لماذا يقف بعض السياسيين والأحزاب الهولندية مع إسرائيل ونظام الأسد؟

2023.11.11 | 06:34 دمشق

لماذا يقف بعض السياسيين والأحزاب الهولندية مع إسرائيل ونظام الأسد؟
+A
حجم الخط
-A

ثمة مقولة شائعة تقول "حكمُك على الشيء فرعٌ عن تصوره"، قد تصح هذه المقولة مفتاحاً لقراءة مواقف عدد من الأحزاب الهولندية والشخصيات السياسية المؤثرة تجاه كل من إسرائيل والنظام السوري!

تهرب تلك المقولة من الحديث عن العوامل المؤثرة في هذا التصور، وموقفك المسبق وإيديولوجيتك ومكوناتك وثقافتك حتى وصلت إلى هذا التصور أو ذاك، وبالتالي فإن هذا الجزء من التصور الذي يؤدي إلى "حكمك على الشيء" ليس بريئاً أو خالياً من العوامل الخارجية، بل قد يتماشى مع أهواء معينة أو مزاج سائد.

وهذه العوامل المؤثرة الخارجية في الحكم على الشيء قد يكون خير مثال لها مواقف عدد من الشخصيات الهولندية من إسرائيل مثلاً وحربها على غزة من مثل "بوديه واومتزيغت وسواهما"، حيث إن الصورة النمطية للشخصية العربية والمسلمة وفي هذا السياق الفلسطينية الراسخة في أذهانهما هي صورة منفرة، تم ربطها إبان زراعة التصور عن النمط العربي والمسلم بعدم الرغبة بالحياة والدعوة للقتل أو مقاومة جماليات الحياة، (جانب كبير من الصورة سببه نحن كذلك بأفعالنا أو بكيفية تقديمنا لقضايا للآخر، أو عدم مواكبتنا لآليات تسويق القضايا في السوق العالمي).

ولا يخطر ببال سياسي هولندي إبان الاستسلام لتلك الصورة النمطية أن يبحث عن العوامل أو الدوافع، بل يريح نفسه في هذا التصور الذي ينسجم مع همسات داخلية سمعها في بيته أو مدرسته أو ثقافته الاجتماعية حول تفوق "عرقه الأبيض" وميله للسلام والوئام، ودعوة دينه "الذي بات معطى ثقافياً فحسب" إلى الحياة والتسامح في حين أن دين ذلك الشخص المقاوم للإسرائيلي يدعو إلى القصاص والانتقام، وكأن دين ذلك المعتدي اليهودي الضحية عماده التسامح، ويتم استحضار نصوص دينية للتدليل على ذلك مما هو شائع في أدبيات الخطاب الديني السلفي خاصة!

فيما يخص الموقف من النظام السوري كذلك قد تصلح مقولة "ليس حباً بـ علي لكن نكاية بمعاوية" لقراءة مواقف عدد من السياسيين الهولنديين، الذين يعتقدون أن وجود النظام السوري أو مد العلاقات معه سيساعد على حل المشكلة الهولندية المتعلقة باللاجئين والتي تتمثل أكثر ما تتمثل بمشكلة السكن، وهذه حالة "اومتزيغت" الذي خصص موقع تلفزيون سوريا مادة عنه منذ يومين، وهو رجل لا يتمتع برؤية استراتجية سياسية بل يشتغل على جوانب التكنوقراط بخلفية فكرية عن مفهوم الدولة وضرورة إفراز عقد اجتماعي جديد بين الدولة الهولندية ومواطنيها في كتاب خصصه لذلك، وهو يعتقد، في إطار تصفير المشكلات الهولندية، أن جزءاً من الحلول يكمن في أن تلتفت هولندا إلى الداخل الهولندي وأن يخصص سياسيوها كثيرا من وقتهم لحل مشكلات مواطنيها، ومع أن كتابه "العقد الاجتماعي الجديد" الذي صدر قبل فترة قصيرة باللغة الهولندية، على غير عادة الكتب الهولندية الفكرية والسياسية التي غالباً ما تصدر باللغة الإنكليزية، وبنى حزبه برنامجه الانتخابي عليه، يحاول أن ينظر لشكل جديد من الدولة فيه مزيد من البحث عن الحلول والبحث في أسباب التآكل القانوني وفقدان الثقة بين الدولة ومواطنيها، لكنه إبان انشغاله بالمقترحات والحلول للدولة وعقدها الاجتماعي الجديد مع مواطنيها نسي السياقات العامة للدولة عالمياً، وأنها جزء من منظومة عالمية تؤثر وتتأثر فيها ولا يمكن فصلها عن تلك السياقات.

من هنا فإن رؤيته تجاه الملف السوري ليست مبنية على وعي سياسي عالمي، بل على مفاهيم خاصة به، يرى في مقدمتها أن الدولة الهولندية عليها أن تعتني أولاً بحل مشكلة مواطنيها وتترك لكل دولة حل مشكلاتها بنفسها، وما دام السوريون لم يستطيعوا إسقاط بشار الأسد فهذه مشكلتهم، ويستشهد على سوء بشار الأسد بهيئات المعارضة والفصائل المسلحة، وأن الفصائل وعدداً من هيئات المعارضة "أسوأ" من نظام بشار الأسد، ويعدد ألواناً من المساعدات الهولندية التي ذهبت إلى فصائل المعارضة ذات يوم وتمت سرقتها أو تجييرها لمصالح القادة!

حتى اللحظة؛ لا توجد مجموعة ضغط سورية في هولندا تتولى التواصل مع المؤثرين السياسيين في هولندا، أو الأحزاب، أو تستطيع الحديث عن كتلة انتخابية

يدرك كل من "بيتر اومتزيغت وشيري باوديه وخيرت فليلدرز" والثلاثة رؤساء أحزاب مثلاً أن بلدهم لديه معاناة كبيرة وأن طبقة الفقراء تتسع، وموجة الغلاء تسود أكثر فأكثر، وأن مشكلة تأمين السكن تتفاقم.. وكجزء من البحث عن حلول يعتقدون أن الابتعاد عن ملفات الآخرين هو أحد المداخل، مع إدراكهم أن ذلك صعب التحقيق، لكن لا بد من اللعب على أوجاع الناخب كجزء من اللعبة الانتخابية محلياً وعالمياً!

حتى اللحظة؛ لا توجد مجموعة ضغط سورية في هولندا تتولى التواصل مع المؤثرين السياسيين في هولندا، أو الأحزاب، أو تستطيع الحديث عن كتلة انتخابية ( مع أنه صار هنا كالآلاف ممن يحق لهم التصويت) ولا يوجد تمثيل للجالية مؤسساتي أو حزب أو أي طريقة من طرق اللوبي الجالياتي أسوة بالجاليات والبلدان الأخرى، مقارنة مع ما تقوم به الجالية الكردية أو اليزيديين أو التركية أو المغربية بحيث نجد أن القوائم الانتخابية للأحزاب الهولندية تخلو من السوريين وتعج بالمرشحين الصينيين والأفغان والكرد والمغاربة والترك، هناك جهود أفراد سوريين لكنها لا تكفي! يعود الأمر في جزء كبير منه إلى غياب الجماعة السورية وفقدان الأمل واليأس واستعجال النتائج والبعد عن العمل الجماعي، والأهم غياب العصبة السورية المحركة التي تدفع السوريين للاجتماع والعمل معاً والمطالبة وتخصيص جزء من وقتهم للعمل العام وتقاطع مصلحي بين العام والخاص والوجود!

الحالة الرئيسية التي لا تزال تتكئ عليها الجالية السورية في حضورها في هولندا هي كونهم ضحايا لنظام مجرم، لكن عداد الضحايا في العالم مستمر وقد غدا هناك قضايا وضحايا جدد كالحالة الأوكرانية واليمنية والليبية والصومالية والإريترية والسودانية تأخذ جزءاً من المشهد العالم، وهذا لا بد أن يقود الجاليات السورية عامة للانتقال من دور الضحية إلى دور الفاعل وصاحب البرنامج المؤثر الذي يستطيع أن يقدم نفسه بطريقة مختلفة ويعيد الضوء إلى قضيته وأنها على الرغم من قدمها وأحقية ضحاياها إلا أنها لم تحل وبقي المجرم على كرسي الحكم وأهداف الثورة بقيت معلقة!

الأمر مختلف كلياً مع إسرائيل ذلك أن عدداً من الأحزاب حدَّثتْ برامجها الانتخابية مواكبة للحدث الغزاوي ومناصرة لإسرائيل، والشعور العميق المتجذر في دم الشخصية الأوروبية حول كون اليهود ضحايا وإسرائيل أملهم الأخير في النجاة من الصعب أن يتزحزح أو يغيره حدث أو نقاش، لأنه عميق في الوجدان العام وراسخ، بحيث إنه من الصعب جداً أن تقنع أو تناقش أوروبياً في هذا المجال، والأحزاب لا تريد الخروج عن هذا المزاج العام لناخبيها، بل إنكَ تستغرب كيف أن تلك الشخصية الأوروبية الباردة والموضوعية في النقاش (إلى حد ما) تفتقد إلى الحس التحليلي، إبان الحديث عن الوجع الفلسطيني وسياقاته وظروفه التاريخية، وهي شخصية تولي التفاصيل اهتماماً كثيراً إلا أنها ها هنا تغفل التفاصيل كلياً والظروف المحيطة، وتتعامل مع إسرائيل كضحية وسط مجموعة من الكارهين العرب!!!

تُجمِع الأحزاب الهولندية الرئيسية على أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها؟ لكن ما حدود ذلك؟ وما مفهومه؟ ألا يمكن أن يكون الدفاع عن الذات إلا بقتل المدنيين والأطفال والنساء؟

إبان الحديث عن فلسطين وإسرائيل بين شخصية عربية وشخصية أوروبية تتأكد من وجود فكرة أن هناك اختلافات جذرية في العالم غير ممكنة الحل أو التوافق، فلكل منهما وجهة نظر مختلفة كلياً حول مفاهيم الدول وتأسيسها والحق التاريخي والمقاومة والعدالة، وتتساءل كيف استطاعت هذه الشخصية الأوروبية التخلي عن الجانب الديني في معظم تفاصيلها الحياتية على الرغم من رسوخه في اللاشعور، لكنها في الوقت نفسه تبتعد عن النقاش الموضوعي فيما يخص إسرائيل، هل الموضوع هو نوع من التطهر من الذنب على أكتاف الآخرين، أم أنه التفكير المصلحي، أم أنه اختلاف الشرق والغرب وأنهما لا يمكن أن يلتقيا في عدد من القضايا مهما حدث. أتحدث ها هنا عن الأفراد أما الأحزاب فلا تبتعد عن المزاج السائد العام وعن الذي يثير المشكلات، والذي يجيّش لها الناخبين!

تُجمِع الأحزاب الهولندية الرئيسية على أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها؟ لكن ما حدود ذلك؟ وما مفهومه؟ ألا يمكن أن يكون الدفاع عن الذات إلا بقتل المدنيين والأطفال والنساء؟ ألا توجد طرق أخرى للدفاع عن النفس كما يدعون؟ ألا تؤخذ السياقات الناظمة بعين النظر؟

بل إن أحزاباً هولندية فاعلة دعت إلى التأكد، ابتداء من الآن، من المساعدات التي تذهب للمنظمات الفلسطينية المؤثرة سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة وأنها تصرف في المكان الصحيح!

يكاد النقاش مع معظم الأوروبيين حول الحق الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وإقامة الدولة الفلسطينية، وأن إسرائيل أقامت تاريخها على التهجير وسحق الفلسطينيين أن يكون نقاشاً دون نتيجة، لأن هناك منطقيْن وطريقتيْن في رؤية العالم لا يمكن أن يتقاطعا أو يلتقيا!

لكن من المهم الإشارة إلى أن رؤية الأوروبي مدعمة باعتقاده "التفوقي" وأنه يمتلك زمام القوة وقيادة العالم، وإلا كيف استطاع أن يصدِّر قيمه ومنظومته لتقود العالم، في حين تقبع في ذهنكَ إبان النقاش معه الكثير من الخيبات الديكتاتورية والسياسية والاجتماعية والحروب الأهلية والعسكرية والظلم والقمع والخوف، مما يجعل النقاش مؤلماً على المستوى الوجودي والنفسي ومع ذلك تتابع تجرع وجعك في النقاش!!!

نعود إلى السؤال الأول: "حكمك على الشيء فرع عن تصوره" لكن، مهلاً، أيُّ تصور؟ وكيف بَنَيْتَه وما مؤسِّساته والمؤثرات فيه؟ وكم فيها من دقة ووضوح؟، وتغبيشات وبربوغندا قد تكون أنت ضحية لها أو جزءاً منها من حيث تدري أو لا تدري!