منطق القبيلة على حساب منطق الدولة

2023.03.26 | 06:30 دمشق

منطق القبيلة على حساب منطق الدولة
+A
حجم الخط
-A

اثنتا عشرة سنة ولا نزال دون مستوى المؤسسة، رغم وجود مؤسسات لكنها لاتزال أقرب إلى الحالة الصورية، ولا نزال نفكر ونعمل دون مستوى الدولة، بل يسيطر على تفكيرنا منطق القبيلة، فمنطق القبيلة هو منطق قديم في الحكم والسيطرة، وهو دون مستوى الدولة والمؤسسات التي تفكر بالمجتمع ككل وليس قسما من المجتمع، والأولوية والولاء للقبيلة وأبنائها، وهذا منتشر بكل سوريا للأسف وتعمّق أكثر مؤخراً، فتارة يحل مكان اسم القبيلة الطائفة، أو الفصيل أو سواه، وهذا قد يكون مفهوماً بمنطق إيديولوجية الأحزاب اليمينية التي تقوم على أساس قومي أو ديني، لكن يبقى منطقا بدائرة الفكر، وليس أن تتحول للمؤسسات التي من المفروض أنها تخدم المجتمع وتنهض به، أن تتحول إلى ما دون مستوى المؤسسات وما دون منطق الدولة.!

في المشكلات والمحن التي تطرأ لا تظهر المؤسسة، بل يظهر منطق القبيلة وهو منطق الفصيل وزعيمه

ففي مناطق المعارضة رغم وجود وزارة دفاع وحكومة، لكن لايزال منطق القبيلة بشكل فصائل تهتم بمواردها الاقتصادية وتعزيز مكاسبها وتحول دون انصهارها في المؤسسة، وفي المشكلات والمحن التي تطرأ لا تظهر المؤسسة، بل يظهر منطق القبيلة وهو منطق الفصيل وزعيمه.

وفي السياسة الداخلية بين مناطق الفصائل تسود تلك الحالة من التحكّم، فالمنطقة تخضع لسياسة القبيلة (الفصيل)، وهذا منتشر بسوريا إلى إدلب وشمال شرقي ومناطق النظام بشكل صارخ، والنفوذ المتنوع من الفرقة الرابعة إلى الإيراني والروسي والاقتصاد الذي يتم تحصيله من النهب ورسوم العبور كما تقوم به الفرقة الرابعة عبر إيصالات بحلب تقدّم للعابرين وأصحاب البضائع وهذا للفرقة الرابعة فقط.!

وهذا لا علاقة له بمنطق الدولة التي اختطفها النظام أصلاً منذ نصف قرن، والمؤسف أنه بقي بمستوى ما في مناطق المعارضة، وبظل غياب المؤسسات الرسمية، التي تغيب عن الواقع والوجدان، حتى اعتاد الناس الغياب.!

نحن بحاجة الشرعية والمؤسسات بالمعنى الحقيقي للمؤسسة وتكريس هذا المفهوم بأذهان الناس والخلاص من منطق القبيلة الضيق.

والمؤسف حتى الساخط على أداء المؤسسات يريد هدمها، وهذا منطق من يضر نفسه، بل نحن بحاجة إلى منطق الدولة والمؤسسة وانتقالها من الحالة الصورية إلى الواقع، بشكل حقيقي، وليس بشكل صوري زائف، فنحتاج مؤسسات حقيقة بمنطق المؤسسة ومنطق الدولة التي تدير وتخدم الشعب الذي عاش أسوأ ما يمكن أن يتخيله المرء، وبات يحلم بحياة كالحياة فقط.

ففي كارثة الزلزال في جنديرس، غابت المؤسسات الرسمية وحتى الإشراف على المساعدات، وفي حادثة القتل التي حصلت باحتفال النيروز، غابت المؤسسات ومنطق الدولة وبقي منطق القبيلة والفصيل الذي يحكم والدفاع عن نفسه..!!

وكذلك مقتل طفل في شمال شرقي سوريا على أيدي عناصر قسد، فقط لأنه تابع السير بدراجته ولم يسمع لهم.!!

أما النظام فلا يحتاج إلى استدلال فهو سبب كل هذا البلاء أصلاً..

يظن البعض أن قوة الإيديولوجية القبلية تكمن في عصبة أفرادها التي تجمعهم مصلحة أفرادها فقط، وليس في مصلحة الشعب، لذلك يحرصون على خفائها وعدم التصريح بها في المؤسسات التي يُحرج البعض ليلبس لبوس المؤسسة أمام المجتمع والشعب، لكن في الحقيقية لم يخرج عن منطق القبيلة (الفصائلية) ويتم استدعاء هذا المنطق في كل مشكلة تطرأ، وأحياناً بالسعي للتحكم والسيطرة لصالح القبيلة، رغم أنه يزعم أنه جزء من المؤسسة.!

 القبيلة كنموذج حكم هو طور بدائي يسبق نشوء الدولة الحديثة ويتناقض معها، ومن ثم فلا جدوى من استدعائها.

وبقيت القبيلة في الدولة الحديثة هو شكل للانتماء، والتعاون على حل المشكلات الاجتماعية، وتتحول إلى ظواهر إيجابية في نجدة الناس والوقوف مع الضعفاء، وهذا منطق مفيد، لكن أن يسود في الحوكمة والإدارة، ويأخذ حالة المكسب القصير لأفراد معينين، على حساب الشعب والمؤسسات التي تصبح مشلولة وتعجز عن خدمة المجتمع بهذا المنطق.

الكوارث المتلاحقة ينبغي أن تحرّض التفكير والعمل الجريء، للانتقال إلى حالة المؤسسة ومنطق الحكم

ولا يمكن تحقيق حكم رشيد واستقرار بهذا المنطق، فالمؤسسات أساس الحوكمة الرشيدة.

بظل منطق القبيلة في مواجهة الخصوم، والصراعات الداخلية التي تمزق كل ممزق وتقضي على تفعيل المؤسسات فمنطق التمدد والتحكم والغزو لا يعتبر منطق مؤسسات ومنطق دولة.

وإننا أحوج ما نكون اليوم إلى شيوع منطق الدولة للخلاص من الحالة التي نعيش، فالكوارث المتلاحقة ينبغي أن تحرّض التفكير والعمل الجريء، للانتقال إلى حالة المؤسسة ومنطق الحكم، وهذا الأفضل بحال طال أمد الحل السياسي أو اقترب فمنطق الدولة والمؤسسات هو المصلحة للناس لا شيء آخر.