ماذا تبقى لدى "الأسد" ليقدمه لـ "إسرائيل" كي يبقى رئيساً؟

2020.11.27 | 23:01 دمشق

thumb_12.jpg
+A
حجم الخط
-A

بغض النظر عن مدى دقة الأخبار المسربة على لسان رئيس المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، حول لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين سوريين هما (حكمت الشهابي ووليد المعلم)، وبغض النظر عن الكذب الطويل والممنهج الذي يمارسه نظام الأسد منذ عقود حول هذا الأمر، فإن ما نحتاجه لنستدل به على حقيقة علاقته واجتماعاته بمسؤولين إسرائيليين لا يـحتاج لجهد كبير، ولا تحتاج لتوثيق، ولا لحل معادلات، إذ يكفي أن نقرأ نتائج خمسين عاماً من حكم عائلة الأسد على الصراع العربي الإسرائيلي لنعرف حقيقة هذه العلاقة، ولنعرف كيف تصرف، وسيتصرف نظام شمولي تحول إلى عصابة ليس حيال إسرائيل فقط، بل حيال كل القضايا الوطنية.

في تاريخ البشرية الحديث، وفي تجارب كثيرة لدول معاصرة، كان من الواضح أن الأيديولوجية هي الركيزة الأهم في ركائز الأنظمة الشمولية، ومن وحيها تتم صياغة آليات عمل هذه الأنظمة، وتُحدد ماهيتها، وتُرسم صور قادتها، ومصدر القداسة الذي يسبغ عليهم كي يصبحوا كائنات فوق بشرية، لا يمكن محاسبتها، أو انتقادها، أو المس بها.

هذه الأنظمة مهما امتد الزمن بها فإنها محكومة بالانهيار، لأن الأيديولوجية عقيمة بطبيعتها، وغير قادرة على توسيع آفاق مجتمعاتها، ولأن أي توسع تقوم به يحتاج أولاً إلى تحطيمها، وبتحطيمها سينهار كامل بنيانها، لذلك تبقى هذه الأنظمة أسيرة عجزها عن مواكبة حاجة مجتمعاتها، وتعيش عمرها داخل ترسيمة مغلقة، لا يُمكنها الخروج منها.

لكي تستمر هذه الأنظمة في الحياة فإن أمامها خيارا وحيدا، وهو قسر مجتمعاتها وإخضاعها أولاً، وإرضاء الأطراف الخارجية التي تتعارض مع الأيديولوجية التي تتبناها ثانياً أو تلك التي تتعارض مصالحها مع مصالح هذه الأنظمة، ولكي تخضع الأنظمة الشمولية مجتمعاتها لابدّ لها من نسف مفهوم الشرعية، ومن وأد الحياة السياسية، ومن إنهاء المجتمع المدني والنقابات، وكل التعبيرات التي تقوي المجتمع، ولا بد لها أيضا من إحياء العصبيات التقليدية داخل مجتمعاتها، فالعصبيات التي تنسف معنى الدولة الحديث هي مصدر قوة لهذه الأنظمة، وسور حماية إضافي يضاف إلى قوة أجهزتها الأمنية والقمعية.

في الدول العربية عموماً، وفي سوريا على نحو أكثر تحديداً، تم إغلاق مسار الديمقراطية، وتم الانتقال إلى صيغة شكلية للديمقراطية، صيغة لها هدف وحيد هو إحكام السيطرة على المجتمع، وإلحاق كل مراكز قوته بأجهزة الدولة لضبطه، وإخضاعه، ومن أجل هذا لابدّ من تغييب الفرد المستقل، أو المواطن الحر، وإنهاء الحريات العامة بكل أشكالها.

من أجل توريث السلطة، وبعد أن أحكم حافظ الأسد سيطرته على الدولة والمجتمع، كان عليه أن يضمن قبولاً لهذا التوريث من أطراف خارجية عدة،

هذا ما فعله حافظ الأسد في سوريا، وما سعى إليه منذ أيامه الأولى بعد وصوله للحكم بانقلابه العسكري، إذ اشتغل بدأب وإصرار على تحطيم قوى المجتمع ومؤسساته وقواه السياسية، واستبدل منظماته المدنية ونقاباته بمنظمات ونقابات ممسوخة وتابعة، وجعل من الرأي العام مجرد ألعوبة يسيرها كيفما يشاء، فسميت الهزيمة نصراً، والخيانة شرفاً، والفساد قانوناً.

ومن أجل توريث السلطة، وبعد أن أحكم حافظ الأسد سيطرته على الدولة والمجتمع، كان عليه أن يضمن قبولاً لهذا التوريث من أطراف خارجية عدة، لا سيما أنه يعرف جيداً حقيقة الدولة المسخ التي صنعها، ومدى هشاشتها، وضعفها، ولم يكن لهذا التوريث أن يمضي بهذه السلاسة لولا أنه لقي قبولاً وموافقة من هذه الأطراف الخارجية، وتم تسويق قضية التوريث عبر بوابتين هما فرنسا التي كان يرأسها "جاك شيراك"، والذي قام بما يشبه التبني السياسي لبشار الأسد، ويقول شيراك في مذكراته إن حافظ الأسد أوكله بذلك وطلب إليه مساعدة الرئيس المقبل لسوريا، فاستقبل بشار الأسد استقبال الرؤساء قبل عام من وصوله إلى سدة الرئاسة السورية، وكان الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر مراسم جنازة حافظ الأسد، أما البوابة الثانية فكانت مصر "حسني مبارك"، والتي كانت أول دولة يزورها بشار الأسد بعد أقل من ثلاثة أشهر على تسلمه الرسمي لرئاسة سوريا، وبالتأكيد فإن مصر وفرنسا لم تكن لتدعما توريث السلطة في دمشق، لولا مشاورات تمت مع أميركا وإسرائيل، وأطراف أخرى كالسعودية وغيرها.

يتحدث حسني مبارك في لقاء صحفي له، عن رعايته لمحادثات سرية بين سوريا وإسرائيل تمت في التسعينيات، ويتحدث الأتراك أيضاً عن رعايتهم لمفاوضات بين الطرفين، ولايزال نظام الأسد يواصل إنكاره السخيف، ويواصل رفع شعاراته بالصمود والمقاومة.

اليوم بعد كل ما ذكرناه، وبعد عشر سنوات من انفجار الثورة السورية، وبعد انهيار الدولة السورية واجتياحها من جيوش عدة، وبعد أن انكشف دور إسرائيل في منع أميركا "أوباما" من إسقاط بشار الأسد، هل يصبح الحديث عن لقاءات سرية بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين له أي معنى؟

لم يعد حكام دمشق الآن خائفين من انفضاح أكبر كذبة عاش السوريون عليها طوال خمسين عاماً، ولم يعد إخراج قصص لقاءاتهم، وتآمرهم على شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب السوري إلى العلن لتقض مضاجعهم، فهم في عريهم الكامل، ومن يقف ضدهم من الشعب السوري في عجزه الكامل، إنها المعادلة التي نعيشها اليوم بكل وضوحها وقسوتها وصفاقتها.

لكن السؤال الأهم الذي ستجيبنا عليه الأيام القادمة هو: ماذا تبقى من سوريا كي يقدمه بشار الأسد لإسرائيل وغيرها، من أجل أن يبقى في موقع زعيم العصابة التي تختطف سوريا؟