لماذا يخاطر العرب بإعادة تأهيل الأسد؟

2023.03.26 | 06:38 دمشق

لماذا يخاطر العرب بإعادة تأهيل الأسد؟
+A
حجم الخط
-A

كان أحدث تحوّل في السياسات العربية في سوريا ما أعلنته المملكة العربية السعودية عن اتفاق بين الرياض ودمشق على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد. كانت هناك بعض المؤشرات على تحول في العلاقات بدأت تظهر في الأشهر القليلة الأخيرة. بدأت السعودية بعد زلزال 6 فبراير، الذي خلق فرصة للدبلوماسية بين الدول العربية ودمشق، في تبني نهج مختلف إزاء النظام السوري. قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بعد أيام من الزلزال إن هناك حاجة عربية للحوار مع دمشق لمعالجة المسائل الإنسانية المرتبطة بالصراع السوري، لكنّه كان أكثر وضوحاً في وقت سابق هذا الشهر عندما قال إن التواصل مع حكومة الأسد قد يؤدي إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. ستستضيف السعودية في أبريل نيسان المقبل قمة عربية ومن المرجح على نطاق واسع أن تدفع بعض الدول العربية التي أعادت أو تنوي إعادة علاقات الدبلوماسية مع دمشق كالسعودية إلى إجراء تصويت في أثناء القمة على رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة. باستثناء قطر على ما يبدو، فإن الدول العربية الأخرى لم تعد تمانع بعودة سوريا إلى الجامعة. لكنّه من غير المرجح أن يواجه قرار إعادة سوريا أي مقاومة عربية.

من الواضح أن دبلوماسية الكوارث التي نشطت تجاه سوريا بعد الزلزال شكّلت غطاءً لدول عربية أخرى لإحداث تحول علني في موقفها تجاه دمشق

كان يُنظر في السابق إلى المعارضة السعودية للانفتاح على النظام السوري على أنها عقبة أساسية أمام توسيع نطاق الانفتاح العربي عليه أو إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. لكن تحول الموقف السعودي يُشير إلى حقبة جديدة في السياسات العربية في سوريا. لم يعد الأسد بأي حال منبوذاً في محيطه العربي. لقد استقبلته دولة الإمارات العربية المتحدة مرّتين بشكل مُعلن بعد الحرب. كما زار سلطنة عمان واستقبل وفوداً وزارية وبرلمانية عربية في دمشق من بوابة التضامن مع سوريا بعد الزلزال. حتى ما قبل الزلزال، كانت بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين والأردن أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق منذ عام 2018. ومن الواضح أن دبلوماسية الكوارث التي نشطت تجاه سوريا بعد الزلزال شكّلت غطاءً لدول عربية أخرى لإحداث تحول علني في موقفها تجاه دمشق. إلى جانب السعودية، أرسلت مصر وزير خارجيتها سامح شكري إلى دمشق في أول زيارة مصرية رسمية منذ اندلاع الحرب. كما أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول اتصال هاتفي بالأسد لإبداء التضامن مع سوريا بعد الزلزال. دولة الإمارات كانت على وجه الخصوص الأكثر نشاطاً في قيادة الانفتاح العربي على الأسد. علاوة على طموحات أبو ظبي المتزايدة في لعب دور إقليمي قيادي، فإنها انخرطت بفعالية خلال العقد الماضي في تكتل إقليمي لإحباط التحولات السياسية التي طرأت على المنطقة بعد الربيع العربي انطلاقاً من عدائها الشديد لتيار الإسلام السياسي المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين.

مع أن النظام السوري عمّق خلال سنوات الحرب علاقاته بشكل وثيق مع إيران، وشكل ـ ولا يزال ـ تهديداً لأمن المنطقة ودول الخليج على وجه الخصوص من خلال تسهيل تهريب المخدرات إلى الدول العربية، إلآّ أنه كان النظام العربي الوحيد الذي استطاع النجاة من تحولات الربيع العربي مقارنة بالأنظمة الأخرى التي أدى الربيع العربي إلى انهيارها كنظام حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وزين العابدين بن علي في تونس وعلي عبد الله صالح في اليمن. بالمقارنة مع مصر وتونس وليبيا واليمن، فإن تأثير جماعة الإخوان المسلمين في سوريا كان محدوداً للغاية. رغم ذلك، سعى الأسد باستمرار إلى تصوير الحرب التي خاضها على أنها حرب ضد جماعة الإخوان المسلمين من أجل استمالة الدول العربية المتوجّسة من الإخوان لا سيما الخليجية منها. بهذا المعنى، فإن الانفتاح العربي على نظام الأسد علامة على رغبة دول المنطقة في طي حقبة الربيع العربي. من جانب آخر، أدى انكفاء الدور العربي عن سوريا بعد سنوات قليلة من اندلاع الحرب إلى تهميش الدور العربي وإفساح المجال أمام قوى إقليمية أخرى منافسة كإيران وتركيا لتعزيز حضورها في سوريا. لذا، تتطلع الدول العربية إلى عودتها للعب دور مؤثر في سوريا من بوابة إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق وتأمل أن تُقنع الأسد بتقليص اعتماده على طهران والعمل على تقليص نفوذها في سوريا. مع أن الأسد بحاجة إلى الدعم العربي له لانتشال الاقتصاد السوري من الأزمة الكبيرة التي يعيشها، إلآّ أنّ قدرته على تقليص الحضور الإيراني في سوريا تبدو محدودة حتى لو توافرت الرغبة.

علاوة على ذلك، فإن جانباً رئيسياً من جوانب الانفتاح العربي على دمشق مدفوعاً بالتحولات الكبيرة التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة خصوصاً الحضور الدولي فيها. في الوقت الذي لم تعد فيه الولايات المتحدة تمتلك حضوراً وتأثيراً قوياً في المنطقة كما كان الحال عليه خلال العقود الثمانية الماضية، تُعمق روسيا والصين من شراكاتهما مع دول المنطقة. نجحت الصين مؤخراً في رعاية اتفاقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. وتعمل روسيا على وساطة لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة. في الملف السوري تحديداً، نرى أن دول المنطقة باتت أقرب إلى تبني السياسات الروسية. تُعيد الدول العربية وتركيا تشكيل سياساتها في الشرق الأوسط وسوريا على وجه التحديد من خلال مواءمتها مع السياسات الروسية والصينية لأن الاعتقاد السائد في المنطقة أن الشرق الأوسط أضحى في جانب أكثر استقلالية في إدارته صراعاته بمعزل عن مصالح القوى العالمية لا سيما الغربية، ومن جانب آخر تعمل موسكو وبكين على تعميق روابطهما الاقتصادية والعسكرية مع دول المنطقة وتُقديم نفسيهما على أنهما شريكان جديدان للشرق الأوسط أكثر موثوقية من الولايات المتحدة. في ضوء ذلك، يُمكن النظر إلى تحولات السياسية العربية في سوريا على أنها بوابة لتعميق الشراكة مع روسيا على وجه الخصوص.

من غير الواقعي الاعتقاد بأن الدول العربية قادرة بالفعل على إقناع الأسد بإحداث تحول سياسي في سوريا بينما شرعت في إنهاء عزلته العربية

مع ذلك، هناك القليل مما يُمكن أن تكسبه الدول العربية من وراء انفتاحها على النظام السوري. زعمت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في وقت سابق أن الدول العربية تتبنى مبادرة لتسوية الصراع في سوريا وتعمل على الضغط على دمشق للانفتاح على الحوار مع المعارضة من أجل دفع عملية السلام. لكنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن الدول العربية قادرة بالفعل على إقناع الأسد بإحداث تحول سياسي في سوريا بينما شرعت في إنهاء عزلته العربية. كما أن الأسد، الذي لم يُظهر في السابق أي اهتمام بإمكانية قبوله بحل سياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254، لن يكون على عجلة من أمره للقبول به اليوم بينما يرى أن السعودية تُعيد إصلاح علاقاتها مع إيران وتركيا تنتظر في قائمة الساعين للمصالحة مع الأسد. أخيراً، بمعزل عن الدوافع العربي في الانفتاح على النظام السوري، فإن الحقيقة الواضحة التي لا تحتمل أي نقاش هي أن السلام في سوريا لا يُمكن أن يتحقق من دون إحداث تحول سياسي جذري يُقنع ملايين السوريين بأن بلدهم تغيّر. كما كان النظام السوري على مدى عقود عاملاً مزعزعاً للاستقرار الإقليمي وساهم في تمكين المشروع الإيراني في المنطقة لا سيما لبنان والعراق، فإنه لن يتخلّى عن هذا الإدمان حتى لو شرّعت العواصم الخليجية أبوابه له وأعادت الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية معه. لا يجب النظر إلى سوريا على أنها مُجرد صراع داخلي ينبغي تسويته بأي ثمن. إنها حجر زاوية في الاستقرار الإقليمي وأي ترقيع عربي لصراعها لن يؤدي سوى إلى تعزيز دورها كمُهدد للاستقرار العربي.