أذرع وميليشيا تتبع له.