ما الذي تتوقّعون حدوثه في إدلب على مدى الأسابيع المقبلة؟

2018.08.09 | 14:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

توما بييريه | باحث أول في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي التابع للمركز الوطني للبحث العلمي

السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن يشنّ النظام هجوماً محدود النطاق يستهدف أطراف محافظة إدلب الغربية والجنوبية والشرقية. فتركيا لن تقبل إطلاقاً بتنفيذ عملية أكثر طموحاً ترمي إلى إعادة المنطقة بكاملها إلى سيطرة النظام، لأن هكذا عملية قد تؤدّي إلى نزوح جماعي للمدنيين ومقاتلي المعارضة (بما في ذلك المجموعات الجهادية) نحو الحدود التركية والمناطق الواقعة تحت سيطرة أنقرة داخل الأراضي السورية.

تملك تركيا إمكانيات عسكرية قادرة على عرقلة هجوم النظام بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وتبدو على الأرجح مستعدّة لفعل ذلك نظراً إلى الرهانات التي تواجهها. كذلك، تعي روسيا أن شنّ هجوم شامل على إدلب قد يقوّض بشكلٍ كبير علاقاتها مع تركيا. لقد قيل إن قدرة موسكو على ضبط الرئيس السوري بشار الأسد وإيران محدودة، لكن نظراً إلى أن دفاعات المتمردين قوية نسبياً في إدلب، سيكون من الصعب للغاية على القوات المهاجمة تحقيق التقدّم في حال حُرمت من الدعم الجوي الروسي.

هديل الصيداوي | باحثة زائرة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، تتركّز أبحاثها على سورية

بقدر ما قد يرغب النظام السوري في الإفادة من زخم الانتصار الذي حقّقه في جنوب غرب سورية، يبقى أن الوضع في إدلب أشدّ تعقيداً بكثير. فلدى كلٍّ من روسيا، في المدى القصير على الأقل، وتركيا مصلحة في تفادي التورّط في عملية عسكرية شاملة، والتوصّل في نهاية المطاف إلى نتيجة قد تكون شبيهة بتلك التي تحقّقت في بصرى الشام، حيث سلّمت الفصائل سلاحها. مع ذلك، لايزال من غير الواضح إلى أي حدٍّ ستتمكّن روسيا من ثني الرئيس السوري بشار الأسد عن تنفيذ الهجوم، أو إلى متى ستلتقي المصالح الروسية والتركية.

وقد قال المبعوث الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، مؤخّراً: "لن يكون وارداً في الوقت الحاضر شنّ هجوم واسع على ]مدينة[ إدلب"، وأدرج ملفّ عودة اللاجئين في صُلب أولويات الجولة الجديدة من محادثات سوتشي. إذاً، من شأن الهجوم العسكري أن يقوّض جهود روسيا التي بدأت بتنظيم إعادة حوالى ألف لاجئ من لبنان إلى سورية في وقت مبكر من هذا الشهر. وتشكّل هذه المسألة نقطة التقاء للمصالح الروسية والتركية، إذ يعيش في محافظة إدلب راهناً 2.5 مليون شخص تقريباً، نصفهم من النازحين داخلياً، إضافةً إلى حوالى 70 ألف مقاتل معتدل أو متطرّف. لذا يُحتمل أن يؤدّي أي هجوم يشنّه النظام إلى حدوث أزمة لاجئين جديدة، وهذا ما لن تسمح به تركيا على الأرجح، إضافةً إلى نزوح مجموعات متطرّفة مرتبطة بالدولة الإسلامية والقاعدة.

في غضون ذلك، ينبغي على تركيا وروسيا حلّ المسألة المتعلّقة بهيئة تحرير الشام والمقاتلين الأجانب. ويُفترض أن أنقرة تسعى، منذ شباط/فبراير، إلى توحيد الفصائل الكبرى في إدلب تحت راية الجبهة الوطنية للتحرير التي يُتوقّع أن تحاول الحدّ من الهيمنة العسكرية لهيئة تحرير الشام في حال رفضت هذه الأخيرة حلّ نفسها. لكن من غير الواضح ما إذا سيتمكّن هذا الائتلاف الجديد من تحقيق ذلك.

وفي ظل تواتر أنباء مفادها أن قوات الأسد تتمركز قرب إدلب، قد نشهد تنفيذ عملية عسكرية محدودة في جنوب جسر الشغور وغربه، لتعزيز المنطقة المحيطة بقاعدة حميميم الروسية. أما الخطوات التي ستعقب ذلك، فتبقى رهناً بالجهود الروسية والتركية.

تشارلز ليستر | باحث أول في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، ومدير مشروع المعهد لمكافحة الإرهاب. هو مؤلف كتاب The Syrian Jihad: Al-Qaeda, the Islamic State and the Evolution of an Insurgency (الجهاد السوري: القاعدة، الدولة الإسلامية، وتطورات الانتفاضة)، صادر عن منشورات جامعة أوكسفورد.

نظراً إلى ما حدث سابقاً في أماكن أخرى من سورية، أستبعد ألّا يلتزم نظام الأسد بكلامه، وأن يقوم في نهاية المطاف بشنّ حملة ضخمة في إدلب. وسيكون ذلك على الأرجح مسبوقاً بمروحة من اتفاقيات "مصالحة" على أطراف مناطق المعارضة، أو قد يتزامن معها، وهذه العملية بدأت تسير على قدم وساق. لكن الوصول إلى نهاية هذه العملية قد يتطلّب بعض الوقت. كذلك، لا ينبغي تجاهل استثمار تركيا الكبير والمحفوف بالمخاطر، المتمثّل في إقامة آليات ردع في إدلب. علاوةً على ذلك، لن تؤدي التهديدات التي أطلقتها وحدات حماية الشعب الكردية في سورية مؤخراً بأنها ستساعد النظام (سواء أكانت تهديدات واهية أم لا) سوى إلى ترسيخ موقف أنقرة المُعارض تماماً للأعمال العدائية. ولا بدّ أن تقوم دمشق ببعض المناورات وأن تجري موسكو بعض التغييرات البسيطة لإقناع أنقرة بالتنحّي جانباً.

أترقّب في الوقت الراهن المحاولات التي قد يقوم بها الجهاديون المخرّبون لإطلاق شرارة صراع يهدف إلى تطهير المنطقة من المقاتلين المعتدلين والأقل التزاماً، ويترك وراءه آخرين يكونون على الأرجح، في نظرهم، أكثر عرضة للتأثُّر بهم والانضمام إلى حرب العصابات الشرسة التي يخوضونها.

ألكسي خليبنيكوف | متخصّص في قضايا الشرق الأوسط في المجلس الروسي للشؤون الدولية، وباحث أول في مجموعة Eurasia Strategies الاستشارية الروسية

يتّبع الصراع في سورية نمطاً مألوفاً. فقد تمّ إلغاء مناطق خفض التصعيد تدريجياً، وقامت القوات المسلحة السورية، بدعم من القوات الجوية الروسية، بتنظيم هجمات خوّلت موسكو عقد صفقات لإجلاء عدد كبير من المتمرّدين المسلّحين إلى محافظة إدلب. ونتيجةً لذلك، بقيت إدلب المنطقة الوحيدة التي لم تسيطر عليها الحكومة السورية من بين مناطق خفض التصعيد، وتتمركز فيها مجموعات المعارضة المسلّحة والجماعات الإرهابية، إضافةً إلى المدنيين. فأصبحت إدلب، بسبب هذا المزيج، منطقة رمادية نوعاً ما بالنسبة إلى موسكو.

يتسبّب العامل التركي في تعقيد الوضع في إدلب، التي كانت لفترة طويلة منطقة نفوذ تركي، إذ إن أنقرة قدّمت الدعم إلى مجموعات المعارضة هناك. إضافةً إلى ذلك، وبموجب اتفاقات الأستانة، كان من المفترض أن تقوم تركيا بتوفير الأمن للمنطقة، وإنشاء اثنتي عشرة نقطة مراقبة لهذا الغرض. وتجدر الإشارة إلى أن أنقرة هي شريكٌ لروسيا في سورية وإحدى الدول الضامنة لمحادثات الأستانة. فموسكو بحاجة إلى دعم تركيا لتبرير المقاربة التي تعتمدها حيال الصراع السوري وتشكيل ثقل مضادّ لانتقادات الغرب والناتو لها. مع ذلك، بعد الانتصار العسكري الذي حقّقته قوات النظام السوري مؤخراً وازدياد الدعم الروسي، بات دور الأستانة يتضاءل تدريجياً، وتجلّى ذلك جزئياً في حقيقة أن الجولة الأخيرة من المحادثات عُقدت في سوتشي، وليس في العاصمة الكازاخستانية.

من المهم بالنسبة إلى روسيا، كي تبقى خطواتها متماشية مع سياساتها المتّبعة في سورية، أن تعيد إدلب في نهاية المطاف إلى سيطرة الحكومة السورية. لكن، في الوقت نفسه، لا تريد موسكو خوض مواجهة مع تركيا حول هذه المحافظة. فخلال الأشهر الأخيرة، نُفِّذت هجمات عدة بقذائف هاون وبطائرات من دون طيّار من محافظة إدلب مُستهدفةً عسكريين روس، الأمر الذي منح موسكو سبباً مشروعاً لدفع أنقرة نحو وضع خطة تكون مقبولة لها وللحكومة السورية، وتسيطر بموجبها هذه الأخيرة على إدلب، لكن مع أخذ المصالح التركية في الاعتبار.

الجدير ذكره هنا أن روسيا تسعى لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وتُعتبر تركيا شريكاً مهماً في هذا الصدد لأنها تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين. ويعني ذلك أن شنّ روسيا هجوماً عسكرياً كبيراً على إدلب لم يعد احتمالاً وارداً الآن، لأن مثل هذه الخطوة ستؤدّي إلى تدفق كبير آخر للاجئين نحو الحدود التركية، ما يتعارض خطط موسكو وأنقرة.

يشكّل الأكراد في هذا السياق عاملاً مهماً آخر يجب أخذه في الحسبان، ذلك أنهم سيكونون على الأرجح طرفاً في أي صيغة تتعلق بإدلب. ففي الآونة الأخيرة، تكثّفت الاتصالات بين الأكراد السوريين ودمشق، والأكراد والروس. فالأكراد يدرسون خيار عقد صفقة مع دمشق قد تمنحهم على الأرجح نوعاً من الحكم الذاتي، فيما يُحتمل أن تستعيد دمشق بموجبها حقول نفطها وغازها ومصافيها. ومما لا شكّ فيه أن ما ستؤول إليه الأمور في إدلب يرتبط أيضاً بالمخاوف الأمنية التركية والضمانات التي يمكن أن تحصل عليها أنقرة في نهاية المطاف في إطار أي اتفاق قد يُبرم بين النظام السوري والأكراد مقابل استعادة إدلب.

 

للاطلاع على المادة من المصدر اضغط هنا