ما الذي ستحمله الانتخابات العامة في تركيا؟

2023.01.21 | 06:57 دمشق

ما الذي ستحمله الانتخابات العامة في تركيا؟
+A
حجم الخط
-A

تحظى الانتخابات العامة التركية المزمع إجراؤها في 18 يونيو/ حزيران المقبل بأهمية خاصة بالنسبة إلى الشارع التركي، وكذلك بالنسبة إلى جميع الأحزاب السياسية التركية، نظراً لأن نتائجها ستحدد مستقبل تركيا ووجهتها السياسية في المرحلة القادمة، حيث يخوضها حزب العدالة والتنمية الحاكم، بوصفها معركة فاصلة بالنسبة إلى مستقبله السياسي، لذلك يسعى إلى تجنيد كافة أنصاره فيها، معتبراً أن نتائجها ستحدد مصير تركيا، على اعتبار أن فوز المعارضة بالرئاسة، يعني تغيير الوجهة التركية، والدخول في مرحلة مختلفة تماماً على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وينسحب الأمر نفسه على أحزاب المعارضة، التي تسعى بدورها إلى تجميع صفوفها وبناء تحالفات وتفاهمات من أجل الفوز بالانتخابات، والعودة بتركيا إلى النظام البرلماني، وبالتالي فإن السؤال بات يطرح حول ما الذي ستحمله الانتخابات المقبلة؟

 وتزداد، مع اقتراب موعد الانتخابات، حدة الانقسام السياسي الداخلي، الذي بات يلقي بظلاله على طبيعة وتركيبة التحالفات السياسية، وعلى الأجواء السياسية التي تثير غباراً كثيفاً على تركيبة المجتمع التركي، المفعم بإرهاصات دوائر من التجاذب التاريخي، بالنظر إلى طبيعة الهويات المركبة في تركيا ما بين الشرق والغرب، والتي لم تتمكن علمانيتها الأتاتوركية من حسمها أو تجفيف منابعها الثقافية والاجتماعية.

تكمن أسباب المماحكات والمناكفات السياسية التركية في استقواء أحزاب المعارضة الرئيسية، نظراً إلى التغير الذي حصل في الخريطة الحزبية التركية

وعلى خلفية المناكفة والتنافس بين الحكومة والمعارضة، تخاض معارك على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والقانونية، إضافة إلى تجدد النقاش في الأوساط السياسية والإعلامية التركية، حول ما إذا كانت تركيا ستتجه إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، فضلاً عما تطرحه أحزاب المعارضة التركية حول مدى قانونية ترشح الرئيس، رجب طيب أردوغان، للانتخابات الرئاسية المقبلة، من دون اللجوء إلى انتخابات مبكرة، بدعوى أن الدستور التركي لا يمنحه الحق في الترشح للانتخابات الرئاسية لولاية ثالثة.

تكمن أسباب المماحكات والمناكفات السياسية التركية في استقواء أحزاب المعارضة الرئيسية، نظراً إلى التغير الذي حصل في الخريطة الحزبية التركية خلال السنوات الأخيرة، وترجع بعض حيثياته إلى المجال السياسي، وبعضها الآخر إلى الاقتصاد والوضع المعاشي، حيث تسعى أحزاب المعارضة إلى تشكيل قوة انتخابية تحت مظلة الطاولة السداسية (حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد، وحزب السعادة، وحزب دواء، وحزب المستقبل، والحزب الديمقراطي)، يجمعها توحيد كلمتها في الانتخابات المقبلة للوقوف بوجه حزب العدالة والتنمية ومناكفته في كل شيء. وساعدها في ذلك تغير خريطة الاصطفافات الحزبية، فراحت تعمل على استمالة الشارع التركي، وتطالب بالعودة إلى النظام "البرلماني المُحسن"، وذلك بعد أن استقوت بالفوز الذي حققته في رئاسة بلدتي أنقرة وإسطنبول في الانتخابات البلدية التي جرت عام 2019، على حساب خسارة حزب العدالة والتنمية لهما، واعتبرت أوساطها ذلك مؤشراً على تراجع شعبية الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم، وراحت تدفع باتجاه تبكير الانتخابات العامة.

 ومع تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا، خلال السنوات الماضية، وجهت أحزاب المعارضة اتهامات إلى حزب العدالة والتنمية بالفشل في إدارة الأزمة الاقتصادية، التي ما تزال تعصف بتركيا، مع بلوغ التضخم مستويات قياسية، وتردي الأوضاع المعيشية، وارتفعت الأصوات المطالبة بتبكير الانتخابات، لكن قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه في "تحالف الشعب"، حزب الحركة القومية برئاسة دولت بهجلي، كانوا يرفضون ذلك، حيث ذهب الرئيس أردوغان في مطلع أيار من العام الماضي، إلى القول لقادة المعارضة "لا ترهقوا أنفسكم.. الانتخابات ستقام في موعدها في حزيران/ يونيو عام 2023".

أما في أيامنا هذه، فيبدو أن الأمور قد انقلبت، واختلفت تماماً، حيث إن قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم باتوا يتحدثون علناً عن إمكانية تبكير موعد الانتخابات العامة، لأسباب تتعلق بالاستفادة من جملة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية لتخفيف ضغوط الأزمة الافتصادية على الفئات المتوسطة والفقيرة، إضافة إلى تزامن موعد الانتخابات مع الظروف الموسمية التي تخص الامتحانات الجامعية، والعطلات الصيفية، وموسم الحج، وبات حزب العدالة والتنمية يجري مناقشات حول الموعد الأمثل للانتخابات المقبلة، حيث يتردد أن  الانتخابات ستجرى بعد انتهاء شهر رمضان المقبل، والتاريخ المرجح هو 14 مايو/ أيار المقبل، الذي يصادف الذكرى الـ 63 للانتخابات التي فاز الحزب الديمقراطي بها عام 1950 برئاسة عدنان مندريس.

ويجيز الدستور التركي اتخاذ قرار تبكير الانتخابات قبل 60 يوماً من موعدها المحدد، لكن المسؤولين في حزب العدالة والتنمية يركزون على ألا يكون الموعد قبل 6 نيسان/ أبريل المقبل، وذلك كي يدخل حيز التنفيذ قانون الانتخابات الجديد، الذي أقره البرلمان في نفس التاريخ العام الماضي. وهو أمر ترفضه أحزاب المعارضة المنضوية تحت مظلة الطاولة السداسية، حيث أعلن زعماء أحزاب هذه الطاولة في بيان أصدروه في 5 يناير/ كانون الثاني الجاري، أن "المعارضة لن تدعم أي قرار في البرلمان بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة وفق القانون الانتخابي الجديد، في حين هي مستعدة لدعم الذهاب للانتخابات المبكرة وفق القانون الذي طبق في العام 2018، وهذا يعني أن أي انتخابات تجرى قبل 6 إبريل/ نيسان المقبل سيتم دعمها".

تحليلات عديدة ترجح أنها ستعيد تشكيل المشهد السياسي التركي من جديد، لكونها ترتقي إلى مصاف استفتاء شعبي على مرحلة سياسية بأكملها

غير أن الأمور ستختلف بخصوص الإشكالات القانونية، في حال جرى تفاهم بين أحزاب المعارضة والتحالف الحاكم حول تبكير موعد الانتخابات، وهو أمر ما يزال مستبعداً لأن أحزاب المعارضة ترفض أن تجرى الانتخابات وفق القانون الانتخابي الجديد.

وبصرف النظر عن المماحكات بين المعارضة والحكومة، فإن الأهم هو ما ستحمله الانتخابات المقبلة، إذ إن تحليلات عديدة ترجح أنها ستعيد تشكيل المشهد السياسي التركي من جديد، لكونها ترتقي إلى مصاف استفتاء شعبي على مرحلة سياسية بأكملها، تزعم فيها حزب العدالة والتنمية المشهد السياسي التركي، وسيطر على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء في اتجاه الاستمرارية، أم باتجاه ولادة مرحلة جديدة، ستعيد رسم الحياة السياسية لتركيا، وبالتالي، فإن نتائجها لن تقرر فقط من سيحكم تركيا، بل ستقرر أيضاً كيف تُحكم، وما الأدوار التي ستلعبها في الصراعات والملفات الإقليمية والدولية، وخاصة في الشرق الأوسط.