مبادرات لحل الأزمة السورية

2023.01.11 | 06:12 دمشق

مبادرات لحل الأزمة السورية
+A
حجم الخط
-A

تشهد الأزمة السورية حالة انغلاق مأساوي، تجعل الأزمة في انحدار مستمر، وبينما نجد العالم منشغلا بأزماته، التي تتجاوز حدود القارات كأزمة فيروس كورونا الذي حبس المليارات في بيوتها رعبا من موت يحصد الملايين، والأزمة الروسية الأوكرانية التي تبشر بشتاء قاس للأوروبيين، كما تهدد شعوباً برمتها بكوارث وربما مجاعات قادمة، علاوة على جملة من التهديدات التي لا نعرف إلى اليوم أيها سيمضي إلى منتهاه الكارثي وأيها سيبقى محض ضجيج يهذر به المأزومون، في هذه الأجواء السريالية، يمسي الحديث عما يعانيه السوريون عامةً، لدى المجتمع الدولي، حديثاً غير ذي بال، وهذا ما يتبدى واضحاً في مطالعات الصحف والقنوات الإخبارية التي تنأى بنفسها عن ذكر ما يعيشه السوريون من حصار وفقر ومقتلة مستمرة، لهذا السبب ولأسباب أخرى ينبري العديد من السوريين "أفراداً أو منظمات" المهتمين بالشأن السوري والغيورين على هذا الدم المهراق بالمجان، والذي ينذر بغد مترع بالأحقاد والضحايا، ليبادروا باجتراح أفكار ومبادرات تعد بتقديم حل لهذه الأزمة المستعصية، أو للتخفيف من تداعياتها.

معظم هذه المبادرات تصدر عن متألمين ومناصرين للهم السوري عموما ولحال الناس العاديين على وجه الخصوص، فلا يحسن بنا أن ننتقدهم بعدوانية من ينتقد الخصوم أو الخائنين

في البدء يحسن بنا أن نتذكر أن معظم المبادرات التي نسمع بها بشكل متكرر تصدر عن سوريين يؤلمهم حال الغالبية العظمى من السوريين، الرازحين تحت قهر وتجبر النظام، والسوريين الذين تطحنهم مدن اللجوء، مع تفاوت سويات العيش بين مدينة وأخرى، لكن الغالبية العظمى منهم يعيشون قلق الغد ولا ينعم معظمهم بالاستقرار، فالقوانين الطارئة والشحن اليميني والعنصري يلاحقهم حيثما كانوا، المهم أن معظم هذه المبادرات تصدر عن متألمين ومناصرين للهم السوري عموما ولحال الناس العاديين على وجه الخصوص، فلا يحسن بنا أن ننتقدهم بعدوانية من ينتقد الخصوم أو الخائنين، حتى لو أخطأت جميع تلك المبادرات بوصلتها.

لا بد أولاً أن نميز بين مبادرة لا تتعدى كونها مقترحاً نظرياً، يهبط على السوريين هبوط أشعة الشمس المنيرة، دون أن يكون لمقترحها أدنى قدرة، أو تفكير بكيفية نقل هذه المبادرة النظرية إلى حيز الفعل والتحقيق، ودون أن نأخذ بالحسبان حجم تلك المعيقات التي تقف أمام المضي بهذه المبادة إلى الأمام أصلاً، والشكل الثاني للمبادرات هي التي يومئ مقترحها بأنه قادر على إدارتها أو قيادتها، لتكون مشروعاً عملياً للحل في سوريا، وهنا تعترضنا إشكالية التمثيل، فمن يمثل السوريين في هذه المبادرات؟ وما هي آلية اكتشاف أو وصول هؤلاء الممثلين إلى موقع إدارة هذه المبادرات؟ من الطبيعي والمألوف أن يتصدر الممثلون لهذا الهم الحزب السياسي أو الكتلة الأوسع انتشاراً والتي تمثل شريحة واسعة من السوريين، وواقع الأمر أنه لا توجد مجموعة سياسية تستطيع زعم هذا، فالغالبية العظمى من المجموعات السياسية اليوم، لا تستطيع حشد أكثر من بضع عشرات أو بضع مئات من المناصرين في أحسن أحوالها، لا سيما أنها تعيش وتدير هذا الملف وهي خارج البلاد، الأمر الذي شكل عبر ما يزيد عن عشر سنوات من الشتات فجوة كبيرة بين الداخل والخارج، ولا يحسن بنا أن ننكر أن من يدير أو يتنطع لهذا الملف بالخارج، يعيش حياة مختلفة بشكل جذري، عن معاناة أهلنا في الداخل، وبالتالي حصوله على فرصة التمثيل غير متوفرة.

في مقاربة القبول بحل تبسيطي أو وسطي كما يزعم أصحابه لوقف الدم، هناك انحراف بسيط في البوصلة عند هذه النقطة، غالبا ما تسببها فداحة التكلفة البشرية، إذاً لنوقف هذه المقتلة ولو اقتضى الأمر ببقاء المجرم أو تقبل فكرة تأمين هبوط آمن له ولعصابته، وإعطائهم ما يلزم من التطمينات لإنجاح المسعى، أي غثاثة وسوء فهم وانحطاط تدبير هذا، أجدني من هذه النقطة بالتحديد متذكرا حين كنا فتيانا صغار، وكنا حينها نستغرق في الاستغراب ونحن نتابع المسلسلات والأفلام الهوليودية لمقدار التضحيات والضحايا التي يقدمها رجال البوليس الأوروبي أو الأميركي للقبض على مجرم واحد، ولم يدر بخلدنا يومها أن هذه التضحيات واجبة لأنها تصون النظام العام وتوقف انهياره، ولو قبلت بهذه المساومة (أن تعفي عن المجرم حفاظا على أرواح رجال الأمن) لتحولت المدينة إلى غابة يقرر قانونها الأقوى، كما هو حاصل اليوم في سوريا.

جميع ما سلف مرتبط بشكل عضوي ومباشر بإرادة الحاكم الفرد، الذي ورث البلاد كما ورث سلطته عن أبيه، والذي يستحيل أن يكون لديه أدنى قبول للحد من سلطته

الشطر الأعظم من المبادرات يتحدث عن عقد اجتماعي جديد، أو توافقات على مبادئ أولية حول المواطنة وحقوق الانسان، أو تداول السلطة وتفعيل قوانين الأحزاب وحماية الأقليات أو تطمينها، وحل المسألة الكردية. جميع ما سلف مرتبط بشكل عضوي ومباشر بإرادة الحاكم الفرد، الذي ورث البلاد كما ورث سلطته عن أبيه، والذي يستحيل أن يكون لديه أدنى قبول للحد من سلطته، أو التخلي عنها عبر صناديق الانتخابات، وهو إلى ذلك مقيد إلى مئات آلاف الجرائم التي ارتكبها وأسرف في ارتكابها، وبتوسيع دائرة شركائه فيها، كيما يكون الحل المتوهم عند معارضته مستحيلاً، بذات الوقت هو مقيد إلى بنية النظام المتصلبة، والتي لا تمتلك أدنى قدرة على المناورة أو التعديل أو الإصلاح، هذا النظام المتأله، لا يملك إلا أن يحكم بشكل مطلق أو يزول، وأي توهم بإمكانية الوصول معه إلى حل وسط، ما هو إلا أحلام العصافير، وهذا ينطبق على جميع المبادرات المقترحة دوليا أو عربياً أو سورياً دون استثناء.