icon
التغطية الحية

محمد قبنض.. من الرقص الشرقي و"الكاريوكي" في بريطانيا إلى مجلس الشعب في سوريا

2022.09.28 | 14:57 دمشق

محمد قبنض
بدأ محمد قبنض حياته كبائع فلافل في باب الفرج بحلب ثم سافر إلى بريطانيا في 1979 ليبدأ حياته كرجل أعمال - Hulldaily
إسطنبول - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

يبدو اسم محمد قبنض مألوفاً لأي شخص عرف الحياة الليلية في مدينة هال بمنطقة يوركشاير البريطانية، أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، فأولى مشاريعه التجارية كان مطعماً أنشأه هناك، وأصبح مكاناً شهيراً للسهر والمتعة، يعرف بالمزج بين مطبخ الشرق الأوسط والرقص الشرقي و"الكاريوكي".

لا يُعرف كثير عن بدايات محمد قبنض كرجل أعمال، فهو من مواليد مدينة حلب في العام 1953، بدأ حياته كبائع فلافل في منطقة باب الفرج، وفي العام 1979 سافر إلى المملكة المتحدة وهناك وضع حجر الأساس لمشروع مطعم في لندن بالتشارك مع اثنين من الطهاة، إلا أن المشروع فشل وباع مطعمه بعد أربع سنوات وانتقل إلى مدينة كينغستون أبون هال شرقي بريطانيا، حيث تحول هناك إلى رجل أعمال وشخصية بارزة في المدينة ولديه ميل للدعاية الذاتية، تماماً كما يفعل في الوقت الحالي.

محمد قبنض
محمد قبنض أمام "Pepi’s Palace" في هال في العام 1991 - Hulldaily

رقص شرقي و"كاريوكي"

في هال، أنشأ محمد قبنض أولى مشاريعه وهو مطعم "Pepi’s" في طريق بوثفيري في المدينة الساحلية، وخلال سنوات قليلة أصبح المطعم مكاناً مشهوراً للغاية، حيث عُرف عنه المزج بين المطبخ الشرقي عموماً والسوري خصوصاً مع أجواء السهر والاحتفال والراقصات الشرقيات، بما في ذلك أول آلة "كاريوكي" في المدينة، وفق معلومات عنه نشرها موقع "ذا هيل" البريطاني.

في مطعم "Pepi’s" تعلم محمد قبنض كيف يدير مشروعه، مستغلاً تفرد المطعم الشرقي وتقديمه المتع التي لم تكن معروفة في هال في تلك الفترة، وعُرف عن قبنض ملاطفته لزبائنه وتقديمه كل ما يمتعهم ويرغبون به، بما في ذلك مشاركته للسيدات اللواتي يأتين إلى المطعم للاحتفال بمناسباتهن، حيث كان يرقص معهن ويشاركهن الغناء.

محمد قبنض
محمد قبنض يراقص إحدى زبائنه في مطعم "Pepi’s" في هال - Hulldaily

كازينو ومطعم وبار واشتباك مع مجلس البلدية

خلال سنتين، اشتهرت العلامة التجارية لـ "قبنض"، وانعكست على مطعمه في هال الذي لاقى ازدهاراً كبيراً، وبدأت خطواته التالية تعكس شخصيته الأكبر، حيث أعلن عن خطط طموحة لبناء مكان جديد بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني بجوار هال مارينا، وأطلق عليه اسم "Pepi’s Palace".

في العام 1991، افتتح محمد قبنض مبناه الجديد المكون من ثلاثة طوابق، بما فيها برج زجاجي، مسيطراً بذلك على جزء من الواجهة البحرية للمدينة، وضم المبنى باراً في الطابق الأرضي، ومطعماً في الطابق الأول أطلق عليه اسم "CoCo’s"، واستفاد من ساعات الترخيص التي كانت تمنحها بلدية المدينة للمستثمرين، ما جعل من مطعمه الجديد نقطة جذب جديدة للمحتفلين والراغبين بالسهر والمتعة.

وعلى الرغم من حصوله على الترخيص لبناء "Pepi’s Palace" على أراضٍ مملوكة للمدينة، إلا أن قبنض اشتبك مع أعضاء مجلس المدينة بسبب رفضهم منحه ترخيصاً للمشروبات الكحولية للطابق الثاني من المبنى، الذي كان يخطط لافتتاح كازينو فيه.

محمد قبنض
واجهة مطعم "Pepi’s" في هال في العام 1987 - Hulldaily

قصر قبنض

بحلول ذلك الوقت، كان قبنض يعيش في منطقة وايت هول في بالقرب من باترينجتون، بعد أن اشترى عقاراً بالمزاد العلني في منطقة مارينا الساحلية، كان مسجلاً لدى بلدية المدينة من الدرجة الثانية مقابل 320 ألف جنيه إسترليني.

بعد المزاد العلني، قال قبنض إن المنزل الذي اشتراه "رائع.. تجلس فيه وتعتقد أنك جالس في قصر.. إنه جميل.. سأطلق عليه قصر قبنض"، وفي وقت لاحق دعا وسائل الإعلام المحلية للقيام بجولة في القصر والتقاط صور له مستلقياً على غطاء سيارته من طراز "رولز رويس" أمام مدخل القصر.

ومع سطوع أضواء قصره على ساحل المارينا في المدينة، ظهر اسم قبنض على قمصان لاعبي مدينة هال لكرة القدم "النمور"، كجزء من صفقة رعاية لنادي المدينة في موسم العام 1993، إلا أن فريق نادي "النمور" خسر الموسم، وتزامن ذلك مع انهيار مفاجئ لإمبراطورية قبنض التجارية.

محمد قبنض
محمد قبنض أمام "Pepi’s Palace" وعلى سيارته الـ "رولز رويس" في هال مارينا - Hulldaily

الإفلاس والعودة إلى سوريا

منتصف التسعينات، أدت سلسلة من الديون على الفواتير غير المسددة إلى اتخاذ إجراءات قانونية من قبل كثيرين، من بينهم معمل للجعة كان يورد المشروبات للمطعم، ومهندس معماري يدين بأكثر من 100 ألف جنية إسترليني لأعمال التصميم في "قصر قبنض".

قررت بلدية مقاطعة هال الاستماع إلى القضية خلف الأبواب المغلقة في المحكمة، وهناك صدر الحكم بالإفلاس ضد قبنض، وفيما قال المهندس المعماري إنه لا يتوقع أن يرى فلساً واحداً من أمواله، أكد أنه رفع الدعوى ضده كان مسألة مبدأ.

وبشكل غير اعتيادي، أيّد محامو قبنض في هال الالتماس المقدم ضده، بما في ذلك حكم المحكمة بالإفلاس، لكنهم قالوا إنه مدين بأقل من 4000 جنيه إسترليني.

بعد ذلك، تولى الحارس القضائي المعين من قبل المحكمة ممتلكات قبنض وشؤونه المالية، فيما عاد هو إلى سوريا مصطحباً معه سيارة الـ "رولز رويس" التي تبلغ قيمتها 26 ألف جنيه استرليني، بعد أن وصف إقامته في هال بأنها "شهر عسل ممتد بعد الزواج".

في وقت لاحق، أُغلق "قصر قبنض"، وتم شراؤه في النهاية من إحدى الوكالات العقارية التي هدمته في العام 2009 لإنشاء موقع جديد، لكنه لا يزال حتى اليوم موقعاً فارغاً، على الرغم من أن البلدية تستخدمه غالباً خلال المهرجانات.

محمد قبنض
"Pepi’s Palace" في هال مارينا خلال هدمه - Hulldaily

بداية جديدة

لا يعرف كثير عن قبنض بعد عودته من بريطانيا، وشاب الغموض بداياته كرجل أعمال في سوريا، إلا أن مصادر عديدة تؤكد أنه أمضى فترة في سجن حلب المركزي، للاشتباه بارتكابه مخالفات قانونية، ثم أطلق سراحه بعد تدخل شخصيات رفيعة من النظام السوري.

في وقت لاحق، انتقل محمد قبنض للإقامة إلى دمشق، وهناك بدأ بتسويق نفسه كرجل أعمال ومنتج فني، وذلك بالتوازي مع عمله في مجال الاستثمار العقاري في مناطق حيوية في دمشق كمنطقة الديماس وضاحية قدسيا وغيرها، كبداية جديدة لرجل أعمال.

وفي أقل من 10 سنوات، تحول قبنض إلى رجل أعمال ومنتج فني لعدد من الأعمال الفنية المشهورة، ورئيس مجلس إدارة شركة "قبنض" للإنتاج الفني، ومدير شركة "الأيهم" الاستثمارية، فضلاً عن عضويته في مجلس الشعب السوري.

محمد قبنض

أرباح خيالية من الاستثمار في العقارات

ووفق موقع "مع العدالة"، استفاد محمد قبنض من علاقاته مع رجالات النظام، سواء في الجيش أو الأجهزة الأمنية أو في دوائر الدولة، لشراء الأراضي وإقامة مشاريع الاستثمار العقاري، ليعود بالنفع عليه وعليهم بأرباح خيالية.

ويذكر الموقع أن قبنض اشترى قطعة أرض في منطقة قدسيا بريف دمشق بمبلغ 40 مليون ليرة سورية، ارتفع سعرها خلال فترة قصيرة إلى 10 أضعاف، كما تمكن من إنشاء مشروع سكني يضم أربعة آلاف شقة سكنية في منطقة الديماس بدمشق، المعروفة بأنها منطقة نفوذ وامتداد لـ "الحرس الجمهوري" و"الفرقة الرابعة" في جيش النظام اللتين يقودهما شقيق رئيس النظام ماهر الأسد.

وكانت أعمال واستثمارات قبنض في دمشق تتم بالتوازي مع أعمال أخرى في حلب، حيث كان يقوم بشراء الأراضي في المناطق القريبة من الأحياء الراقية في المدينة، من أجل إنشاء وتشييد مشاريع استثمارية تعود عليه وعلى داعميه بالربع السريع، خاصة أن كل قطعة أرض قام بشرائها، كان يتضاعف ثمنها عدة مرات بعد أن يتملكها بفترة وجيزة.

ميليشيا خطف وابتزاز

مع اندلاع الثورة السورية في العام 2011، بادر قبنض إلى تجنيد شبان من حلب كشبيحة للمشاركة في قمع المظاهرات السلمية في المدينة، إضافة إلى قيام عناصره باعتقال المتظاهرين والناشطين في حلب وتسليمهم لفرع الأمن العسكري، وسرعان ما تحولت مجموعة قبنض إلى جزء من ميليشيا "الدفاع الوطني".

في هذه الأثناء، قام قبنض بملاحقة وترويع كل من له خلاف شخصي معه، وإلصاق تهم مختلفة بهم، وذلك في سبيل ابتزازهم مادياً، وفي وقت لاحق توسع نشاطه الإجرامي من خلال اختطاف بعض أثرياء مدينة حلب ومطالبة ذويهم بدفع فدية من أجل إطلاق سراحهم.

كما فرض قبنض، ومجموعته من الشبيحة، الإتاوات على أصحاب المعامل والشركات والتجار في مدينة حلب، ويروي كثير منهم روايات حول ابتزازه لهم بعد اتهامهم بالارتباط بالمعارضة السورية، وفق موقع "مع العدالة".

عضوية مجلس الشعب.. فشل في حلب ونجاح في دمشق

وعلى الرغم من أن محمد قبنض ينحدر من مدينة حلب، وليست له أي قيود في دمشق، إلا أن الأمن العسكري وجهه لترشيح نفسه لانتخابات مجلس الشعب في العام 2016 عن دائرة ريف دمشق، ليتم إعلان فوزه لقاء رشىً دفعها لقيادات حزبية وأمنية وعسكرية في النظام السوري، رغم أنه رشح نفسه عدة مرات عن محافظة حلب لكنه فشل.

ويعرف السوريون جيداً الحادثة الشهيرة في العام 2018، حيث أظهر مقطع فيديو قيام محمد قبنض بإجبار نازحين من الغوطة الشرقية على الهتاف لبشار الأسد مقابل إعطائهم عبوات من مياه الشرب والقليل من الطعام، مستغلاً حالة الجوع والعطش التي كان عليها الأطفال والنساء وكبار السن.

محمد قبنض
من مقطع فيديو يجبر فيه قبنض نازحي الغوطة الشرقية على الهتاف لبشار الأسد مقابل الماء

"الدكتور محمد قبنض"

يبلغ محمد قبنض اليوم 69 عاماً، ويحرص بالحضور على وسائل الإعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي التي يمتلك فيها أكثر من ثلاثة حسابات على موقع "فيسبوك"، يعرض فيها بعضاً من صوره القديمة خلال الفترة التي قضاها في بريطانيا، بما فيها صور مع رئيس بلدية هال آنذاك، جون ستانلي.

يطيب لمحمد قبنض أن يضع حرف "د" قبل اسمه، ويروّج لنفسه على أنه طبيب تخرج من جامعة دمشق، ويقول في صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك" إنه "رئيس تنفيذي في جامعة دمشق"، إلا أن مصادر عديدة تؤكد أنه غير متعلم ولا يحمل أي شهادات، حتى إنه لا يمتلك أي مؤهلات ليكون نائباً برلمانياً أو منتجاً تلفزيونياً أو رجل أعمال حتى، ولا يمكن التصديق بأن شخصاً مثله يمكن أن يحقق أي إنجاز دون أن يكون واجهة لرجال النظام الفاسدين وضباط أمنه واستخباراته.