مآلات العمليات البرية الإسرائيلية في غزة وآفاقها..

2023.11.07 | 17:57 دمشق

مآلات العمليات البرية الإسرائيلية في غزة وآفاقها..
+A
حجم الخط
-A

مر شهر كامل ودامٍ على عملية طوفان الأقصى البطولية والتي حقيقة هزت أركان الكيان الصهيوني بقياداته السياسية والعسكرية والمجتمعية، بل وأظهرت على الملأ هشاشة تدابيره الاحترازية والأمنية، وعرت وكشفت حقيقة جيشه الذي وصفته لعقود بأنه الجيش الذي لا يقهر.. مر شهر على العمليات الإجرامية الانتقامية والمجازر الدموية وعمليات التطهير العرقي، وسياسة الأرض المحروقة والحصار والتجويع التي يتبعها جيش الكيان ضد قطاع غزة وسكانه مستخدما وبكل ما أوتي من إجرام وجبروت كل وسائل ووسائط وأدوات التدمير والقتل البرية والبحرية والجوية الحديثة التي زودته بها واشنطن ودول أوروبية متعددة، ليحيل قطاع غزة بأحيائه ومشافيه وأسواقه وجوامعه وكنائسه إلى جحيم على الأرض.

عمليا فقد قامت قوات الاحتلال خلال الأسابيع القليلة الماضية بعملية تدمير جوية وصاروخية ومدفعية انتقامية بشعة، والتي نجم عنها تدمير وإزالة مناطق ومربعات سكنية كاملة عن الوجود بكل ما تحتويه من بنىً تحتية ومقومات أساسية للحياة. ناهيك عن قتل أكثر من عشرة آلاف شخص وفقدان الآلاف وجرح أكثر من 22 ألفا غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال والعجزة. وتهجير مئات الآلاف من مناطقهم وبيوتهم التي دمرت في غالبها فوق رؤوسهم وأجبرتهم على تركها واللجوء القسري إلى الجنوب والمستشفيات والجوامع والكنائس ومدارس الأونوروا والتي وكما تابعنا أيضا أنها لم تسلم وبطريقة ممنهجة وبشعة من إجرام وهمجية وعدوانية الجيش الإسرائيلي المجرم، ولا شك أن كل هذا يحصل جهارا نهارا أمام مرأى وسمع قادات العالم المتحضر، وجمعياته الحقوقية والإنسانية، ومجلس أمنه وقوانينه الوضعية التي وكما أشارت وتشير كل الدلائل والمعطيات أنها فصلت أساسا منذ وضعها على مقاس من يملكون السلطة والقوة وبعيدة كل البعد من أن تنصف الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث الذين وللأسف جعلتهم قيادتهم المتربعة على كراسي حكمها وعروشها لا بواكي لهم ولا قيمة لقضاياهم وتطلعاتهم وأرواحهم وكراماتهم.

في الواقع فإن حكومة الحرب والقيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية منذ بدايات حملتها الهمجية وضعت أهدافا صعبة وذات سقف مرتفع لحربها على قطاع غزة وحصرتها في ثلاثة أمور:

  • القضاء على حماس وإنهاء حكمها ووجودها وسحق بنيتها التحتية العسكرية والقضاء التام على قياداتها السياسية والميدانية. وهذا ما صرح به كثير من قادة إسرائيل وأدلى به السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، في تصريح له "لقد انقضى عصر المنطق في التعامل مع هؤلاء المتوحشين. حان الوقت لتدمير البنية التحتية الإرهابية لحماس، ومحوها تماما" من الوجود.
  • تأمين حدود الكيان مع القطاع وإقامة منطقة أمنية عازلة بعمق معين مع غلاف غزة لتأمين المستوطنات والكانتونات الزراعية الإسرائيلية.
  • تحرير الأسرى الصهاينة من مدنيين وعسكريين والمحتجزين لدى حماس والجهاد الإسلامي من دون أي شروط أو ثمن.

ميدانيا ومن خلال النظر إلى هذه الأهداف فإن الوقائع والتحليلات تقول إن السعي إلى تحقيقها مجتمعة سيكون صعبا جدا إن لم نقل مستحيلا من خلال التدمير والأرض المحروقة والقيام بعمليات القصف الجوي والبحري والمدفعي فقط، أو حتى من خلال القيام بالعمليات الخاطفة والتوغلات البرية المحدودة من هذه الجبهة أو تلك، أو حتى في فصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه من خلال الوصول إلى شارعي صلاح الدين والرشيد وحصار مدينة غزة وعزلها كما هو حاصل الآن، بل تحتاج هذه الأهداف الصعبة إلى قوات وجهود ميدانية كبيرة، ووقت طويل قد يمتد لأشهر واجتياح كامل للقطاع وتقطيع أوصاله ومحافظاته والبدء بعزلها وتمشيطها بالتتابع، وهذا الاجتياح الواسع إن تم فالواقع الميداني يقول بأن العمليات اللاحقة التي سيقوم بها الجيش الإسرائيلي لن تكون سهلة أو مجرد نزهة، بل هي الخوض أكثر في مستنقع غزة والانتقال إلى تكتيكات حرب الشوارع والمدن ومن المسافة الصفرية، وقتال عنيف من فوق وتحت الأرض، ومن مبنى لآخر وأعمال كمائن وإغارات وتلغيم وتفخيخ وهذا ما يجيده مقاتلو حماس وتدربوا عليه كثيرا، ناهيك عن شبكة ومتاهة الأنفاق التي يبلغ طولها 480 كم وتربط كل مدن القطاع ببعضها والتي يعتبرها الجيش الإسرائيلي أحد أهم الصعوبات والعوائق الميدانية، والهدف الأشد خطورة عليه والذي سيستنزف قواته ويحدث بها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.

من ناحية ثانية فلا أتصور أيضا من خلال تقدير الموقف القتالي أن تكون كتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى التي وجدت نفسها في أقوى وأخطر العمليات العسكرية رغم الروح المعنوية العالية والإصرار الكبير على إرادة القتال، وتقديم التضحيات قادرة إلى ما لانهاية على الصمود في ظل الصعوبات التي يعيشها سكان القطاع وهذا الحصار الجائر وتضييقه وقلة وانعدام الإمدادات والاستنزاف والاستهلاك اليومي لقدراتها الصاروخية والذخيرة بوجود كل هذه المحاور التي يهاجم من خلالها جيش العدو، ناهيك عن الكتلة النارية الهائلة التي تنصب على قطاع غزة والفارق الواسع جدا في نسبة القوى والوسائط بين الطرفين، والذي يأتي دائما لصالح جيش الكيان، ولكن إسرائيل تعي وتدرك جيدا أنها باتت في خضم عملية صعبة وطويلة ومكلفة، وأن استمرار صمود المقاومة، وقدرتها على مفاجأة القوات المهاجمة في جميع الجبهات وكل الأوقات وتكبيدها أثمانا كبيرة باهظة، وتعزيزها لقدراتها ولدفاعاتها العسكرية، من شأنه أن يؤدي حتما إلى تناقص عمر العملية العسكرية البرية، حيث يصعب على إسرائيل ولعدة أسباب الاستمرار بحرب استنزافية مفتوحة عرفت بدايتها ولكن لا تعرف نهايتها، تستنزف اقتصادها وتوقع أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف قواتها لن تكون الجبهة الداخلية الإسرائيلية قادرة على استيعابها.

ختاما.. لاشك أن حركة حماس وكتائب القسام تؤكد دائما أنها وبإمكانياتها المتاحة المحدودة جدا والظروف الميدانية، لا يمكن أن تمنع التوغل الإسرائيلي الذي تدعمه واشنطن وكثير من الدول الأوروبية المنافقة التي انحازت وبكل قذارة وظلم إلى جانب تل أبيب وحكومة نتنياهو، لكن المقاومة ستجعل ثمن تحقيق أي نصر إسرائيلي مزعوم في حده الأدنى باهظا للغاية.