ما الذي دفع الدول العربية لمقاطعة نظام الأسد؟

2023.04.26 | 15:12 دمشق

مقعد سوريا في الجامعة العربية
+A
حجم الخط
-A

لم يكن يتوقع نظام الأسد أن تشتعل أي ثورة ضده في آذار 2011 مع انطلاق الثورات في العالم العربي، إلا أنه اتخذ قرار الحرب ضد السوريين، وارتكب بحقهم جرائم وصلت إلى "إرهاب دولة" وسجل ممتلئ بانتهاكات حقوق الإنسان.

في تشرين الثاني 2011 انطلقت المبادرة العربية "لحل الأزمة السورية"، في حين رد عليها نظام الأسد بتعنّت ومماطلة وتهرّب كحاله في التعامل مع جميع المبادرات التي كانت تطرح لوقف شلال الدم المراق في شوارع سوريا.

تجميد عضوية سوريا

جُمّدت حينذاك عضوية سوريا في الجامعة العربية بأغلبية ساحقة من دول الجامعة، إلى حين قبول النظام وتوقيعه على بروتوكول إرسال مراقبين عرب إلى البلاد، غضب النظام من ذلك وأوعز إلى شبيحته ومؤيديه باقتحام سفارات قطر والسعودية في دمشق، وأصرّ على عدم التوقيع مما دفع الدول العربية لفرض عقوبات اقتصادية عليه.

دعت الدول العربية لمبادرة جديدة لإجراء حوار سياسي مع المعارضة بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية، وطالبت رئيس النظام بتفويض نائبه للتفاوض مع الحكومة الوطنية ثم إقامة انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة. رفض نظام الأسد ذلك بالطبع واعتبره تدخلاً في شؤونه وانتهاكاً لسيادته.

سحبت المملكة العربية السعودية بعثتها من لجنة المراقبين العرب، وأعلن وزير الخارجية السعودي يومها سعود الفيصل قائلاً: "نحن لن نقبل بأي حال من الأحوال أن نكون شهود زور، أو أن يستخدمنا أحد لتبرير الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري".

وفي شباط 2012 قررت السعودية ومعها دول الخليح طرد سفراء نظام الأسد وسحب سفرائهم من دمشق احتجاجا على تصاعد الحملات الأمنية والعسكرية التي يشنها النظام على الشعب السوري، وصولا إلى إغلاق سفارتها في دمشق وسحب كافة الدبلوماسيين والعاملين فيها.

وفي آذار 2013 شغل معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري حينذاك مقعد سوريا في اجتماع القمة العربية بعد دعوة أمير قطر المعارضة السورية لشغل المقعد، وكان الاجتماع الأوحد قبل أن يبقى مقعد سوريا شاغراً طوال تلك السنين وحتى اليوم.

توالت بعدها المؤتمرات الدولية والمبادرات والمقترحات، وازداد نظام الأسد في تعنّته وعدم استجابته لأي طروحات أو قبوله بأية مبادرات، بل ورد عليها جميعا بمزيد من عمليات الاعتقال والقتل والتدمير.

وفي تشرين الثاني 2021 قال المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في كلمته أمام الجمعية العمومية: "لا تصدقوهم إن قالوا أن الحرب قد انتهت ولا حاجة لقرارات الأمم المتحدة، لا تصدقوهم فالحرب لم تنته بالنسبة لـ 2000 شهيد أضيفوا هذا العام لقائمة الشهداء الذين يزيد عددهم على 350 ألف شهيد".

وأضاف المعلمي: "لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعياً النصر العظيم، فكيف يمكن لنصر أن يُعلن بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساكن.. وأي نصر هذا الذي يكون لقائد على رفات شعبه ومواطنيه؟"

وأكّد على أن نظام الأسد هو "أول من فتح للإرهاب أوسع الأبواب عندما أدخلوا إلى بلادهم حزب الله الإرهابي زعيم الإرهاب في المنطقة والمنظمات الطائفية القادمة من الشرق".

التهديد الإيراني للعرب

في وقت مبكر بُعيد انطلاق الثورة السورية تدخلت إيران وميليشياتها الطائفية متعددة الجنسيات، وميليشيا حزب الله اللبنانية واصطفوا مع نظام الأسد في حربه على المناهضين لحكمه. وتمركزت هذه الميليشيات أو حاولت في المناطق الحدودية وسهّل لها نظام الأسد ذلك، وعملت حثيثاً على تغيير تركيبة السكان الديموغرافية، لصالحه وصالح إيران وميليشياتها.

دعم نظام الأسد ميليشيات الحوثي في اليمن، درّب بعضاً منهم، ووقف معهم سياسياً وعسكرياً على اعتبار أنهما (نظام الأسد وميليشيا الحوثي) امتداد لمشروع واحد كاره للعرب وتاريخهم ترعاه إيران منذ سنوات.

 تلك الميليشيات التي قصفت دولا عديدة من الخليج العربي واحتلت بعضا من جزره سابقاً، وعملت وتعمل دائماً على إثارة الفتن والقلاقل في دوله محاولة إيجاد نفوذ دائم لها.

لم تكن إيران تهادن في معركتها مع العرب في سوريا أو اليمن أو الخليج، حيث غزت تلك الدول انطلاقاً من سوريا ولبنان بالمخدرات.

يوجد مئات مصانع الكبتاغون في سوريا، برعاية مباشرة من النظام وإيران وحزب الله وتهرب براً وبحراً وجواً إلى دول الجوار والخليج بشكل خاص وبقية دول العالم عموماً محققين أرباحاً مهولة وأموالاً لا تحصى.

ومع كل الجرائم والفظائع التي ارتكبها ويرتكبها نظام الأسد حتى اليوم، وتهديده الأمن والسلم الدوليين بل ودعمه لروسيا في حربها على أوكرانيا، أو دعمه لجبهة البوليساريو الانفصالية في المغرب، وإغراقه العالم بالمخدرات، ما زالت تخرج أصوات وصيحات تنادي بضرورة إعادة الأسد للجامعة العربية والتطبيع معه، أو إقامة حلول جزئية مع نظامه متجاوزين كل القرارت الدولية التي نصّت بصراحة على حق الشعب السوري بتقرير مصيره واختياره هو لمن يرأسه.

وتأتي زيارة المقداد وزير خارجية النظام إلى السعودية، وزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، في ذات السياق الذي مازال السوريون حتى اليوم يقولون بأنه مسار عبثي لا يمكن أن يفضي لنتيجة، وأن التطبيع المجاني مع نظام الأسد لن يزيد الأوضاع إلا سوءاً وتدميراً في سوريا ودول الجوار، وأنه لن يعيد اللاجئين المنتشرين في كل دول العالم إلى بيوتهم أو مناطقهم التي يسيطر عليها النظام، بل ويُمعن في فقدانهم لأي أمل بالخلاص أو الاستقرار.

أين تكمن المشكلة؟

وفي الجواب عن السبب الذي دفع العرب للقطيعة مع النظام السوري؟ يكون الأمر بسيطاً بالعودة إلى البيانات اليومية والإحصاءات الحقوقية لمنظمات دولية مرموقة. النظام ارتكب جرائم حرب، وعمليات إبادة جماعية، وصنف بأنه نظام مارق، واستخدم أسلحة محرمة دولياً، وأكبر تاجر مخدرات في العالم.

لهذا السبب قطعت الدول العربية والغربية العلاقات معه، فلا يمكن أن تمر تلك الجرائم دون محاسبة أو تحقيق العدالة للضحايا الذي قدروا بمئات الآلاف، وأن تعود المياه لمجاريها في خضم حسابات ضيقة أو حسن نية للتقارب مع نظام اعتاد العالم والسوريون على كذبه في نشرات الطقس.

مؤخراً أكّد رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن "الأسباب التي دفعتنا لدعم تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة"، ما يقصده رئيس الوزراء القطري أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تجاهلها أو نسيانها، وخصوصاً أن قصف نظام الأسد وجرائمه الكثيرة لم تتوقف إلى الآن حتى بعد كارثة الزلازال الأخيرة في 6 شباط بسبب طبيعته الإجرامية متعاوناً مع حلفائه من الدول المارقة والميليشيات الإرهابية.

والمصيبة أن الدول اللاهثة للتطبيع مع النظام السوري لن تستفيد بل ستعطي سوريا للإيرانيين والروس على طبق من ذهب دون أي فائدة تذكر، خصوصاً في خضم العقوبات الغربية والأميركية المفروضة عليه.

من ناحية السوريين، يعد ذلك اختراقاً للموقف العربي لصالح إيران، إلا أن اللاجئين والمهجرين ومن بقي في المناطق المحررة ما زالوا على موقفهم ضد التطبيع ومساراته، وأن عقارب الساعة لا ولن تعود إلى الوراء.