icon
التغطية الحية

لماذا لا تنضم إيران بشكل مباشر إلى الحرب بين حماس وإسرائيل؟

2023.10.26 | 06:05 دمشق

آخر تحديث: 26.10.2023 | 10:00 دمشق

لماذا لا تنضم إيران بشكل مباشر إلى الحرب بين حماس وإسرائيل؟
لماذا لا تنضم إيران بشكل مباشر إلى الحرب بين حماس وإسرائيل؟
تلفزيون سوريا - ترجمة ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

أصدر مركز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط، الذي يقدم نفسه كأقدم مركز دراسات إيراني يعنى بالعلوم السياسية منذ 1989، تقدير موقف متصور يناقش فيه أسباب ودوافع الرفض الإيراني للانخراط المباشر في الحرب الجارية حالياً بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة من عدة جوانب.

وينطلق البحث من واقع أن إيران أرسلت رسالة واضحة ضمنياً على لسان مرشدها الأعلى بعدم رغبتها في توسيع نطاق الحرب لأبعاد إقليمية، عندما نفى خامنئي أي دور لإيران في العمليات العسكرية الأخيرة لحماس.

وتتطرق الدراسة لبحث هذه "القرار الإيراني الحذر" بعدم خوض حرب مباشرة من منظورين: الأول هو المنظور التاريخي والذي يتم فيه شرح النظرة الإيرانية المتخوفة من دخول أي حرب مباشرة منذ تسعينيات القرن الماضي.

وفي هذا الصدد، يتم التأكيد على أن آلية اتخاذ قرار الحرب إيرانياً، خاصة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، هي آلية محافظة ومعقدة للغاية، لا سيما في ظل حكومة موحدة كحكومة المتشدد إبراهيم رئيسي.

وبغض النظر عن البروباغندا الإيرانية والمواقف العدائية التي اتخذها مختلف المسؤولين الإيرانيين مؤخراً، ترى الدراسة أن القادة العسكريين الإيرانيين يتمتعون بفهم تفصيلي لحجم القوة الهجومية للولايات المتحدة وإسرائيل، وفي المقابل حدود القوة الدفاعية والهجومية الإيرانية، ومجموعة الخسائر البشرية والمادية المترتبة على الدخول في صراع عسكري طويل ومكلف.

ويذهب البحث من وجهة نظر تميل للواقعية أكثر للقول بأن ثقل سياسة إيران الإقليمية واستراتيجية الردع الدفاعي لا يزال يؤثر لصالح الصراع بالوكالة ضد أميركا وإسرائيل.

ويدعم المركز رؤيته تلك بأن النظام الإيراني الحاكم لم يعد يتمتع بنفس القاعدة الشعبية التي يمكنها أن تتماهى مع النهج الحكومي إذا ما قرر الدخول بحرب مفتوحة.

وفيما يلي، يقدم تلفزيون سوريا النص الكامل لترجمة الدراسة الصادرة عن مركز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط:

أثار الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة المقاومة الفلسطينية حماس على إسرائيل 7 تشرين الأول، خلال عملية أطلق عليها اسم "طوفان الأقصى"، دهشة واستغراب العالم، لدرجة أن العديد من المسؤولين والمراقبين الغربيين ووسائل الإعلام الدولية قدموا إيران على أنها الفاعل وراء الستار والعقل المدبر لهذه العملية.

وسلط هذا الحدث النادر وغير المسبوق الضوء ظاهرياً على مفاهيم مثل الفشل التاريخي، وتشويه سمعة الردع، وضعف جهاز الاستخبارات والأمن، ونهاية أسطورة إسرائيل التي لا تقهر. وأعطت القضية بالطبع، مع تعليقات عديدة ومواقف متناقضة للعديد من الشخصيات السياسية والعسكرية في طهران، أبعاداً جديدة وأوسع للوجه الأمني ​​لإيران.

وبغض النظر عن هذه الاعتبارات والغموض الاستراتيجي لهجوم حماس الأخير، فضلاً عن التهديدات الواضحة التي أطلقتها طهران في بداية الحرب بشأن إمكانية فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل مباشرة أو من قبل حزب الله والحوثيين في اليمن، فقد أبلغ المرشد الأعلى (خامنئي) وعلى أعلى مستوى أن "الجمهورية الإسلامية لم تلعب أي دور في العمليات العسكرية لحماس"

ونتيجة لذلك، فقد بعث ضمناً برسالة واضحة مفادها أنه لا يريد أن يأخذ نطاق هذه الحرب أبعاداً إقليمية مع دخول القوات المسلحة الإيرانية.

ورغم الهجمات الشرسة التي تشنها إسرائيل على مواقع حماس العسكرية، وارتفاع الخسائر البشرية في صفوف المواطنين العزل في غزة - الأمر الذي قد يؤدي إلى القضاء التام على حلقة الدفاع الإيرانية هذه في استراتيجية التوازن عن بعد والردع الممتد - فإن الأسباب التي دفعت إيران إلى اتخاذ هذا القرار الحذر تتبع منطقين استراتيجيين:

أولاً، منذ تسعينيات القرن الماضي، أظهرت إيران أنها لا تدخل بسهولة في حرب مباشرة، خاصة ضد أميركا وإسرائيل. لأن التفكير الأمني ​​الإيراني وبنيته وبالطبع آلية اتخاذ القرار في هذا المجال، هي أمور محافظة ومعقدة للغاية. كما أن أزمة غزة هي أخطر مجالات التقييم والالتزام بهذه الثقافة الاستراتيجية.

ولذلك عندما تتولى حكومة موحدة إدارة الأمور، فإن مجال "الدبلوماسية" بات يقدر أكثر مما كان عليه في الماضي.

وبسبب تزايد التوتر مع الغرب وإسرائيل بشأن قضية أوكرانيا، اتخذت روسيا موقفها الأقرب من إيران. والأهم من ذلك، فإن مصداقية الردع التقليدي الإيراني تشهد اتجاهاً تصاعدياً مع نجاح العديد من المشاريع الدفاعية المحددة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة.

لكن، خلافاً لرأي بعض النخب السياسية؛ بالإضافة إلى اتخاذ مواقف هجومية، فإن كبار القادة العسكريين يتمتعون بمعرفة وفهم تفصيليين لنطاق القوة العسكرية لأميركا وإسرائيل، وحدود القوة الهجومية والدفاعية المحلية، وبالطبع حجم الأضرار الناجمة عن صراع عسكري مكلف وطويل الأمد.
هذه الحقيقة الخطيرة جعلت إيران، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تركز طاقتها قبل كل شيء على تعزيز الحدود الغربية والجنوبية، واستراتيجية الحرب غير المتكافئة في المنطقة الرمادية من غرب آسيا.

ونتيجة لهذا فإن ثقل سياسة إيران الإقليمية واستراتيجية الردع الدفاعي لا يزال يرجح لصالح الصراع بالوكالة ضد أميركا وإسرائيل.
وقد أدى ظهور حالات أمنية جديدة في الجوار، خاصة في الحدود الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية، إلى الحد من حرية إيران في التصرف خارج حدودها الإقليمية.

جدوى الحرب عل المستوى الوطني تغيرت

أما المسألة الثانية فتشير إلى العلاقة بين انقضاء تاريخ الدور التقليدي للحرب في خلق التكامل الداخلي وتغير الخطاب الاستراتيجي الوطني في إيران.

بمجرد وصولهم إلى المحيط الأطلسي، حرضت حرب السنوات السبع المستعمرين الأميركيين ضد البريطانيين، ووضعتهم على الطريق لتشكيل أمة جديدة ودولة جديدة.
في وقت واحد، تمكن أوتو فون بسمارك في القرن التاسع عشر من الفوز بثلاث حروب حاسمة في غضون خمس سنوات.

ومن خلال هذه الحروب التي أصبحت تُعرف باسم "حروب توحيد ألمانيا"؛ بنى الدولة التي نعرفها بهذا الاسم اليوم. وفي السياق نفسه، يخلص ستيفان بيرغر إلى أن "حروب التوحيد أدت - في النهاية - إلى إضفاء المثالية على الحرب في التاريخ الألماني".

لقد شكلوا تسلسلات هرمية وبيروقراطية ومؤسسات أصبحت مستقرة وتطورت بشكل تدريجي.

بالنسبة لهذه البلدان الناشئة، جلبت إنجازات الحرب تجارب مشتركة مهمة. لأنه حتى الفشل يمكن أن يكون أكثر توحيداً من النصر.

لكن الحقيقة هي أن آخر حرب كبرى لتوحيد وبناء الأمة يجب أن ترجع إلى بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

حين هاجم العراق في عهد صدّام حسين إيران، الدولة الكبيرة ذات التاريخ القديم، لم تكن إيران مستعدة على الإطلاق للدفاع عن نفسها.

واستخدم ثوار إيران الولاءات الوطنية والميول الدينية للمساعدة في بناء جيش ضخم من المقاتلين في ساحة المعركة، إلى أن تم إيقاف التقدم البري العراقي، بفضل التضحيات العظيمة.

بالنسبة لإيران، كانت قوة مثل هذه الحرب، التي أعطت الشرعية للنظام السياسي والتماسك الذي أعطته لإيران كدولة قومية، مفاجئة.

ونتيجة لذلك، فإن المجتمع الإيراني كان موحداً ومتجانساً في ضوء رواية استراتيجية وطنية قوية رداً على القوى المعادية الإقليمية والخارجية؛ وحول مفاهيم مثل الحزن والخوف والشعور الجديد بالهوية الإيرانية الإسلامية.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الحروب على مستوى العالم بمنزلة قوى مدمرة للدول في المقام الأول.

يبدو أن الدول التي هي في قلب الحرب تنهار بدلاً من أن تتحد. وفي بلدان اليوم، من ليبيا إلى ميانمار، تعمل الصراعات الداخلية والخارجية على إضعاف الحكومات وتهدد بتدمير الأمم.

"تجربة سوريا" خير مثال

إن الحرب التي بدأتها الولايات المتحدة في العراق في بداية القرن الجديد لا تزال مستمرة إلى حد ما، وأصبحت مصدراً للانحلال الداخلي للبلاد.

ومن ناحية أخرى، تشهد أفغانستان دوامة هابطة من العنف الداخلي. وعلى الرغم من أربعة عقود من الحرب مع الاتحاد السوفييتي وتجربة الحرب الصعبة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن هذا البلد يعاني من مشكلة الاستقرار والأمن والتماسك الداخلي.

إن أنماط التاريخ تخبرنا أنه على الرغم من التحديات العديدة التي واجهتها هذه البلاد أمام الأعداء الأجانب، كان ينبغي لأفغانستان أن تخرج من تلك الكارثة بطريقة موحدة.

بدلاً من ذلك، انهار تماسكها الاجتماعي والوطني، ولا يزال من الممكن تجربة حرب أخرى وسط صراعات داخلية شديدة، بعد الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة، الذي أدى إلى صعود ميليشيا طالبان.

كما قدمت سوريا تجربة قيمة أمام النخب والرأي العام الإيراني، لقد أحدثت الصراعات المسلحة، مهما كان مصدرها وعواقبها، انقطاعا في تقدم هذا البلد، وأعاقت التنمية وأظلمت الآفاق المستقبلية لحياة طبيعية في شكل بلد.

وفي الواقع، بدلاً من أن تكون الحرب عاملاً موحداً، أصبحت الحرب مرضاً فتاكاً ذا قدرات مثيرة للانقسام في أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط.

يعكس المصطلحان المستخدمان على نطاق واسع "الأمة التي مزقتها الحرب" و"دوامة العنف" لوصف البلدان التي تشهد صراعات حقيقة واضحة مفادها أن أغلب البلدان التي تشهد حرباً هي بلدان تسير على نحو خطير على طريق الفشل والانحدار.

لقد رسمت الحرب في العصر الحالي نمطاً من النهاية الحزينة والمظلمة، وليست بداية للتماسك وبناء الدولة القومية.

نفور الشعب من الحرب

وفي هذا الصدد، إذا كان الرأي العام لمجتمع ما يعزو تراجع السوق الاقتصادية وزيادة المعاناة الاجتماعية للبلاد إلى المُثُل والأهداف غير الوطنية للنظام السياسي؛ يتجه الخطاب الاستراتيجي الوطني في هذه الحالة أكثر فأكثر نحو النفور من الحرب وعدم مصاحبة الرواية الرسمية (حتى في مواجهة العدوان ودفع تهديد العدو).

وهي مسألة أصبحت شواهدها وأمثلتها منذ عام 2017 -2018 (بسبب زيادة التضخم الاقتصادي وتشديد القيود الاجتماعية)، أكثر وضوحاً.

ومن الواضح أنه في ظل استمرار وتعزيز هذه الدورة والبنية الذاتية المتبادلة، لا تتضرر العلاقة بين الحساسية الوطنية والضعف فحسب، بل تقيم مجموعة واسعة من الرأي العام القوة الصارمة والردع العسكري بما يتعارض مع أهدافها وتطلعاتها الوطنية.

ويمكن لأي أزمة إقليمية، مثل الحرب بين حماس وإسرائيل، أن تنعكس عواقبها مرة أخرى توجيه العلاقة بين السياسة الإقليمية ومسألة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية من الهوامش إلى سياق الاهتمامات الوطنية للإيرانيين.

وفي ظل استمرار تعميق نفس الخطابات الاستراتيجية الوطنية الخطيرة، وتهديد التلاحم الوطني الحالي في المستقبل؛ قد يقابل دخول إيران المباشر في حرب مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة بالشكوك والنزعة المحافظة الوطنية.

ومن المتحمل أيضاً أن تُقابل الأعمال العدائية ضد المنشآت العسكرية والأصول الاستراتيجية للبلاد باللامبالاة وحتى - للأسف - بالرضا من جانب شريحة من المجتمع.

ويمكن في هذا السياق تقييم وقياس توسع الهجمات والتخريب الإسرائيلي المحدود داخل الأراضي الإيرانية في السنوات الثلاث الماضية وملاحظة لامبالاة مجموعة من الرأي العام.

وعلى الرغم من اللهجة الأكثر عدوانية لمسؤولي إيران، يبدو أن استراتيجية الردع التقليدية الإيرانية، التي اعتبرت في الماضي الحرب "مسألة مقاومة ملحمية" تحظى بدعم شعبي، تميل اليوم لصالح اعتبار الحرب "مسألة استراتيجية" ستدفع نحو المزيد لتعزيز القوة العسكرية الكلاسيكية في المستقبل.

يجب البحث عن قرار هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة بزيادة دور الجيش في هيكل الردع الإيراني على مدى السنوات الثلاث الماضية، والتسوية مع الرياض في إطار "استراتيجية درء الشر"، في سياق هذا المتغير الحساس لـ "السياسة الداخلية" والتغيير الملموس في السرد الاستراتيجي الوطني.