ما بين فقدان الهوية والانتماء جيل مُهددٌ بالضياع

2023.05.23 | 18:14 دمشق

آخر تحديث: 23.05.2023 | 18:14 دمشق

ما بين فقدان الهوية والانتماء جيل مُهددٌ بالضياع
+A
حجم الخط
-A

جيلٌ كاملٌ من الأطفال السوريين، إما ولدوا خارج وطنهم أو خرجوا صغاراً، لم تسنح الظروف لهم برؤية وطنهم، وبالكاد يعرفونها على الخريطة أو يسمعون اسمها من خلال أحاديث الكبار وسرد ذكرياتهم عنها.

ومنهم من ترك قريته وبلده ومدينته ونزح إلى منطقة أخرى، فعاش الغربة وهو في بلده، وعانى ما عانى من تقبل المجتمع المحلي له واعتباره ركنا أصيلاً من مكوناته.

قسم كبير من هذا الجيل بلا هوية، لا البلاد التي لجؤوا إليها أعطتهم جنسيتها أو سجلتهم على قيودها على الأقل كلاجئ، أو استطاع آباؤهم تسجيلهم في بلدهم الأم سوريا.

ومع طول الأمد وهم خارج بلادهم يضعف الانتماء وتضيع الهوية وإن حصلوا على جنسية البلاد التي يعيشون بها، عانوا الأمرين من الاندماج وتقبل المجتمع الجديد لهم.

غالبية هؤلاء الجيل إن كانوا لاجئين خارج وطنهم أو نازحين في داخلها في منطقة أخرى غير مسقط رأسهم، غير مسجلين "أصولاً" ضمن دوائر الأحوال المدنية (النفوس) التابعة للنظام السوري.

وفي هذه الحالة لا يحملون جنسية بلدهم الأم لعدم قدرة آبائهم على تسجيلهم أو لارتفاع كلفة تسجيلهم عبر وسطاء وسماسرة، وبعد مدة من الزمن سيصبحون مهددّين بخطر الحرمان من جنسية بلدهم، لعدم وجود أي أدلة أو وثائق تثبت جنسيتهم.

صفاء (ش) تقيم في مدينة غازي عنتاب التركية أم لطفلتين عبرت إلى تركيا قبل ٤ سنوات بطريقة غير شرعية (تهريب)، لم تستطع الحصول على الكيملك التركي هي وعائلتها، وتتابع صفاء؛ "متزوجة منذ ٤ سنوات لم أثبت زواجي في مناطق النظام خوفاً من اعتقال زوجي، وبالتالي حُرِمتُ من الحصول على دفتر العائلة وتسجيل بناتي في النفوس فهنَّ لا يملكنَ أي أوراق ثبوتية في سوريا".

قصة محمد (ك) الذي تزوج في تركيا ورُزق بطفل، لم يستطع تسجيله بقنصلية النظام السوري في إسطنبول بسبب الكلفة المرتفعة على حد قوله.

في لبنان يبدو الوضع أكثر قتامة وسوداوية، حيث يواجه اللاجئون السوريون مشكلة في تسجيل مواليدهم الجدد، وسط افتقارهم لوثائق شخصية وإلى الإقامة القانونية وأوراق إثبات الزواج، إما لأنهم لم يسجلوا زواجهم في سوريا، أو لعدم حيازتهم على الوثيقة التي تثبت هذا الزواج ولا يمكن الحصول عليها إلا من سوريا أو من سفارة النظام في بيروت ولن يتمكنوا بلا إثبات الزواج من تسجيل الولادات الجديدة، وبالتالي يبقى المولود الجديد مكتوم القيد.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، حتى نهاية 2021 تم إحصاء ولادة 193 ألفاً و422 طفلاً لسوريين لاجئين مسجلين بلغ عددهم 844 ألفاً و56 لاجئاً سورياً مسجلاً لدى المفوضية. ويؤكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية النائب فادي علامة أن "هناك نحو 200 ألف طفل سوري ولدوا في لبنان منذ بداية الأزمة حتى الآن. بمعدل 20 ألف ولادة سنوياً".  (الشرق)

السوريون داخل البلاد وخارجها يعانون من صعوبة إجراء معاملاتهم الخاصة بالسجل المدني في سفارات وقنصليات النظام ومديرياته داخل البلد، كتسجيل الزواج أو تسجيل المواليد الجدد أو استخراج دفتر العائلة بسبب التعقيدات التي يفرضها النظام في المعاملات، فضلاً عن المعاملة السيئة التي تُمارس من قبل الموظفين، الأمر الذي يدفع العديد من الأشخاص إلى حل قضاياهم المتعلقة بالمعاملات في مناطق سيطرة النظام والقنصليات عبر محامين أو سماسرة لإنجازها، وخاصةّ أن النظام السوري يعتبر كل من يعيش في المناطق الخارجة عن سيطرته كحاضنة شعبية “للمسلحين الإرهابيين” وفق تصنيفه وبالتالي فهم مطلوبون للأجهزة الأمنية.

يعاني جيل من اللاجئين السوريين من الحرمان من أبسط حقوقهم مكبّلين في كل خطوة يخطونها بالعقبات والبيروقراطية، إذ إن الإنسان يولد مرتين مرة عند الولادة الطبيعية ومرة عند الولادة القانونية بتقييده وتسجيله في السجلات الرسمية للدولة.

على الرغم من كل شيء لا يزال العديد من هؤلاء الأطفال يشعرون بارتباط عميق بوطنهم غير المعروف بالنسبة لهم، ويتشبثون بالأمل في العودة إلى هناك بأمان في يوم من الأيام، يحملون صورة سوريا في أذهانهم مرتكزين في ذلك على القصص التي يرويها لهم آباؤهم، والدردشة على الهاتف مع الأقارب الذين بقوا في البلاد أو من خلال الصور العائلية التي التقطت قبل أن يغادروا بلدهم الأم سوريا.