icon
التغطية الحية

ما أضرار انتشار الظاهرة "العشائرية" في الشمال السوري؟

2024.05.22 | 09:07 دمشق

آخر تحديث: 22.05.2024 | 12:50 دمشق

مسلحون خلال اشتباك عشائري سابق (تويتر)
ما أضرار انتشار الظاهرة "العشائرية" في الشمال السوري؟
+A
حجم الخط
-A

لا تعد العشائرية ظاهرة طارئة على المجتمع السوري عامة، فالنسبة الأكبر من سكان جنوبي وشرقي سوريا، إضافة إلى أرياف حلب وإدلب وحمص وحماة، تنتمي إلى قبائل وعشائر (سواء كانت عربية أو كردية أو تركمانية) استقرت في هذه المناطق منذ مئات السنين. 

نسبة كبيرة من أبناء هذه العشائر نزحت إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال السوري، بعد سيطرة نظام الأسد والميليشيات الإيرانية على المناطق التي كانت تستقر فيها من جهة، أو بسبب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على هذه المناطق بعد طرد تنظيم "داعش" منها من جهة أخرى.

مع بداية الثورة شهدت سوريا "عودة كبيرة إلى النزعة العشائرية، وزيادة شعور الانتماء العشائري"، إذ يبدو ذلك رد فعل طبيعي في ظل تبدل السلطات المسيطرة، وبحث الفرد عن الشعور بالأمان عبر الانضمام إلى تجمع أو كتلة تحميه، إلا أن ذلك أدى إلى انعكاسات سلبية على الواقع الاجتماعي والأمني والحكومي في الشمال السوري.

الاقتتال العشائري

أدت الحالة الأمنية الهشة وانتشار السلاح في الشمال السوري، إضافة إلى عدم وجود سلطة قوية وفاعلة، وبحث الأفراد عن كيان يحميهم في ظل غياب "مصطلح الدولة"، إلى نمو ظاهرة التعصب والتحزب القبلي على نطاق واسع، الذي أدى بدوره إلى تكرار حالات الاقتتال العشائري التي تنتهي عادة بسقوط ضحايا من الأطراف المتنازعة والمحايدة أيضاً، إذ لا تنتهي هذه الاشتباكات إلا بعد تدخل قوات كبيرة من الجيش الوطني، إضافة إلى القوات التركية في بعض الأحيان، كما هو الحال في الاقتتال بين عشيرتي (طي وجيس) بمدينة جرابلس أواخر شهر نيسان الماضي، والذي أدى إلى مقتل أربعة أشخاص بينهم امرأة، إضافة إلى جرح 10 أغلبهم مدنيون.

إضافة إلى ما سبق، يوضح المنسق العام للمجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية الشيخ مضر حماد الأسعد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن أسباباً أخرى تسهم في انتشار مناطق الصدامات العشائرية، أبرزها "سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في كل المناطق السورية، وانتشار الفقر والبطالة، وتسرّب مئات الآلاف من الطلاب من التعليم، الأمر الذي يجعلهم أداة يسهل التحكّم بها وإثارتها وتوجيه رأيها بعيداً عن منطق القانون والاحتكام لأعراف الصُّلح".

من ناحيته، يعمل الجيش الوطني وقوات الشرطة العسكرية على الحد من هذه الحوادث وتطويقها من خلال العمليات الأمنية التي يشنها ضد المطلوبين وضبط فوضى انتشار السلاح وتجارته في تلك المناطق.

وفي نيسان من العام الماضي، أصدرت وزارة الدفاع في "الحكومة السورية المؤقتة" تعميماً حول ضبط السلاح في مناطق سيطرتها، وحصرت الوزارة وجود السلاح في المعسكرات وخطوط المواجهة مع العدو والنقاط الأمنية، ضمن مناطق سيطرتها شمالي سوريا، وأوصت بضرورة الاحتكام إلى القضاء للبت في أي خلاف.

بالمقابل، أكدت مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا أنه بعد مرور 7 سنوات على تشكيل الجيش الوطني، إلا أنه مازال عاجزاً عن فرض الأمن، وضبط فوضى انتشار السلاح في مناطق سيطرته.

من العشائر إلى الفصائل

غالباً ما تنتقل حالات الاقتتال من العشائر إلى القوى والفصائل العسكرية المسيطرة على الشمال السوري سواء في مناطق الجيش الوطني أو مناطق هيئة تحرير الشام، وذلك بحكم انضمام أبناء هذه العشيرة أو تلك إلى فصيل معين.

من ذلك الاشتباكات التي اندلعت بريف حلب الشرقي بين عناصر من فرقة الحمزة، وإحدى العشائر في المنطقة "الدمالخة"، على خلفية الاعتداء على راعٍ من أبناء العشيرة والتي أدت إلى مقتل أحد عناصر الشرطة العسكرية في أثناء محاولتهم فض الاشتباك بين الطرفين.

ومن ذلك أيضاً الاشتباكات العنيفة التي شهدتها مدينة رأس العين كما في شهر أيار من عام 2022 حين تحول خلاف بين عشيرتي الموالي والعكيدات في رأس العين إلى صراع بين فرقة الحمزة التي ينتمي معظم أفرادها إلى عشيرة الموالي ومجموعة عناصر من فصائل تتبع للجيش الوطني وتنتمي لعشيرة العكيدات بسبب قتل قيادي في فرقة الحمزة يدعى خالد العبد الله عنصراً من الجيش الوطني يدعى محمد العواد الدعار ينتمي لقبيلة العكيدات عقب خلاف شخصي حشدت على إثره قبيلة العكيدات كل المسلحين من أبنائها الذين ينتمون لفصائل مختلفة في الجيش الوطني وهاجمت مواقع فرقة الحمزة برأس العين سعياً للثأر.

من ناحيته، يؤكد الشيخ مضر حماد الأسعد أن أغلب العشائر في الشمال السوري التحق أبناؤها بهذا الفصيل أو ذاك الذي يوجد فيه عناصر من عشيرة معينة، مقابل انضمام أبناء العشيرة الأخرى إلى فصيل آخر؛ لذا فإن أي مشكلة بين العشائر تنعكس فوراً على الفصائل في المنطقة، وقد يحدث العكس أيضاً.

ويشدد الحماد أن هذه الطريقة تشكل خطراً على بنية الجيش الوطني، لأن الخلافات الفصائلية يجب أن تنتهي ضمن وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التي يبدو أن ضعف تأثيرها على الفصائل هو الذي سمح للعشائر أيضاً بالتدخل في أغلب الخلافات الفصائلية.

إضعاف المؤسسات الحكومية 

في شهر كانون الثاني من العام الجاري حاول عدد من أبناء دير الزور اقتحام محكمة “الراعي” بريف حلب الشمالي إثر قرار أصدرته المحكمة يقضي بالإعدام بحق خمسة أشخاص من أبناء دير الزور بتهمة ضلوعهم بقضية تفجير في مدينة اعزاز قبل عامين ونصف.

محاولة الاقتحام هذه تمت بمشهد استعراضي؛ حيث قام أبناء عشيرة معينة باستعراض سلاحهم، وترديد شعارات عشائرية، ونشر هذه المظاهر على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي عده كثيرون استخفافاً بمؤسسات الحكومة عامة وبالسلطة القضائية بشكل خاص.

من جانبها، استنكرت نقابة المحامين الأحرارـ فرع حلب هذا العمل، وقالت في بيان إن “نشر صور الاعتداء على مواقع التواصل الاجتماعي يعتبر هدمًا لمؤسسات الثورة، وكسرًا لهيبة القضاء، التي لا يجوز المساس بها تحت أي ذريعة كانت”.

إلى جانب ذلك، يتجلى الضغط على المؤسسات الحكومية من قبل بعض العشائر لصالح أبنائها وخصوصاً في قضايا الجنايات، فكثيراً ما يحدث اقتتال ويذهب قتلى، ولكن الجديد واللافت للنظر هو تصوير هذه المظاهر العسكرية من أجل إبراز القوة، وخصوصاً عندما تفقد شخصاً منها مما أثر سلباً على عمل المؤسسات الحكومية وأخذ دورها بشكل كامل تحت الضغوطات العشائرية، وذلك بحسب مدير وحدة التحليل السياسي بمركز حرمون للدراسات سمير العبد الله.

أما المظهر الثاني للعشائرية ودورها في إضعاف المؤسسات الحكومية فيتمثل ـبحسب العبد الله ـ باستحواذ عشيرة معينة في بعض المدن والمجالس المحلية على سلطة المجلس وتحييد الباقين، وعليه تأخذ هذه العشيرة حصتها من المناصب والتعيينات بحسب حجمها وقوتها بعيداً عن الكفاءة والاختصاص.

من ناحيته، يرى الشيخ حماد الأسعد أن غياب مفهوم الدولة وعدم وجود سلطة قضائية قوية ومستقلة يدفع بالضرورة إلى شيوع مفهوم "أخذ الحق باليد"، والذي يشكل المجتمع العشائري أكبر حاضن لهذا المفهوم.

تقديم الولاء العشائري على الوطني

يبدو الانتماء العشائري حالة طبيعية، وخاصة في المناطق التي تشكل المكونات العشائرية أساس البنية الاجتماعية فيها، إلا أن خطورة الأمر تكمن في تقديم الولاء العشائري على الانتماء الوطني، وهنا يأتي دور المؤسسات الحكومية في ترسيخ مبدأ المساواة الاجتماعية لجميع المواطنين أمام القانون.

الباحث بمركز حرمون سمير العبد الله يؤكد أنه في ظل غياب الحوكمة الرشيدة في مناطق الشمال السوري، يصبح الانتماء للعشيرة بمثابة مظلة تحمي الشخص في حال حدوث أي مشكلة معه، ويوضح العبد الله أنه إذا إظل بروز العشائرية والانتماء القبلي فإن مؤشر الانتماء الوطني في هبوط على حساب الانتماء العشائري، لأن فكر الدولة وفكر العشيرة لا يجتمعان، إذ إن فكر بناء الدولة يقوم على تقبل واستيعاب كل العشائر والمكونات في المجتمع.

ويشير العبد الله إلى أن هناك بعض الجهات المستفيدة من سيطرة هذا الفكر، لأنه يساعد البعض على تحقيق مصالح شخصية بعيدة عن المصالح الوطنية العامة، لذلك ينبغي تدارك الأمر بأسرع وقت من خلال إعادة هيكلة المؤسسات وإدارة تلك المناطق. 

مأسسة الحالة العشائرية 

عملت مختلف الأطراف المسيطرة على الشمال السوري لمأسسة الحالة العشائرية، وذلك في إطار سعيها للحصول على تأييد شعبي تجسده هذه العشائر. من ذلك تأسيس "المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية" في مدينة اعزاز عام 2019 والذي ضم أكثر من 150 قبيلة وعشيرة من مختلف المكونات العربية والتركمانية والكردية والسريانية، إذ أكد المجلس في بيان تأسيسه أن من جملة أهدافه تحقيق أعلى درجات السلم الأهلي، إضافة إلى ترسيخ قواعد المواطنة والإسهام في إعادة تأهيل مؤسسات الدولة السورية على أسس وطنية بما يخدم مصلحة المواطن السوري ويدعم استقرار المنطقة.

من جانبها، شكلت هيئة "تحرير الشام" في أواخر عام 2018 “مجلس القبائل والعشائر العربية” في إدلب، ومنحته تمثيلاً بثمانية أعضاء في مجلس الشورى العام لـ"تحرير الشام" يتم تعيينهم من قبل مسؤول ملف العشائر في الهيئة، ومن ثم شكلت لجان صلح تتبع لهذا المجلس، مهمتها الإصلاح بين الناس، وفي آذار/ مارس 2020 شكلت مجلس الصلح العام، وهو كيان ينافس مجلس العشائر والقبائل العربية في حل المشكلات وإصلاح ذات البين.

في النهاية، لا بد من التأكيد على أن المكون العشائري هو مكون أصيل وأساسي بالمجتمع السوري، ولا يمكن لأي سلطة تجاوزه؛ وعليه لابد من وجود تعاون حقيقي بين المؤسسات الحكومية ومجالس القبائل والعشائر في المناطق المحررة من أجل الوصول إلى حل جميع الخلافات التي تجري في الشمال، بما يسهم في ترسيخ استقرار المنطقة بشكل أكبر وتعزيز السلم الأهلي فيها.