icon
التغطية الحية

ما هو دور الشرطة الروسية في سوريا وأين تنتشر؟

2019.08.09 | 16:08 دمشق

عناصر من الشرطة العسكرية الروسية في الجامع الأموي في دمشق (رويترز)
هاني العبدالله - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

سعت روسيا منذ تدخلها في سوريا بشكلٍ مباشرٍ في أيلول 2015، الى استخدام مختلف الطرق والأدوات لتعزيز قوتها على الأرض وبسط نفوذها على مختلف مفاصل الحياة، ومن أحد أدواتها كانت إرسال عناصر من الشرطة العسكرية، فكيف ساهمت تلك القوة في تحقيق الأهداف والمصالح الروسية؟

تعمّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إرسال عناصر من الشرطة العسكرية من منطقة شمال القوقاز، التي يقطنها بالدرجة الأولى المسلمون السنة، وفي بعض الحالات كانت وزارة الدفاع الروسية ترسل "كتائب مختلطة" من الجنود الروس والشيشانيين والتتار، والذين هم مسلمون سنة أيضاً.

وقال المحلل السياسي المختص في الشأن الروسي سامر إلياس: إن "بوتين قام بانتقاء عناصر الشرطة العسكرية من المسلمين السنة المتواجدين في الجمهوريات التي تحتلها روسيا، وأرسلهم الى سوريا كي يحظوا على ثقة السكان، وبالتالي يُسهّل على موسكو تنفيذ أجنداتها ومخططاتها".

وأضاف إلياس لموقع تلفزيون سوريا أن "روسيا سعت لاستغلال الشرطة العسكرية كأداةٍ للتقرب من المدنيين أكثر وتجميل صورتها أمام العالم والتغطية على المجازر والانتهاكات التي ترتكبها، حيث قتلت 6272 مدنياً منذ تدخلها في سوريا بحسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الانسان"، لافتاً الى أن "الشرطة العسكريّة اكتسبت وضعيّة قانونيّة بعد توقيع بوتين مرسوماً خاصاً بتلك القوّات عام 2015 وارسالها إلى سوريا في 2016 عقب خضوعها لسلسلة من التدريبات، بينما كانت شبه غائبة في الاتحاد السوفياتي".

بدوره قال المحلل العسكري والاستراتيجي العميد أحمد رحال: إن "الشرطة الروسية عبارة عن لعبة من موسكو، سعت من خلالها للترويج على أنه تم إرسالها لتكون بمثابة قوات فصل بين مناطق النظام والمعارضة والحفاظ على الأمن، بينما هي جزء من الأجندة الروسية وقاعدة حميميم، بغية التحايل على الشعب السوري".

وأشار رحال لموقع تلفزيون سوريا الى أن "عناصر الشرطة الروسية هم في النهابة مجرد جنود لدى موسكو، ومهامهم تتبدّل وفق المصالح الروسية في سوريا، فقد يكون مهامهم الحراسة فقط، أو يقومون بتسيير دوريات أمنية، ويمكن أن يتم إشراكهم في مهام عسكرية، وبالتالي ليس من المستبعد أن ترسل روسيا عناصر من الشرطة العسكرية التابعة لها للمشاركة في معارك حماة وإدلب إذا اقتضى الأمر ذلك".

وانشترت الشرطة الروسية في مناطق عديدة من سوريا ومن ضمنها الغوطة الشرقية، وقال الصحفي غياث الذهبي: إن "العناصر والضباط العاملين في الشرطة العسكرية الروسية سعوا للتقرب أكثر من السكان بعدة طرق، ففي شهر رمضان الماضي أقام أفراد الشرطة إفطاراً جماعياً للأهالي في بلدة عربين، إضافةً اإلى مشاركة الأهالي في أداء الصلاة في الجوامع".

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في أيار من العام الماضي، مجموعة من الصور والفيديوهات التي تُظهر عناصر الأسد وهم منبطحون أرضاً بزيهم العسكري الرسمي أمام أقدام الشرطة الروسية، التي ألقت القبض عليهم بعد قيامهم بسرقة ممتلكات المدنيين في بلدات ببيلا ويلدا وبيت سحم جنوب دمشق، كما وجهت الشرطة الروسية مؤخرا الإهانة لمدير الشركة العامة للأسمدة بحمص أمام العمال والموظفين وطردته من مكان عمله بقوة السلاح.

وزعمت روسيا عبر مسؤوليها أن مهام الشرطة العسكرية، تتمثل في حماية المدنيين وقوافل المساعدات الإنسانيّة، وإقامة نقاط تفتيش ومراقبة وقف إطلاق النار، وفرض الانضباط والأمن في المواقع العسكريّة والمدنية، ومرافقة فرق نزع الألغام خلال عملها في المناطق الأثرية.

لكن أوضح غياث الذهبي أن "التصرفات التي قامت بها الشرطة الروسية ليست إلا وسيلة لخداع السكان وتحقيق المكاسب، حيث سعى ضباط الشرطة لإقناع الشبان بالانتساب إلى الفيلق الخامس، وبنفس الوقت حاولت موسكو الترويج عبر وسائل الإعلام أنها حريصة على تنفيذ اتفاقيات التسوية وأنها تمنع النظام من ارتكاب أي انتهاكات أو اعتقالات، كي تشجّع النازحين في الداخل أو الخارج للعودة إلى مناطقهم".

 

نتيجة بحث الصور عن site:www.syria.tv الشرطة العسكرية الروسية

انتهاكات ووعود كاذبة

الصورة التي حاولت روسيا رسمها عبر التصريحات أو وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، على أن الشرطة العسكرية مهتمة بمصالح السكان وتعمل على ردع النظام عن القيام بأي انتهاكات، لم تكن إلا مجرد تحايل ووعود كاذبة، حيث كان الواقع مغايراً تماماً.

وقال أبو عدنان من سكان بلدة النعيمة بريف درعا: "بعد قصفٍ عنيفٍ على منطقتنا، اجتمعت الشرطة الروسية مع ممثلين عن الأهالي، وعرضت عليهم شروط اتفاق تسوية يتضمن وعوداً منها بعدم تعرض كل من يبقى من السكان للاعتقال أو المضايقة الأمنية، ولن يتم سوق الشبان للخدمة العسكرية، وأن النظام لن يدخل الى مدن وبلدات ريف درعا".

وأضاف أبو عدنان "عقب أسابيعٍ قليلةٍ من تنفيذ اتفاق التسوية، دخل عناصر الأسد وقاموا بحملة اعتقالات واسعة تحت مرأى من الشرطة الروسية التي نقضت كل وعودها، فضلاً عن سوق العديد من الشبان للخدمة الالزامية والاحتياطية، إضافةً إلى التضييق على حركة دخول أو خروج المدنيين"، مشيراً الى أن "هذا الواقع ينطق على كل المناطق التي أبرم فيها نظام الأسد اتفاقيات تسوية بضمانة روسية".

بدوره قال المحلل سامر إلياس: إن "موسكو عملت على التغطية على مجزرة الكيماوي التي نفذها الأسد في دوما منذ نيسان 2018، حيث قامت بتكليف الشرطة الروسية بالدخول إلى تلك المنطقة لإزالة آثار الكيماوي قبل وصول فرق التفتيش التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كما أقنعت شهود عيان على المجزرة وأمرتهم بالذهاب إلى محكمة التحقيق الدولية  في لاهاي للادعاء أنه لم يكن هناك أي مجزرة كيماوية من قبل الأسد، وأنها كانت مجرد تمثيلية قامت بها المعارضة".\

أين تتواجد الشرطة الروسية؟

عملت موسكو على نشر عناصر وضباط الشرطة العسكرية في الكثير من المناطق السورية، وذكر غياث الذهبي، أن "الشرطة الروسية في البداية تدخلت في المناطق التي ساهمت في السيطرة عليها مع النظام السوري، كالغوطة الشرقية والقلمون الشرقي ومناطق جنوب دمشق ودرعا والقنيطرة، أما المناطق الواقعة غربي دمشق مثل المعضمية وخان الشيح وداريا، التي لم تتشارك مع النظام في السيطرة عليها، فليس هناك أي عناصر للشرطة هناك".

لكن عقب ذلك بدأت موسكو تسعى إلى تعزيز نفوذها في مختلف المناطق السورية، وخاصةً ذات الأهمية الاستراتيجية، حيث نشرت عناصرها داخل العاصمة دمشق في شارع بغداد وشارع الثورة وحي المزة وأحياء دمشق القديمة ولا سيما سوق الحميدية، فضلاً عن تواجدها على الطرق الدولية كمعبريّ مورك وقلعة المضيق أو على الحدود مع اسرائيل، ولم تقتصر على نشر حواجز أو دوريات مسيّرة، بل أقامت مراكز ثابتة لها، ففي الغوطة الشرقية، افتتحت الشرطة الروسية مركز في دوما وآخر في عربين.

وفي الشمال السوري نشرت روسيا عناصر من الشرطة العسكرية لمراقبة أي خروقات لاتفاق "خفض التصعيد"، وتوزعت ضمن 16 نقطة مراقبة، وتحديداً في قرى وبلدات عين ريحانية والسقيلبية ومحردة وصوران وكوكب وطيبة الإمام بريف حماة الشمالي، وفي أبو دالي وتل خنزير بريف إدلب الجنوبي الشرقي، وقرية الشيخ بركة وبلدة أبو الظهور بريف إدلب الشرقي، وبلدة الحاضر بريف حلب الجنوبي، وفي تلة الشيخ يوسف وحندرات بريف حلب الشمالي، وضمن الأحياء الغربية لمدينة حلب، إضافةً إلى تسيير دوريات من الشرطة الروسية في محيط مدينة منبج.

ولا توجد أرقام دقيقة لأعداد الشرطة الروسية في سوريا، ولا سيما أن موسكو ترسل بشكل مستمر كتائب وتسحب كتائب أخرى، لكن صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتا" الروسية، أفادت أن أعداد الشرطة العسكرية في سوريا تقارب 1200 عنصراً فقط.

وذكر غياث الذهبي أن "الشرطة الروسية لها سلطة ونفوذ في بعض المناطق، كما حصل في ريف حمص الشمالي، فحين كانت متواجدة هناك لم يكن النظام يجرؤ على تنفيذ أي اعتقالات أو انتهاكات إلا بشكل بسيط جداً، وحين انسحبت من الريف الحمصي، نفّذ الأسد اعتقالات واسعة وعمليات انتقامية، وفي المقابل يعتبر تواجد الشرطة الروسية في الغوطة الشرقية شكلياُ، حيث إن النظام لا يكترث لها ويقوم بالعديد من التجاوزات والخروقات لاتفاق التسوية على مرأى من عيون وضباط الشرطة الروسية".

 

نتيجة بحث الصور عن site:www.syria.tv الشرطة العسكرية الروسية

عمليات سحب أم تبديل؟

ومع سيطرة نظام الأسد على مناطق واسعة من سوريا بدعمٍ روسي، يبقى التساؤل عن مستقبل الشرطة الروسية وهل ستقوم موسكو بسحبها بشكلٍ كامل، ولاسيما أنها قامت خلال الفترة الماضية بسحب بعض كتائب الشرطة واعادتها الى بلادها.

وذكرت وكالة “تاس” الروسية، أن حوالي 300 من الشرطة الروسية عادوا إلى الشيشان، بعد انتهاء مهامهم الخاصة في سوريا في السابع عشر من الشهر الماضي، وسبق ذلك في شباط الماضي سحب كتيبة تضم 300 عنصر من قوات الشرطة الروسية من جنوب سوريا وإعادتها الى إنغوشيا، فضلاً عن عودة 200 عنصراً آخر في آب من العام الماضي إلى الشيشان.

ويرى العميد أحمد رحال أن "ما تقوم به موسكو، ليس عملية سحب لعناصر من الشرطة التابعة لها، وإنما هي عملية تبديل، فحين يتم الحديث عبر الإعلام أنه تم سحب كتيبة روسية، فإنه يتم في المقابل إرسال كتيبة بديلة لكن دون الإعلان عن ذلك"، مشيراً الى أن "بوتين يسعى لإرسال شرطة روسية من الدول الإسلامية الروسية لتكون بديلة لميليشيا حزب الله اللبناني، لكن الأخير لن يخرج من سوريا، ويعمل على تعزيز قواته في القصير والقلمون والزبداني ومناطق أخرى من سوريا".

يذكر أن أول كتيبة من الشرطة العسكرية الروسية تم إرسالها الى سوريا في 25 كانون الأول 2016، عقب سيطرة النظام السوري على كامل مدينة حلب، حيث أعلن حينها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن المناطق التي انسحبت منها المعارضة في أحياء حلب الشرقية، تتطلب ضبط الأمن، لذلك تم نشر كتيبة من الشرطة العسكرية في تلك المنطقة.