لماذا يحضر اللاجئون بقوة في الحملات الانتخابية البرلمانية الهولندية؟

2023.11.04 | 07:40 دمشق

لماذا يحضر اللاجئون بقوة في الحملات الانتخابية البرلمانية الهولندية؟
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور أشهر قليلة على استقالة الحكومة الهولندية (7-7-2023) والدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة،  نتيجة عدم الاتفاق على سياسة جديدة للجوء في هولندا بعد جلسات طويلة، بعد موجة اللجوء الأكبر في تاريخ هولندا (2022-2023)، التي لا تعرف الحكومة كيف تحلها أو تخفف من احتياجاتها حتى الآن!

ها هو ملف اللجوء واللاجئين السوريين يحضران كأبرز نقاط الخلاف أو الاتفاق بين الأحزاب الهولندية الـ 17 حزباً في الانتخابات البرلمانية الهولندية التي ستتم في (22-11-2023) حيث تتنافس على أصوات نحو 13 مليوناً ونصف المليون، وعادة ما يشارك أكثر من 75 بالمئة من الهولنديين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات البرلمانية لتحديد من سيصل إلى الـ  150 مقعداً برلمانياً في بلد ذي نظام برلماني ديمقراطي حر يرسم فيه البرلمان معظم السياسات ويناقشها بالتفصيل.

وقد حققت تلك الأحزاب في الانتخابات الماضية 2021 ما بين مقعد واحد كحالة حزبي: (JA21 و  BIJ1)  إلى 34 مقعداً كحالة حزب )الشعب من أجل الحرية والديمقراطية وهو ثاني أقدم حزب في هولندا تأسس عام 1948) الذي حققه حزب رئيس الوزراء الحاكم مارك روته الذي استقال عن العمل السياسي بعد 13 عاماً من رئاسة الوزراء، وبقي 15 حزباً من دون تمثيل نيابي.

ووفقاً للمكتب المركزي للإحصاء وتعريفات الأحزاب عن نفسها فإنها تصنف وفقاً لما يلي أيديولوجياً: الليبرالية المحافظة والليبرالية الاجتماعية، والشعبوية اليمينية والديمقراطية المسيحية والاشتراكية الديمقراطية، والبيئة والخضر، والمحافظة الوطنية والزراعية والحقوق الدينية وحقوق الأقليات والفيدرالية الأوروبية ومناهضة الرأسمالية..

وتنقسم تلك الأحزاب إلى أحزاب الوسط، واليمين، واليسار، واليمين المتطرف، واليمين الوسط، ويبدو أن أبرزها وأكثرها تحقيقاً للأصوات هي أحزاب الوسط سواء أكانت اليمين الوسط أو اليسار الوسط.

الأحزاب التقليدية باتت تفقد الكثير من أصواتها في كل انتخابات نيابية وهناك أحزاب جديدة باتت تحصد أصواتاً كثيرة مع أنه لا تاريخ لها، تاريخها الوحيد هو أنها قرأت حاجات المواطنين ووضعتها في أعلى سلم أولوياتها

وقد شهدت الشهور السابقة انقسامات وانسحابات وإعادة صياغة أحزاب جديدة، وفقاً للتحولات المحلية والعالمية وخاصة أزمة الحكومة وغلاء المعيشة والحدث الأوكراني وما يحدث في غزة، لعل أبرزها ما قام به "بيتر اومتزيغت" الذي أسس حزباً بناه على كتاب في الفلسفة السياسية عنوانه العقد الاجتماعي الجديد قبل شهرين ونصف، وقد انشق عدد من أعضائه عن حزب النداء المسيحي الذي تأسس قبل 44 عاماً. والحزب الجديد يهدف إلى صياغة عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطنين ويتوقع أنه سينافس الحزب الحاكم الذي باتت ترأسه وزيرة العدل ذات الجذور التركية (ديلان يشيلجوز) والتي تكرر في كل لقاء أنها لجأت إلى هولندا حين كانت في الثامنة من عمرها نتيجة ما تعرضت له في بلدها، وهو ما أكدته في مناظرة أول أمس مع رئيسة حزب  حركة الفلاحة الوطنية. ويلحظ أن الأحزاب التقليدية باتت تفقد الكثير من أصواتها في كل انتخابات نيابية وأن هناك أحزاباً جديدة باتت تحصد أصواتاً كثيرة مع أنه لا تاريخ لها، تاريخها الوحيد هو أنها قرأت حاجات المواطنين ووضعتها في أعلى سلم أولوياتها كحالة حزب الزراعة الوطني الذي يتوقع أن يحصد نحو 10 بالمئة من أصوات الناخبين، فيما تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العقد الاجتماعي الجديد سيحصل على نحو 17 بالمئة من الأصوات.

تتراوح البرامج الانتخابية والحملات الدعائية والمناظرات التلفزيونية الحوارية عبر شبكة التلفزيون والإذاعة الهولندية في القناة الثالثة يومياً، بين الأحزاب الهولندية حول عدد من النقاط الرئيسية، ومن أبرزها: ملف اللجوء والهجرة - الاتحاد الأوروبي – الإسلاموفوبيا ودور الدين عامة ومفهوم الأسرة – التربية الجنسية والمتحولون جنسيا والشذوذ الجنسي وحدود الحريات الشخصية- الجوانب المالية والرعاية الاجتماعية والرواتب وإسهامات الحكومة – مشكلة السكن والبناء – التعليم وتفاصيله – الزراعة والفلاحون.

السؤالان المركزيان في تحديد مسار الانتخابات المقبلة بعد ثمانية عشر يوماً هما:

  • الخدمات الاجتماعية متمثلة في السكن والرواتب وصعوبات المعيشة وأمور المزارعين.
  •  سؤال اللجوء والحلول المتوقعة.

في الإجابة عن السؤال الأول يتوقع أن ما يحرك نحو نصف المنتخبين الهولنديين هي الحاجات اليومية وغلاء المعيشة والحصول على منزل بأسرع طريقة.

إضافة إلى حدود الفردانية والحريات الشخصية ومفهوم الأسرة، حيث هناك تذمر شعبي كبير من مآلات التحول الجنسي وحدوده والتربية الفردانية وما تركته من أثر سلبي في المجتمع.

وحول السؤال الثاني يمكن القول إن ملف اللجوء أحد أبرز استراتيجيات الأحزاب الهولندية في الانتخابات البرلمانية، خاصة أنه كان السبب المباشر في هذه الانتخابات المبكرة، ويلحظ أنه صار عند عدد من الأحزاب "شماعة" شعبوية لكسب مزيد من الأصوات أو لتحميله خيباتها السياسية.

يتراوح الموقف من اللجوء في الحديث عن النقاط التالية: من يستحق الحصول على اللجوء ومن لا يستحق، من بلده آمن ومن بلده غير آمن، ومن يعطى إقامة مؤقتة ومن لا يعطى إقامة دائمة، وأين ستكون إجراءات اللجوء في هولندا أم في الدول الحدودية، ومن يحق له لم الشمل من السوريين وما الموقف من اللجوء السوري والتركي؟ ومن سيحتاجه سوق العمل الهولندي ومن لا يحتاجه، وكذلك الموقف من الهجرة غير القسرية عبر الحاجة إلى كفاءات أو الموقف من الطلاب الأجانب في هولندا الذي يبقون فيها بعد انتهاء دراستهم، وتحسين إجراءات اللجوء وأماكن سكنهم كي تكون ملائمة لفترة أطول. ويلعب على وتر اللجوء عدد من الأحزاب عبر التركيز على أنهم سبب الأزمة السكنية وكذلك الخلل الاجتماعي والإسلامفوبيا واختلاف القيم.

يعلم اللاجئون والمواطنون الهولنديون أن هناك الكثير من الكلام الذي يقال في الحملات الانتخابية يكون الهدف الرئيس منه هو كسب مزيد من الأصوات، وأن نحو نصفه يذهب بذهابها، وأن التغيير الموعود في الحملات الانتخابية يرتبط بسياقات عالمية وأوروبية، خاصة أن هولندا من البلدان بطيئة التغيير، وأي تغيير يسبقه دخول في تفاصيل التفاصيل، لذلك لا يُتوقع بعد الانتهاء من الانتخابات حدوث تغييرات مفصلية في ملف اللجوء بالسرعة التي تحدث في البلدان الأخرى، إضافة إلى حضور كبير لجانب حقوق الإنسان في الثقافة الهولندية، بل إن المشاورات لتشكيل حكومة تأخذ أكثر من سنة حتى يتم الوصول إلى بيان حكومي متوافق عليه بين الأحزاب الأكثر أصواتاً والتي ستشكل الحكومة.

تترافق الانتخابات الهولندية البرلمانية هذه المرة مع استقالة عدد من الوجوه التقليدية عن العمل السياسي نهائياً كرئيس الورزاء مارك روته وزيغريد كاخ وسواهما في مشهد ديمقراطي يشمل شخصيات من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، من المسيحي المعتد بقيمه كحالة (ميريام بيكر) إلى الإسلامي كحالة النائب (دينك) فمن مناصر لـ بوتين عضو في البرلمان إلى داع لإعادة زميله في البرلمان إلى بلده الأم كحالة النائبين: خيرت فيلدرز ودينك أو إعادة المغاربة إلى بلدهم أو الموقف الحاد من المتحولين جنسياً كحالة النائب تيري بودي أو أن يكون أحد المثليين رئيس حزب ونائب في البرلمان كحالة روب ياتن... وكذلك من المهتم بكبار السن إلى من يظن أنهم ياخذون اهتماماً كبيراً، ومن يعتقد أن الحل في مزيد من أوروبية الهولنديين وذوبانهم في الاتحاد الأوروبي إلى من يدعو إلى الانفصال عنه!

لا يوجد تغييرات كبيرة في المزاج الانتخابي الهولندي إذا ما قارناها مع مزاج الانتخابات السابقة قبل 32 شهراً، ويبدو التركيز على الجوانب الاجتماعية وحاجات الناس اليومية في ظل موجة الغلاء هو الذي سيكون بيضة قبان الانتخابات على الرغم من أن الكثير من الأحزاب تطرح خططاً نظرية للانفصال عن الاتحاد الأوروبي أو تحاول تحميل اللاجئين المشكلات أو تخويف المواطنين من التغيرات الاجتماعية عبر التركيز على الإسلاموفوبيا..

الأكثرية الهولندية لا يعنيها الشأن العام إلا من جهة الغلاء وتأمين حاجاتها الأساسية اليومية بطريقة سلسة وغير بطيئة عبر تأمين بيوت كافية والمساعدة في المصروفات الأساسية ومجانية التعليم، ويبقى ما يحدث في غزة أو ما حدث في أوكرانيا بطيء الأثر في تحديد من سينتخب الهولندي يوم 22-11-2023 حيث يدرك المواطنون الهولنديون أن القرار العالمي حتى الآن قرار أميركي.

أحدث استطلاعات الرأي تشير إلى أن الحزبين الجديدين اللذين سيأخذان الكثير من أصوات الأحزاب التقليدية هما: حزب العقد الاجتماعي الجديد وحزب حركة الفلاحة الوطنية حيث ركزا على الجوانب الاجتماعية وحاجات المواطنين اليومية، كاستراتجية رئيسية وحاولا أن يأخذا موقفاً معتدلاً من قضية اللجوء وسواها.

هناك مواطنون سوريون - هولنديون لجؤوا في العقد الأخير إلى هولندا سيشاركون في الانتخابات البرلمانية الهولندية بصفتهم مواطنين هولنديين بحقوق وواجبات كاملة يتجاوز عددهم العشرين ألفاً

لكن ذلك لا يعني أن الأحزاب الثلاثة الأولى في الانتخابات السابقة وهي الحزب الحاكم: حزب الشعب للديمقراطية والحرية و حزب اليمقراطية 66 وحزب من أجل الحرية ستتراجع كثيراً خاصة أنها مدعومة من شبكات المجتمع العميقة، ولا تزال استطلاعات الرأي تضعها ضمن الأحزاب الستة الأولى إلى جانب التحالف الانتخابي لكل من حزب العمال وحزب اليسار الأخضر اللذين يتزعمهما أبرز السياسيين الهولنديين الوجه المعتق فرانس تيمرمانس الذي يقول مناصروه إنه سيكون أحد المرشحين لرئاسة الوزراء في حال حقق تحالفه ما يسعى إليه من أصوات وهو برلماني منذ نحو ثلاثين عاماً ووزير سابق ونائب رئيس المفوضية الأوربية، إلا إنْ كسر المنتخِبُ الهولندي صورته ونمطه التقليديتين؛ فأفرز مفاجآت كبيرة، وهذا وارد في فكرة الانتخابات عامة. خاصة أن تلك الانتخابات تطرح فكرة من نختار: وجوه جديدة أم وجوه قديمة، تكنوقراط أم خبراء؟ شؤون محلية أم شؤون دولية!

يذكر أن هناك مواطنين سوريين - هولنديين لجؤوا في العقد الأخير إلى هولندا سيشاركون في الانتخابات البرلمانية الهولندية بصفتهم مواطنين هولنديين بحقوق وواجبات كاملة يتجاوز عددهم العشرين ألفاً يجربون طعم الانتخابات الحرة لأول مرة في حياتهم، وربما ستشهد الانتخابات البرلمانية الهولندية المقبلة 2027 انتخاب أشخاص كـ نواب من جذور سورية!