ماذا يريد حلف "المقاومة"؟

2022.02.19 | 05:28 دمشق

pal_10.jpg
+A
حجم الخط
-A

هم يعرفون جيداً، بل إنهم متأكدون من أنهم لن يقدروا على تحرير فلسطين، فلسطيننا جميعاً، بل ربما هم يعلمون علم اليقين أنه وعلى فرض أن تلك العنتريات الكلامية التي يتشدقون بها ليل نهار عبر إعلامهم لا تحدد بالضبط آليات العمل السياسي والاجتماعي والديموغرافي للشرق الأوسط في حال تحررت فلسطين الحبيبة، فماذا هم فاعلون بملايين اليهود من المستوطنين المقيمين في فلسطين، عشرات المدن والمستوطنات، هل ستحصل أعمال انتقام، هل سيباد اليهود مجدداً، هل سيسكت العالم عما يجري؟!!! ما علاقة التغيير الديمغرافي الذي يسعى إليه ذلك الحلف مع هدف تحرير فلسطين.

أسئلة كثيرة تخطر في بال العصف الذهني السريع لجدال سريع في ندوة حضرتها مؤخراً، تؤكد أنه لو تحققت شعارات "حلف المقاومة" كما يطرحها زبانيته عبر إعلامهم المؤدلج الموجه، فإن لفعل مثل هذا أن يهز العالم، بل يهز التاريخ، وسيصنع واقعاً ونظاماً عالمياً جديداً، الأمر لا يشبه أبداً تحرير قرية من قرى حمص من أهلها، كما يردد إعلامهم، ولا يشبه مطلقاً تحرير الموصل من تنظيم الإرهاب الذي احتلها.. يبدو الأمر أعقد قليلاً في حده الأدنى.. فالآخر الذي صنفناه عدواً في كتلة مبهمة صماء واحدة منذ حرب الإنقاذ الخاسرة في 1948، لا يرانا سوى كتلاً من المشكلات المتنقلة التي تهدد وتهدد وتهدد فقط.. دون تحقيق لأي هدف مما ندعي.. وسط فشل عام وإحباط كامل غير ذي صدفة، يصيب الأمة ذاتها التي من المفترض أنها ترفع من مستوى جاهزيتها وتحشد كل إمكاناتها من أجل الهدف الذي قضى من أجله عشرات آلاف البشر عبر القرن المنصرم.. لكن كل هذا ما حدث ولم يحصل..

ذلك الحلف، قد عقد عهداً مع العدو بألا يسمح لثري أو صاحب كرامة، أو عزيز أو صاحب رأي بأن يعيش بين ظهرانيه

فجل ما فعله ويفعله ما يسمى بحلف المقاومة من ترتيبات لحرب التحرير ليست إلا أفعالاً تصب في مجملها في رصيد العدو المحتل للأرض السورية واللبنانية والفلسطينية، كل هذا القمع والإرهاب والتشريد والقتل والإذلال الذي تتعرض له الحاضنة البشرية للشعوب التي تعيش تحت سلطة "حلف المقاومة" من بلاد فارس حتى بيروت تردد ذات الشعارات المنددة بالقمع والقهر والجوع والذل، الاجتماعي.. وإن صار وخرجت أصوات تندد بذلك الجوع، هبت بنادق المقاومين ضدهم تتهمهم بالخيانة والعمالة والجاسوسية، للعدو.. فهو أي ذلك الحلف، قد عقد عهداً مع العدو بألا يسمح لثري أو صاحب كرامة، أو عزيز أو صاحب رأي بأن يعيش بين ظهرانيه، لا يمكن مطلقاً السماح لرأي آخر في مناطق نفوذ حلف المقاومة..

وكيف يمكن لشعوب من المتعبين والمقهورين والمذلولين أن يحرروا أرضهم، يقول الجنرال مونتغمري "الجيوش تزحف على بطنها".. ويقصد فيما يقول بأن الجيش الحقيقي هو ذلك الجيش الشبع، القوي، الصحي، ولا يكون الجيش فتياً وقوياً بأفراده فقط، بل بأسر أفراده، وعائلاته، الراحة الجسدية متلازمة مع الراحة النفسية، فلا يمكن للجندي أن يكون شبعاناً وإخوته في الدار جياع، دون تدفئة أو عمل أو قوت يوم..

لا يكون الحال كذلك إلا مع الميليشيات، المرتزقة التي لا أهل لأفرادها، تلك التي تعمل وحيدة منفردة دون قضية أو هدف، وبالتالي دون قيم أو أخلاق، وإن كانت قيمها لا تتسق مع قيم حاضنتها الشعبية فلا معنى لتلك القيم.

فما الذي يريده هذا الحلف إذاً؟.. هو يدرك حقاً، أن شعاراته أعلى بكثير من قدرته على أن يحققها، فما الذي يريده؟

ما يريده حقاً، هو أن يستخدم تلك القضية المحقة، في إخضاع البلدان التي يسيطر عليها فقط، وكيف تخضع تلك الشعوب إن لم تمتلك قيماً وشعارات غير واقعية، لا سيما أن الواقع يأكل ويعصف بتلك الشعوب من انعدام للأمل والعمل..

حزب الله مثلاً، حرر أرضه المحتلة من الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه يريد الإمساك بمفاصل البلاد والإمساك بكلمتها، في أثناء تلك المفاوضات الأخيرة التي يقترب موعد انعقادها، حينما سيكون هنالك عدد محدود للكراسي حول طاولة الاتفاق النهائي، وفي تلك اللحظة يجب أن يكون حزب الله ممثلاً عن لبنان، والنظام السوري ممثلاً عن سوريا والأحزاب الدينية ممثلة عن العراق، ونظام الملالي ممثلاً عن إيران..

حينذاك سيجلس الجميع للتفاوض مع الآخر، "العدو"، بعد أن جيشت كل إمكانات الشعوب الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والحقوقية وبعد أن تحملت هذه الشعوب عقوداً من قمع الحريات من أجل تحقيق حلم التحرر، ستأتي تلك اللحظة، التي لا ريب في قدومها، فليس هنالك أحد يقاتل إلى الأبد، وليس لأحد أن "يقاوم" إلى الأبد، على الأقل هكذا يقول التاريخ والعلوم، وحتى الدين كذلك قالها.. حينما عقد النبي المصطفى حلف الحديبية.. مع خصومه.

كل تلك العقوبات الهائلة التي ينزلها زعيم هذا العالم الأميركي على "حلف المقاومة": ليس لها أي سبب سوى كبح تمرد هذا الحلف وجلبه إلى الطاولة وليس إلى ساح الوغى.. والحلف يعلم أن عدوه لا يرغب في قتاله، ليس خوفاً منه وإنما تجنباً لأسطرة ذلك الحلف.

الحلف بمجمل أطرافه يسير خلف تلك المعادلة، "من يمسك مفاتيح الحرب هو من يمسك مفاتيح السلام الذي تريدونه" وإن أردتم السلام فيجب أن تحاوروننا نحن وليس غيرنا

حينما خرجت الإشاعات في لبنان عن بدء التفاوض مع المحتل الإسرائيلي حول حقول الغاز وترسيم الحدود البحرية، لم يخرج رئيس الحكومة بعدها أو رئيس الجمهورية لإعلان النبأ للشعب اللبناني، بل خرج رئيس مجلس النواب اللبناني ليزف الخبر للشعب، في سابقة وخرق دستوري كبير، وتعدي لصلاحيات تنفيذية، من قبل مشرع فقط، ولكن للكلام دلالته التي يتقنها حلف المقاومة جيداً ورسالته التي تبعث إلى العدو ذاته بأن حلف المقاومة هو حصراً من يمسك بمفاتيح السلام، كما يسمك في الوقت ذاته مفاتيح الحرب.

وهنا بيت القصيد، فالحلف بمجمل أطرافه يسير خلف تلك المعادلة، "من يمسك مفاتيح الحرب هو من يمسك مفاتيح السلام الذي تريدونه" وإن أردتم السلام فيجب أن تحاوروننا نحن وليس غيرنا..

نظام الأسد كذلك أرسل إشارات عديدة في غير ذات مرة، عن السلام وضرورته، وتوقيته وشروط توقيعه، ويتحدث المراقبون عن وساطة تقودها دولة عربية حول انضمام سوريا إلى الاتفاقية الإبراهيمية.. لكن تلك ربما ستمهد لدخول "حلف المقاومة" بكامله في الاتفاق الإبراهيمي، ضمن شروط إعادة ترتيب الشرق الأوسط الجديد، نقطة الخلاف هي النفوذ في الشرق الأوسط، ومدى الصلاحيات، وليست غير هذا.. ولعل الأيام حبلى بالمفاجآت، ريثما تنجلي عاصفة الحرب الروسية الأوكرانية المنتظرة.