لماذا فقدت القمة الإسلامية زخمها؟

2019.12.27 | 19:30 دمشق

images_10.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعتقد أن السؤال الصحيح هو لماذا وليس، هل فقدت القمة الإسلامية التي عقدت الأسبوع الماضي بماليزيا زخمها، حيث لا شك أو جدل في ذلك أصلاً مع غياب زعماء اثنتين من الدول الخمس المدعوة، وفيما يتعلق بالجانب البشري والاقتصادي يمكن الحديث عن غياب نصف القوة الإسلامية المستهدفة من القمة.

أما في الأسباب فيمكن الحديث عن سببين رئيسين وعدة أسباب فرعية أدت مجتمعة إلى فقدان القمة لزخمها، وللأسف النيل حتى من أهميتها، مع جدل ونقاش واستقطاب أظهرها كتعبير عن الأزمة الإسلامية لا كجزء من الحل أو الحلول لها.

السبب الرئيسي لفقدان القمة زخمها يتمثل بغياب زعماء باكستان وأندونيسيا عنها، ورغم تعرّض باكستان لضغوط إلا أن الدافع الأهم للغياب يكمن بخروج تسريبات، وحتى تصريحات عن احتمال أن تمثل القمة بديلاً لمنظمة التعاون الإسلامي، ورغم التوضيحات الماليزية النافية لتلك المزاعم إلا أنها جاءت أقل مما ينبغي ومتأخرة حتى أكثر مما ينبغي. وهنا لا بد من التأكيد على أن منظمة التعاون الإسلامي، ورغم الأزمات التي تعاني منها، وحالة الضعف التي تعتريها، إلا أنها ما زالت الإطار الرسمي الجامع للدول الإسلامية، كما اتضح مثلاً من القمة الرافضة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس المحتلة – إسطنبول ديسمبر 2018 - والحفاظ عليها ضرورى أقله من أجل امتلاك القدرة الإيجابية على تطويرها وتقويتها.

أما السبب الثاني المركزي والمؤثر أيضاً، فيتمثل بمشاركة الرئيس الإيراني حسن روحاني في القمة، علماً أنه كان مدعو كضيف أي أقرب إلى العضو المراقب، إلا أن الفراغ الذي تركه غياب باكستان وأندونيسيا جعل من روحاني بحكم الأمر الواقع مشارك رئيسي فيها، حتى أنه امتلك الجرأة للحديث عن حلول للأزمات والمشاكل التي يعاني منها العالم الإسلامي، بينما تبدو إيران نفسها شبيهة بسفينة تيتانيك، كما قال الأكاديمي محمد رضا تاجيك- ديسمبر 2018- المستشار السياسي للرئيس السابق محمد خاتمي.

رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد مستضيف القمة الإسلامية وعرابها، قال أنه لن يتم الحديث عن الإسلام كمعتقد، وإنما سينصب الاهتمام والنقاش على أسباب فشل الحكومات الإسلامية، كما الحروب الداخلية في الدول الإسلامية.

من هذه الزاوية تحديداً يمكن الجزم أن ليس لدى روحاني ما يفعله أو يقدمه

إيران متورطة في كل الحروب والمآسي الداخلية بالدول الإسلامية دون استثناء، وهي تتباهى باحتلال أربع عواصم عربية لإقامة إمبراطوريتها الفارسية

كونه فاشل بالتأكيد مع وصول الأوضاع إلى ماوصلت إليه في بلاده من بطالة وفقر وانهيار اقتصادي واجتماعي نتيجة السياسات الخاطئة المتهورة داخلياً وخارجياً. وكان هو نفسه تحدث منذ أسابيع قليلة عن إهدار مليارات الدولارات من قبل جهات متنفذة عجز عن إخضاعها أو منعها من العبث باقتصاد البلاد واستقراره.

من زاوية أخرى فإن إيران متورطة في كل الحروب والمآسي الداخلية بالدول الإسلامية دون استثناء، وهي تتباهى باحتلال أربع عواصم عربية لإقامة إمبراطوريتها الفارسية، القومية المذهبية التى عاصمتها الحاضرة العربية بغداد كما قال حرفياً علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني.

كما أن هذا الأخير أي حسن روحاني حضر إلى ماليزيا على وقع انتفاضات العراق ولبنان الرافضة للهيمنة الإيرانية، حيث تم قتل مئات من المتظاهرين العراقيين، واغتيال عشرات الناشطين الآخرين بأوامر مباشرة من طهران، وإشراف فعلي على التنفيذ من قبل العصابات التابعة لها، بينما تم إيكال مواجهة المنتفضين في لبنان وشيطنتهم والاعتداء الجسدى عليهم إلى حسن نصر الله، كما نقل موقع "سحام نيوز الإيراني"-الأربعاء 25 ديسمبر- حرفياً، أيضاً عن وزير الخارجية جواد ظريف.

إذن ليس لإيران ما تفعله في قمة إسلامية تتولى النظر في فشل الحكومات والحروب الداخلية بالدول الإسلامية، وإذا كان لا بد من حضورها الضار والمؤذى، فكان يجب توجيه الدعوة لصاحب القرار والرئيس الفعلي للبلاد الجنرال قاسم سليماني، الذي يدير السياسة الخارجية الفاشلة، كما نعرف ونلمس ونرى، وكما أقرّ جواد ظريف نفسه منذ أيام فقط في لقاء موسع بوزارة الخارجية مع وزراء ومسؤولين سابقين حسب موقع "سحام نيوز" أيضاً.

وفيما يتعلق بعدم نقاش المعتقد فقد جاء الرد الإيراني أيضاً عندما كان روحاني يهم بركوب الطائرة إلى ماليزيا، حيث قال عبد الله حاجى صادق ممثل على خامنئي بالحرس الثوري- الثلاثاء 17 ديسمبر- حرفياً إن القرار هو للولي الفقيه والرئيس والوزراء، والمسؤولون ينفذون أوامره، وتجاه التظاهرات الشعبية التي تم قمعها بعنف ودموية قال إنهم أي الحرس لن يكونوا أبداً تجاه الولي الفقيه، كما كان أهل الكوفة تجاه علي بن أبي طالب (رض الله عنه) ما يتعارض بالتأكيد مع قواعد الحكم الرشيد، كما يفهمها ويطبقها رئيس الوزراء الماليزي.

في الأسباب الفرعية يمكن الحديث عن خطأ توسع القمة الإسلامية - تركيا وماليزيا وباكستان - قبل ترسيخ الأسس، وتقوية الإطار الثلاثي وجعله نموذجا جذابا وناجحا، خصوصاً أن الدعوة

ما كان يجب أبداً الدمج بين القمة ومنتدى كوالالمبور، الذي يضم مئات من المثقفين والناشطين الإسلاميين غالبيتهم من لون سياسي فكري واحد

لها في أغسطس الماضى لم تثر أي ردود فعل أو أجواء سلبية نتيجة للعلاقات المزدهرة أصلاً والقاعدة الصلبة بين أطرافها الثلاثة.

لا شك طبعاً أن قرار التوسع نفسه صحيح، خاصة مع ضرورة معالجة الغياب العربي عن القمة الثلاثية، إلا أن التوقيت خاطىء والإخراج نفسه لم يكن جيداً ناهيك عن الحضور الإيراني السلبي والضار.

إلى ذلك ما كان يجب أبداً الدمج بين القمة ومنتدى كوالالمبور، الذي يضم مئات من المثقفين والناشطين الإسلاميين غالبيتهم من لون سياسي فكري واحد، ويعتبر أصلاً تجمع أهلي غير حكومي، وكان بالإمكان عقده بعد فترة وجيزة برعاية مهاتير محمد نفسه، مع الانتباه إلى أن الإبقاء على صفته الأهلية يجعله أكثر فائدة ونجاعة.

كنت قد كتبت هنا –السبت 27 أغسطس الماضى -محتفياً بالوحدة الإسلامية الثلاثية عند طرح فكرتها للمرة الأولى من قبل رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، والتي كانت باكستان متحمسة لها أكثر حتى من تركيا، للأسف لم يتم الدعوة مباشرة لقمة ثلاثية من أجل مأسسة الوحدة وتكريسها على أرض الواقع، خاصة مع وجود عوامل إيجابية عديدة بين الأطراف الثلاثة، ومن ثم تقييم التجربة بعد سنوات من أجل التوسع، على أن يستمر العمل في الأثناء داخل منظمة التعاون الإسلامي لتطويرها وتحديثها أو في الحد الأدنى جعلها من قبل الدول الثلاث صوتاً للضمير الإنساني والإسلامي في القضايا الصعبة محل الإجماع والتوافق بين الدول الإسلامية.

كلمات مفتاحية