icon
التغطية الحية

ما هدف روسيا من سياسة عض الأصابع في إدلب؟

2021.08.28 | 07:38 دمشق

ariha.jpg
ما هي طبيعة التصعيد الروسي على جبل الزاوية وما هي نتائجه المتوقعة؟ - أريحا اليوم
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

صعّدت روسيا وتيرة قصفها على منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب خلال الأسبوع الحالي، واستخدمت الطائرات الحربية لسبعة أيام على التوالي بقصف منازل المدنيين، في إطار حملة التصعيد التي بدأتها في مطلع شهر حزيران الماضي، وأودت بحياة 107 أشخاص، وتسببت بنزوح آلاف المدنيين إلى المناطق القريبة من الحدود مع تركيا.

 

طبيعة التصعيد الروسي على جبل الزاوية ونتائجه المتوقعة

بدأت روسيا تصعيدها قبل حدثين مهمين، أولهما عقد الجولة السادسة عشرة من مباحثات أستانا حول سوريا في 7 و8 تموز الماضي، والثاني، التصويت في مجلس الأمن الدولي على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في 11 تموز.

سبق عمليات القصف، حملات خدمية موسعة نفذتها منظمة الدفاع المدني السوري والمجالس المحلية في جبل الزاوية، لترميم ما يمكن ترميمه وإزالة الركام، وفتح الطرقات، لتسهيل عودة النازحين إلى منازلهم في بلدات وقرى جبل الزاوية الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، لكن حملة القصف قطعت الطريق عليهم، إذ هدفت روسيا من خلال قصفها الممنهج إلى تفريغ المنطقة من سكانها، وتأجيج الوضع، وتأليب المدنيين على الجانب التركي، ولومه على استمرار القصف، بالرغم من كونه أحد ضامني اتفاق وقف إطلاق النار.

يطرح القصف الروسي المتواصل خلال الثلاثة أشهر الماضية تساؤلات عن أهداف موسكو من التصعيد، خاصة أن القصف يعد الأكثر حدة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب بين تركيا وروسيا في 5 آذار عام 2020، كما أنه يدعو للتساؤل عن موقف تركيا من هذا التصعيد، وعن مدى قدرتها على إيقافه بموجب اتفاق التهدئة.

 

تسهيلات لعودة النازحين سبقت حملة التصعيد

سعت روسيا إلى منع النازحين من العودة إلى جبل الزاوية، ما أدى استمرار حالة اللا استقرار في المنطقة التي تتعرض بشكل يومي للقصف الجوي، أو المدفعي والصاروخي.

وقالت منظمة الدفاع المدني السوري إن قوات النظام وروسيا تعمدت استهداف الحقول الزراعية بالتزامن مع موسم الحصاد وجني المحاصيل الزراعية، في سياسة ممنهجة لحرمان المدنيين من قوت يومهم وتجويعهم وحصارهم.

وسبق أن أكد الدفاع المدني أن قوات النظام وروسيا تتبع سياسة ممنهجة تتلخص بالحفاظ على حالة من اللا حرب واللا سلم، بهدف منع أي حل سياسي على الأرض، وتتعمد التصعيد قبل أي استحقاق سياسي أو اجتماع على المستوى الدولي لبعثرة الأوراق السياسية وفرض واقع عسكري وإنساني يبعد الأنظار عن الحل السياسي.

قبل حملة التصعيد الحالية، بذل الدفاع المدني جهوداً لتسهيل عودة النازحين إلى مناطق ريف إدلب الجنوبي، عبر إطلاق حملات لإزالة الأنقاض من الطرقات، وتجميل المناطق، وإعادة الحياة إليها بعد أشهر من غياب السكان عنها.

وأفاد مدير المديرية الثانية في الدفاع المدني السوري، رامي السلوم، بأن الفرق العاملة في المنظمة تضع على رأس أولوياتها تحسين الواقع الخدمي للمدنيين في أوقات السلم (الهدوء النسبي)، وهو أمر لا يقل أهمية عن مساعدة السكان وإنقاذهم في زمن الحرب.

وأشار "السلوم" إلى أن فرق الدفاع المدني بذلت قصارى جهدها -ضمن برامج التعافي المبكر- لتحسين ظروف حياة المدنيين وتسهيل معيشتهم، ولا سيما في المناطق التي تعرضت للقصف والتدمير من قبل النظام وحليفه الروسي.

وأكد "السلوم" في التصريحات التي أدلى بها لموقع تلفزيون سوريا قبل حملة التصعيد مطلع شهر حزيران الماضي، أن الهدف الأساسي من جميع الحملات والأعمال الخدمية التي ينفذها الدفاع المدني، هو تحسين سبل استقرار المدنيين، والعمل على تسهيل عودة النازحين، كون البنية التحتية مدمرة، ولا يمكن للمدنيين العودة من دون أدنى حد من الخدمات الأساسية، وحينذاك أكد المسؤول في الدفاع المدني وجود تحسن في نسبة العودة للمناطق المخدمة.

 

روسيا تهدف إلى تفريغ المنطقة من سكانها

بحسب تقرير صادر عن مركز "عمران" للدراسات، فإن الأهداف المدنية جنوبي إدلب، كانت الأكثر تعرضاً للاستهداف من قبل روسيا ونظام الأسد خلال شهري أيار وحزيران الماضيين، وذلك لرغبة موسكو في تفريغ المنطقة من المدنيين، خاصة أن شهر أيار شهد استهدافاً كبيراً للمناطق الزراعية، تزامناً مع جني المدنيين لمحاصيلهم.

مدير المديرية الثانية في الدفاع المدني، أوضح أن استمرار عمليات القصف الممنهج على جبل الزاوية من قبل قوات النظام وروسيا، دفع عدة عوائل للنزوح من المنطقة، وشكل ذلك حالة من الرعب لدى آلاف القاطنين في قرى وبلدات جنوبي إدلب، ما ينذر بكارثة إنسانية إذا استمر القصف.

التصعيد العسكري على شمال غربي سوريا ينذر وفقاً لـ "السلوم" بكارثة إنسانية جديدة، ويثبت أن نظام الأسد وروسيا مستمرون في حربهم على السوريين، ويتعمدون من خلال القصف استخدام القذائف المدفعية الموجهة بالليزر (كراسنوبول)، لتحقيق إصابات دقيقة، وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين والمستجيبين الأوائل من فرق الدفاع المدني والعاملين في الاستجابة الطارئة.

 

هل نجحت روسيا في تحقيق هذا الهدف؟

تشير إحصائيات حصل عليها موقع تلفزيون سوريا من فريق "منسقو الاستجابة في سوريا"، إلى أن روسيا لم تنجح في إفراغ منطقة جبل الزاوية من سكانها، بالرغم من تصعيد القصف وتركز معظمه على منازل المدنيين.

يحاول السكان التشبث قدر الإمكان بمنازلهم وأرضهم، ويقول ملهم العلي أحد سكان بلدة جوزف في جبل الزاوية، إن الخيارات المحدودة، دفعت المدنيين إلى البقاء في بيوتهم وتحمل القصف.

وذكر "العلي" لموقع تلفزيون سوريا، أن أهالي جبل الزاوية أيقنوا أن البقاء في الأرض هو العامل الأكبر في حمايتها، مضيفاً أن المدني يضع في حسبانه -إذا أراد النزوح- أنه لن يعود إلى منزله بعد ذلك، ولذا فإنه قرر الثبات في المنطقة وتحمل الظروف الصعبة.

مدير فريق منسقو الاستجابة في سوريا، محمد حلاج، قال لموقع تلفزيون سوريا، إن 4,361 مدنياً نزحوا من جبل الزاوية، منذ شهر أيار الماضي حتى الآن.

وبقي في جبل الزاوية 241,783 مدنياً، وأكد "حلاج" أنهم معرضون لخطر النزوح إذا استمرت خروقات النظام وروسيا على المنطقة.

في مطلع شهر حزيران الماضي، أفاد رئيس المجلس المحلي في بلدة بليون بجبل الزاوية، عبد الغني العثمان، بأنهم أطلقوا حملة "عائدون"، من خلال التواصل مع بعض المنظمات، لتأمين سلل طوارئ، وتوزيعها على النازحين الراغبين بالعودة إلى منازلهم.

وبداية العام الحالي، كان عدد العائلات في بلدة بليون لا يتجاوز 60 عائلة، بحسب "العثمان"، لكن عدد العائلات العائدة إلى البلدة بلغ حتى حزيران 610.

كذلك ذكر رئيس المجلس المحلي في قرية جوزف، عكل يونس فطراوي، في حديث لتلفزيون سوريا مطلع حزيران أيضاً أن المجلس أشرف على عدة حملات، وافتتح محال تجارية في القرية، لتأمين الاحتياجات اليومية للمدنيين، ما أسهم في عودة 96 في المئة من سكان القرية إلى منازلهم.

تواصل موقع تلفزيون سوريا مع رئيس المجلس المحلي في بليون، عبد الغني العثمان، لمعرفة مدى نسبة نزوح المدنيين من البلدة خلال حملة التصعيد، مقارنة بما كانت عليه قبل اشتداد القصف.

ولفت "العثمان"، إلى عدم تسجيل حالات نزوح من البلدة خلال القصف، وعلى العكس، عاد المزيد من المدنيين إلى منازلهم، لجني محصول التين.

وأضاف "القصف المتواصل صعّب الأمور، والسكان خائفون، لكنهم متمسكون بمنازلهم وأرضهم ورزقهم، خاصة أن الوضع شمالاً (في المناطق الحدودية) سيئ"، ربما بسبب الإيجارات المرتفعة، والعيش في الخيام.

 

الضغط على تركيا

ربما تحاول روسيا الضغط على تركيا، لتحصيل المزيد من المكاسب في إدلب، إذ إن التصعيد ارتفعت وتيرته، بعد أن تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن ضرورة تنفيذ البروتوكول الروسي التركي الموقع في آذار من عام 2020، والذي يقضي بإنشاء منطقة خالية من السلاح في المحافظة (على طرفي الطريق الدولي إم 4).

وذكر الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عبد الوهاب عاصي، أن روسيا تعتبر جبل الزاوية منطقة غير محسومة، ومنذ توقيع مذكرة موسكو (2020) عملت على إقناع تركيا بضرورة إخلاء هذه المنطقة من الوجود العسكري، لكن ذلك لم يقابل بالرفض فحسب، بل بانتشار أوسع للمواقع العسكرية التركية على طول خطوط التماس.

ويبدو أنّ روسيا على قناعة بأن المطالبة بتحديد مصير المنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولي إم 4 (حلب - اللاذقية) تعد بمنزلة سقف مرتفع، لكن الضغط في هذا الاتجاه قد يُسهم في إقناع أنقرة بضرورة استكمال خطوات إقامة المنطقة منزوعة السلاح واستئناف حركة التجارة والنقل وزيادة التنسيق في ملف مكافحة الإرهاب.

ولفت "عاصي" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن قناعة أو اضطرار تركيا إلى تسريع خطوات العمل بموجب مذكرة موسكو (2020) لا يعني بالضرورة تنازل روسيا عن مطالبها بتحديد مستقبل منطقة جبل الزاوية، بل إرجاء تسوية هذه المنطقة التي تُعتبر جزءاً من قضية الانتشار العسكري التركي؛ حيث تُصرّ روسيا على إعادة تحديد حجم وانتشار القوّات التركية في إدلب شمال الطريق الدولي "إم 4"، أي اقتصار وجودها على شريط آمن.

وبطبيعة الحال، إن الخروقات التي لم تتوقف أصلاً، يعني تهجير السكان ومن ثم تشكيل ورقة ضغط جديدة على تركيا لحثها على تقديم تنازلات حول القضايا الخلافية سابقة الذكر، بحسب "عاصي".

 

موقف تركيا وفصائل المعارضة

غالباً ما تتعامل تركيا وفصائل المعارضة بمبدأ ردات الفعل حيال التصعيد الروسي في جبل الزاوية، حيث يكتفي الطرفان بقصف مواقع لقوات نظام الأسد في المدن والبلدات القريبة من خطوط التماس، مع تجنب قصف المواقع الحساسة والأكثر عمقاً.

وفي وقت سابق قال المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير، النقيب ناجي مصطفى، لموقع تلفزيون سوريا إن القوات التركية تواصل انتشارها في مختلف بلدات وقرى جبل الزاوية، وتعمل على تحصين وتعزيز قواعدها باستمرار، وتركز جهودها على المناطق الاستراتيجية والهامّة.

واعتبر أن انتشار الجيش التركي أسهم في عودة الكثير من الأهالي إلى منازلهم في جبل الزاوية، ومزاولة أعمالهم بشكل طبيعي، بالرغم من الخروقات المتكررة لوقف إطلاق النار من جانب النظام، والتي ترد عليها الفصائل بشكل فوري.

بالنسبة للفصائل؛ استبعد قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، أن تشن روسيا حملة عسكرية موسعة جديدة على منطقة جبل الزاوية.

ونشرت "هيئة تحرير الشام" في 26 تموز الماضي، شريطاً مصوراً يوثق لقاء قائدها "الجولاني" مع وجهاء جبل الزاوية، للإجابة على استفساراتهم، وتوضيح خطط الفصائل للمرحلة المقبلة.

خلال اللقاء وجّه أحد الحضور سؤالاً إلى "الجولاني"، قال فيه: "صرّحتم فيما مضى، أن جبل الزاوية في خطر، وأن الأتراك لا يهتمون بجبل الزاوية، وأن نقاطهم فقط لحراسة الأوتوستراد، وقبل يومين صرحتم بأنكم لا تتوقعون أي هجوم من الروس أو النظام في الوقت الراهن على الجبل، هل هناك تطمينات حول هذا الأمر".

أجاب "الجولاني" عن هذه الجزئية، بأنه لا توجد تطمينات تتعلق بجبل الزاوية، لكن لا ينبغي تذعير الناس، مما يؤدي إلى هروب الأهالي من جبل الزاوية، ولا تطمينهم من خلال التأكيد على عدم وجود معركة.

في الجلسة نفسها، أشار قائد الجناح العسكري في الهيئة "أبو الحسن الحموي"، إلى أن هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير وضعتا خطة مشتركة بعد توقف الحملة العسكرية الأخيرة، لتوحيد الجهود.

وأضاف أنهم حاولوا "تشريح مشكلات الحملة السابقة"، خاصة في ظل مواجهة تقنية جديدة في الحرب، ومنها القتال الليلي، والاستطلاع، موضحاً أنهم وضعوا خطة لتلافي الأخطاء السابقة، ووصلوا إلى "مرحلة جيدة".

 

نتائج متوقعة

يقول الباحث عبد الوهاب عاصي، إن فرص تحويل التهدئة في إدلب إلى اتفاق مستدام لوقف إطلاق النار، مرتبطة بتوصل تركيا وروسيا إلى قناعة بعدم جدوى التصعيد كوسيلة لتسوية الخلافات حول مصير المنطقة.

وإن لم تتمكن تركيا وروسيا من الحد من التصعيد، فإن مصير إدلب ينحصر ضمن عدد من الخيارات، أولها عملية عسكرية، ويتمثل هذا الخيار بأن تلجأ روسيا إلى شن عملية عسكرية جديدة في المنطقة، بعد تشكيل خطة للتعامل مع خطوط الصد والدفاع التي أنشأتها تركيا على طول خطوط التماس.

يؤكد "عاصي" أن أي عملية عسكرية محتملة في إدلب، من شأنها أن تعيد رسم خطوط التماس وإعادة تعريف حدود وطبيعة وجود القوات التركية شمال غربي سوريا.

ربما تؤدي سيطرة روسيا وقوات النظام على كامل المنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولي "إم 4"، إلى توقيع ملحق إضافي لمذكرة خفض التصعيد، يتحدد بموجبه شكل نظام وقف إطلاق النار.

يرجح الباحث "عاصي" أن يخسر نظام الأسد مواقع استراتيجية لصالح فصائل المعارضة، إذا شن عملية عسكرية وفشل في تحقيق اختراق لخطوط التماس أو التقدم برياً.

ومن المتوقع أن تلجأ روسيا وتركيا إلى السبل الدبلوماسية والتوصل إلى تسوية مرضية، إذا بدأت عملية عسكرية محتملة، وكانت التكاليف مرتفعة على فصائل المعارضة، وقوات النظام.

بحسب السيناريو الثاني الذي وضعه "عاصي"، يمكن أن تنفذ تركيا طلعات جوية بواسطة الطائرات المسيرة، ضد بنك من الأهداف المحددة مسبقاً مثل مصادر إطلاق النار والمواقع التي يستخدمها النظام لشن هجمات خاطفة خلف خطوط التماس، كونها تشكل تهديداً وشيكاً.

وتمتلك تركيا في هذا السيناريو مستنداً قانونياً، وهو حماية الجنود والقوات التركية شمالي سوريا، والحفاظ على وقف إطلاق النار الذي بات مهدداً بسبب الخروقات والتصعيد المستمر.