icon
التغطية الحية

ملابس العيد رفاهية يعجز عنها كثيرون في الشمال السوري

2024.04.09 | 06:13 دمشق

222222222222245245
محلات الملابس في إدلب - تلفزيون سوريا
إدلب - فيفيان البيوش
+A
حجم الخط
-A

لطالما أطلقنا في مجتمعاتنا المحلية السورية على عيد الفطر اسم العيد الصغير، أي عيد الصغار، وذلك لأن الفرحة تكون فيه بالدرجة الأولى للأطفال، على خلاف عيد الأضحى المرتبط بالأضاحي وطقوس الكبار، ولطالما اعتبر لباس العيد بألوانه الزاهية هو الركيزة الأساسية والسمة الأبرز للعيد منذ الصغر، لكن هذه السمة تغيب عن كثير من أطفال شمال سوريا هذا العام، وتُغيب معها قسراً وقهراً فرحة العيد وألوانه المتمثلة بضحكات الصغار.

يأتي العيد هذا العام على السوريين في شمال غربي سوريا في ظروف استثنائية للغاية، تعتبر الأشد صعوبة منذ انطلاق الثورة السورية، حيث ينهكهم النزوح الداخلي، وانخفاض قيمة الليرة التركية المعتمدة كعملة للمنطقة، فضلاً عن انخفاض حجم المساعدات الأممية والإسلامية إلى أدنى المستويات على الإطلاق، ووصول الفقر إلى معدلات قياسية.

انخفاض في المساعدات الأممية والإسلامية

في ظل كل تلك المشكلات والعقبات التي تواجه سكان الشمال السوري بات لباس العيد رفاهية لا يقدر عليها الكثيرون، حيث يقول عبد الكريم النايف النازح إلى مخيمات صلوة لموقع "تلفزيون سوريا"، لدي 6 أطفال وأنا المنتج الوحيد في أسرتي، أعمل ناطور على مستودع أتقاضى 100 دولار لقاء عملي، هي لا تكفي مصروف أسرتي من الطعام، خاصة بعد شطب اسمنا من قوائم المستفيدين من الخبز المجاني، وتخفيض قيمة القسيمة الغذائية التي نتقاضاها.

يعتبر النايف أن لباس العيد رفاهية زائدة، ولا تدخل في نطاق اهتماماته، على الرغم من أنه يشعر بالغصة الكبيرة عندما يشاهد حال أولاده، ويتذكر فرحته العارمة بلباس العيد عندما كان طفلاً.

المشكلة ليست مشكلة عبد الكريم وحده، حيث يقول عبد السلام اليوسف مدير مخيم أهل التح قرب معرة مصرين أن ثياب العيد لم تدخل إلى مخيمه على الإطلاق هذا العام، فلا قدرة لسكان المخيم على شرائها، وكان تعويلهم على مبادرات المنظمات الإنسانية أو الفرق التطوعية، التي لم يرى أي منها في موسم العيد هذا العام.

فريق منسقو استجابة سوريا قال في تقرير له نشر مؤخراً، إن معدلات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات الإنسانية في المخيمات كان دون الـ 40% من حجم الاحتياجات خلال العام 2023، وهو آخذ في الانخفاض أكثر، نتيجة ضعف عمليات التمويل الأممية.

الأمر لم يقتصر على المساعدات الأممية، حيث يقول دلامة علي مدير فريق الاستجابة الطارئة العامل في الشمال السوري لموقع "تلفزيون سوريا"، إن المساعدات الإسلامية هي الأخرى انخفضت إلى مستويات قياسية للغاية، حيث انخفضت قيمة المساعدات الإسلامية المقدمة للمنطقة إلى ما دون الـ 10% مقارنة بالعام الماضي، حيث تعتبر كسوة العيد واحدة من عدة مشاريع مرتبطة بالموسم الإسلامي الممتد منذ مطلع رمضان وحتى انتهاء العيد، والتي تشمل مشاريع السلة الرمضانية وسلة السحور وإفطار الصائم وتوزيع زكاة الفطر، جميع تلك المشاريع انخفض الدعم المقدم إليها في شمال سوريا، وذلك بسبب اتجاه الجمعيات الخيرية الإسلامية والمتبرعين من العالم الإسلامي إلى غزة التي تشهد أوضاعاً كارثية للغاية.

تزامن انخفاض الدعم الإسلامي مع انخفاض المساعدات الأممية، التي كانت تسد جانباً لا بأس به من احتياجات الأسر الغذائية، وتترك لها هامشاً لشراء الحاجات الأخرى ككسوة العيد، مما أدى لزيادة أعداد المحتاجين في الشمال السوري.

وبحسب علي فقد استطاع فريق الاستجابة الطارئة تقديم كسوة العيد لـ 3000 طفل من الأيتام فقط، بالتعاون مع شركاء من الخارج.

لباس العيد من بسطات البالة

على الحدود السورية التركية، قرب بلدة باريشا، تدير "إيمان زعتور" محل ألبسة داخل مخيم للنازحين من مدينة كفرنبل، تقول زعتور في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا" كانت حركة البيع والشراء العام الماضي أفضل من هذا العام بكثير، كانت العائلات تشتري لأطفالها ملابس العيد، لكن هذا العام كثير من زبائني الذين يداومون على شراء الملابس من محلي لم يأتوا هذا العام، علمت من بعضهم عن السبب الذي أعرفه ويعرفه الجميع والمتمثل بالعجز المادي الكبير لدى الجميع.

أطلقت زعتور مبادرة بسيطة في محلها المتواضع، وتتمثل مبادرتها في بيع لباس العيد في الدين والتقسيط في آن واحد، أي أنها تبيع بالدين لكن سداده على دفعات وليس دفعة واحدة، وذلك للتخفيف عن زبائنها المحتاجين.

تقول زعتور كوني أرملة ولدي خمسة أطفال أعي تماماً ماذا تعني فرحة العيد وملابس العيد للأطفال، خاصة أن كثيرا من زبائني هن أرامل مثلي، وأطفالهن أيتام مثل أطفالي، وأن فرحة طفل واحد تعادل مال الدنيا.

لم يقتصر الحرمان من لباس العيد وفرحته على أطفال المخيمات، فأطفال المدن والبلدات هم الآخرون حرم قسم منهم من تلك الفرحة، وخاصة النازحين داخل تلك المدن والبلدات، حيث يقول ابراهيم الجدوع وهو صاحب بسطة ألبسة مستعملة تسمى "البالة" في مدينة الدانا شمالي إدلب أن بسطته شهدت نشاطاً أكثر من المعتاد بأضعاف خلال موسم العيد هذا العام، وبحسب الجدوع فإن كثير من زبائنه كانوا يجلبون أطفالهم ويقلبون لساعات أكوام البالة باحثين لهم عن لباس بمقاس مناسب.

على نقيض أسواق البالة شهدت أسواق الألبسة الجديدة ركوداً غير مسبوق، حيث قال مصطفى السعد وهو مالك أحد محال الألبسة في مدينة إدلب إن مبيعاته انخفضت إلى الخمس هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ففي العام الماضي كان يعمل في المحل هو وولديه خلال النصف الثاني من رمضان، كي يسير العمل بسرعة وتتم الاستجابة لطلبات جميع الزبائن، أما هذا العام فيعمل وحده في المحل ودون ضغط أو جهد.

يضيف السعد أن حركة السوق لا تقاس بكثرة أعداد الناس في السوق بل بحاملي الأكياس، وبحسب السعد فإن كثير من الأشخاص يراهم يدخلون السوق منذ أكثر من أسبوع ويخرجون منه كل يوم دون تسوق، وبدل أن يخرج الشخص حاملاً كيس مليء بالمشتريات يخرج الشخص من السوق حاملاً أكياساً من الخيبات والهموم، وهو ما ينطبق على أصحاب المحال أيضاً، الذين لطالما كانت مبيعات موسم عيد الفطر بالنسبة لهم تعادل مبيعات العام بكامله خلال الأعوام السابقة.

أم محمود هي الأخرى رفضت ذكر اسمها الصريح، وقالت لموقع تلفزيون سوريا إنها صاحبة المحاولة الأخيرة، لديها ثلاثة أطفال ويعجز زوجها عن شراء ملابس العيد لهم، فهي تعتزم النزول إلى السوق في منتصف ليلة العيد، حيث يُجري الباعة عمليات البيع الأخيرة غير متمسكين بالأسعار، فهي ترصد مبلغ 100 ليرة تركية لكل طفل، مما استطاعت تصميده خلال عدة أشهر، فإن وجدت لباس عيد بهذا المبلغ فقد حظي أولادها بتلك الفرحة، وإلا فلا فرحة عيد لهم.

أما حسن الخلف وهو صاحب مكتب للصرافة والحوالات في بلدة كللي، أن كلاً من أعداد وقيمة الحوالات انخفض هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وبحسب الخلف فإن مرحلة الانحدار في أعداد وقيمة الحوالات بدأت منذ العام 2021 لكن حدوث كارثة الزلزال العام الماضي أدت لتنشيط حركة الحوالات الواردة إلى الشمال السوري.

يقول الخلف إن انخفاض أعداد الحوالات أمر مبرر، لكن المثير الدهشة هو أن الغالبية العظمى من الحوالات الواردة من خارج سوريا هذا العام لا تتجاوز الـ 200 دولار، فيما لاحظ بوضوح وجود حوالات قيمتها 50 دولار أو أقل، وهو ما لم تشهده أسواق الحوالات من قبل، كتحويل هكذا مبالغ صغيرة للغاية.