ماذا وراء عزل علي مملوك وحديث الأسد عن إصلاحات أمنية؟

2024.01.26 | 17:34 دمشق

آخر تحديث: 26.01.2024 | 17:34 دمشق

ماذا وراء عزل علي مملوك وحديث الأسد عن إصلاحات أمنية؟
+A
حجم الخط
-A

نشرت رئاسة الجمهورية التابعة لنظام الأسد على معرفاتها الرسمية خبرا يقول في عنوانه: "الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً لقادة الأجهزة الأمنية في الجيش والقوات المسلحة".

ليس أمرا اعتياديا أن يطلب بشار الأسد اجتماعا على عجالة مع رئيس الأمن الوطني ورؤساء أجهزته الأمنية، وينشر إعلامه هذا الحدث، إذ لطالما كانت تجري هذه الاجتماعات بأجواء تتسم بسرية تامة، بعيدا عن الأضواء أو النشر على وسائل الإعلام، فما الذي تغير ولماذا الآن؟

  • عزل مملوك وخطة الإصلاح

التغييرات الأخيرة التي طرأت على أعلى المستويات الأمنية، وكان أهمها عزل اللواء علي مملوك وإبعاده عن رئاسة الأمن الوطني وتعيينه مستشارا أمنيا، أي لموظف يجلب فقط عند الطلب، فتحَت التساؤل عن نهاية عهد الرجل رغم كل ما يملكه من ملفات وأسرار يتجاوز عمرها الأربعين عاماً، فهو أحد قادة المخابرات الجوية والأب الروحي لجهاز أمن الدولة لسنوات طويلة ورئيس لهيكلة جميع الأجهزة الأمنية لـمدة 12 عاما، فاستغناء بشار الأسد عنه في هذا التوقيت بالذات يعيدنا وربما يطلب منا الوقوف عند حديثه الذي كرره في الآونة الأخيرة عن وضعه خطة إصلاح لجهاز الأمن في البلاد بما يتماشى مع التغييرات التي طرأت في السنوات الأخيرة، وفي هذا اعتراف ضمني منه بأنه لا يمكن لأجهزة المخابرات أن تستمر في عملها على هذا الشكل، لاسيما أنها دخلت في صدام وعداوة مباشرة مع معظم السوريين، ومسؤولة عن سفك دمائهم وإخفاء أبنائهم قسرا ونشر الفوضى والترهيب والابتزاز المادي في عموم البلاد

  • خطوة نحو التحديث السلطوي

ثمة من يرى أن خطة الأسد تأتي في إطار التحديث السلطوي الذي يسعى من خلاله لمخاطبة الولايات المتحدة وأوروبا أو ربما العرب الرافضين للتقارب أو التفاوض معه، وعليه فإنه يقدم هذه التغييرات كرسائل للعالم، على أنه بدأ يمضي في طريق الإصلاح المطلوب منه سابقا، وكان أحد مساراته تقييد السلطة الأمنية ولجم ممارساتها بحق المدنيين، ومن جهة أخرى، تأتي هذه الخطوات في سياق إعادة هيكلة الجيش والأمن التي طلبتها روسيا من الأسد وما تزال تصر على تنفيذها، وهو ما يؤكده الحديث أخيراً عن دمج بعض فروع المخابرات بوحدات الجيش العسكرية، وهنا الحديث عن الفرع 235 المعروف بفرع فلسطين والفرع 291 المعروف بفرع الأفراد، وفرع 293 المعروف بفرع أمن الضباط، وغيرهم من الفروع الأمنية التي تحمل سجلاً دموياً لا يمحى من ذاكرة السوريين.

  • تغييرات جوهرية بنكهة طائفية

منذ انقلاب حافظ الأسد على السلطة وتسلمه حكم البلاد، رسم الأسد الأب تقسيمات أمنية ما تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا، حيث لم يحدث أن تسلم ضابط من غير طائفة الأسد رئاسة شعبة المخابرات (الأمن العسكري) أو إدارة المخابرات الجوية، على اعتبار أن هذين الجهازين الأكثر قوة ونفوذا وتحكما في جميع مؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية، بينما أعطيت الموافقة على أن يترأس شعبة الأمن السياسي وأمن الدولة والشرطة العسكرية ضباط من طوائف أخرى، لكن بشرط وجود معاون يكون رقيباً عليهم من طائفة الأسد.

مع التغييرات الأخيرة التي أجراها بشار الأسد حافظ على تقسيمة أبيه، إذ عين اللواء كفاح ملحم بدلا من علي مملوك واللواء كمال الحسن رئيسا لشعبة المخابرات، وهما من طائفة الأسد، ولهما تاريخ وحشي مليء بالانتهاكات والتجاوزات، ما يعني أن شيئا لم يتغير في التقسمية الطائفية لقيادة الأجهزة الأمنية.

  • جرائم وانتهاكات لا تمحوها التغييرات البنيوية

منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة السورية.. بدأت سجلات أجهزة المخابرات تمتلئ بالأسماء والمعلومات ومصدرها الواشون (المخبرون) و عناصر الأمن المنتشرون في عموم البلاد، وبدأت المداهمات والاعتقالات في المناطق المشتعلة من جهة، والبدء بتسليح أبناء مناطق يقطنها أبناء طائفة الأسد من جهة أخرى، وازداد نشاط الفروع الأمنية ونفوذها وتحركاتها، وعليه فقد أعطت وزارة الدفاع الأوامر برفد هذه الفروع بالعناصر والضباط، حيث نقل الآلاف من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والفرقة الرابعة وتشكيلات الدفاع الجوي إلى فروع المخابرات العسكرية والجوية وأمن الدولة المنتشرة في المحافظات السورية، لاسيما في درعا وحمص واللاذقية ببداية الأمر، وأعاد النظام عشرات الضباط المتقاعدين إلى الخدمة وعينهم في أجهزة الأمن، وأعطي رؤساء الفروع الصلاحية الكاملة بالتعامل مع التطورات الجارية حينذاك، لتبدأ حكاية سفك الدم السوري بشكل غير مسبوق، مع تمسك السوريين بمطالبهم وحقهم بالحياة الحرة الكريمة بعد عقود من الكبت والقمع والاستبداد، فامتلأت فروع وسجون المخابرات بعشرات آلاف المعتقلين، الذين يعيشون مصيرا مجهولاً، ويتقاسمون مع أهاليهم الذين يترقبون عودتهم. مأساة لم يشهد التاريخ لها مثيلا.