لماذا غيرت مصر موقفها من الجولة الخارجية لإسماعيل هنية؟

2019.12.20 | 17:13 دمشق

thumbs_b_c_aa69298e107e3a10e2ac771fe4fd8646.jpg
+A
حجم الخط
-A

سمحت مصر الأسبوع الماضي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بالخروج في جولة خارجية طويلة تشمل عدة دول عربية وإسلامية، إضافة إلى روسيا يفترض أن تمتد زمنياً لعدة شهور أيضاً.

الموقف المصري الجديد جاء بعد رفض النظام لسنتين أي منذ انتخاب هنية لرئاسة المكتب السياسي - 2017 السماح له بالسفر للخارج، حتى أنه مكث في القاهرة طوال شهر شباط/ فبراير الماضي أملاً في الحصول على تأشيرة خروج من السلطات المصرية، وهو ما لم يحدث آنذاك.

التغيير في الموقف المصري ليس مفاجئاً، ويعود في الحقيقة لأسباب عديدة تتضمن العلاقة الثنائية بين الجانبين. كما المستجدات والتطورات الأخيرة في غزة وأخيراً الحراك داخل حماس نفسها عشية انطلاق الدورة الانتخابية الطويلة – 2020 - في الساحات الرئيسية الأربع - غزة الضفة السجون والخارج - والتي تتوج في العادة بانتخاب رئيس المكتب السياسي العام بعد عام – 2021 - حسب النظام الداخلي للحركة.

بدايةً يبدو موقف النظام المصري الجديد بمثابة تشجيع أو مكافأة للحركة على التزامها التام بتفاهمات التهدئة مع إسرائيل التي توسطت فيها القاهرة وأظهرت فيها حماس مسؤولية صبر وطول نفس تجاه العملية نفسها، كما تجاه الأزمة السياسية في تل أبيب التي أعاقت الانطلاق نحو المرحلة الثانية من التهدئة المتضمنة إقامة مشاريع كبرى مثل المنطقة الصناعية وخط إضافي للكهرباء، وتحويل محطة غزة للعمل بالغاز بدلاً من الوقود الصناعي مع وتيرة معقولة لمرحلتها الأولى التي شملت فتح المعابر توسيع مساحة الصيد، إدخال المساعدات المالية القطرية بانتظام مع تخفيف أزمة الكهرباء الخانقة بصورة جدية وملموسة.

بدت الخطوة المصرية وكأنها ردّ أو مكافأة فورية ومباشرة على امتناع حماس عن الانخراط في جولة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة التي أعقبت اغتيال بهاء أبو العطا المسؤول العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، علماً أن تصرفاً مختلفاً من حماس كان سيؤدي إلى اتساع الجولة وامتدادها زمنياً لفترة أطول، وربما انهيار عملية التهدئة برمتها ومعها الجهود التي بذلتها القاهرة خلال سنتين تقريباً وراهنت عليها لاستعادة هيبتها ونفوذها الإقليمي.

إلى ذلك تبدو القاهرة راضية عن انفتاح حماس المبدئي على فكرة التوصل إلى تهدئة طويلة – خمس أو عشر سنوات - كما نشرت صحيفة "العربي الجديد"  الأحد 8 ديسمبر والتي تتضمن بدورها إقامة مشاريع كبرى مثل المطار والميناء أو الجزيرة الصناعية مقابل شواطىء غزة مع صفقة تبادل أسرى ثانية مع إسرائيل تتوسط فيها مصر أيضاً.

إضافة إلى ما سبقت تبدو القاهرة مرتاحة تماماً لطريقة تعاطي حماس مع مسيرة العودة عبر الحفاظ على سلميتها وتخفيض وتيرتها، ثم إيقافها لفترة وصولاً إلى طرح فكرة تنظيمها في المناسبات الوطنية فقط، أي مرة شهرياً، وحتى كل شهرين حفاظاً على أجواء التهدئة السائدة ومنع أي احتمالات للتصعيد مع إسرائيل.

تبدو القاهرة مرتاحة تماماً لطريقة تعاطي حماس مع مسيرة العودة عبر الحفاظ على سلميتها وتخفيض وتيرتها، ثم إيقافها لفترة وصولاً إلى طرح فكرة تنظيمها في المناسبات الوطنية فقط

ثمة معطى مهم آخر ساهم في تغيير موقف النظام المصري من حركة حماس يتمثل بتعاون الحركة التام معه في الحرب ضد تنظيم داعش بسيناء، حيث قدمت معلومات مهمة وأساسية للسلطات المصرية وزادت من إجراءاتها الأمنية على الحدود، ومنعت تماماً أي انتقال للمقاتلين والسلاح عبرها، حتى أن مسؤولاً أمنياً بسلطة غزة قال منذ أيام -موقع وزارة الداخلية الأربعاء 11 ديسمبر- إنه تم خلال الشهور الماضية منع عشرات حالات التسلل لمقاتلين من غزة إلى سيناء، مع الانتباه إلى أن فشل أو عجز القاهرة عن هزيمة التنظيم يعود إلى أخطاء وثغرات في تكتيكاتها وأساليبها القتالية، وربما عدم رغبتها في القضاء على التنظيم لإبقائه فزاعة في مواجهة المعارضين، ووسيلة للحصول على مساعدات خارجية، وتلميع صورة النظام، وتبييض صفحته عبر تموضعه – الزائف – في المعركة الإقليمية والعالمية ضد داعش بكل ما لذلك من فوائد سياسية عسكرية اقتصادية وإعلامية.

هناك عامل آخر لا يقل أهمية عما سبق ويتمثل برغبة النظام المصري في التأثير على انتخابات حماس الداخلية التي ستنطلق مطلع العام القادم 2020 وتنتهي مع انتخاب مكتب سياسي جديد مطلع العام الذي يليه – 2021 - علماً أن انتخاب هنية لرئاسة المكتب، وإقامته في غزة، ثم منع السلطات المصرية له من السفر طوال عامين ترك فراغاً كبيراً في قيادة الحركة وعملها بالخارج، وعلى كل المستويات التنظيمية السياسية والإعلامية والمالية، كما سهلت إقامة هنية بغزة من جهة أخرى هيمنة مسؤولها المحلي يحيي السنوار على قرار الحركة وتوجهاتها العامة مع الانتباه إلى أنه أي السنوار غير محسوب على التيار الإخواني التقليدي، وهذا ما سهل تقاربه وتفاهمه مع سلطة الانقلاب في مصر على عكس ما كان الحال مثلاً مع رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل.

ورغم أن هنية محسوب نظرياً على التيار الإخواني التقليدي، إلا أن القاهرة تريد بل تسعى لإعادة انتخابه كي يبقى القرار الفعلي لدى السنوار في غزة، حتى تستطيع التأثير عليه، وبالتالي تخفيف التأثير القطري التركي ، علماً أنها  -أي القاهرة- غير منزعجة من تقارب تيار السنوار مع طهران كونها لا تعتبرها من أعدائها ومنافسيها الفعليين، كما تتصرف تجاه الدوحة وإسطنبول.

هذا لا يعني أبداً أن هنية سيتصرف وفق أجندة النظام المصري. هو سيمارس مهامه ومسؤولياته التنظيمية، وسيعمل على حل المشاكل والأزمات التي تراكمت خلال سنتين، وسيسعى بالتأكيد من أجل حقه الديمقراطي وزيادة فرصه في الفوز بفترة رئاسية ثانية وأخيرة، مع نقاش وجدل حمساوي مستمر حول جدوى بقائه بغزة في ظل الفيتو المصري على تحركاته، وأعتقد أن التجربة كلها تخضع للتقييم مع استنتاجات وخلاصات سلبية جداً، خاصة مع استئثار السنوار وتحكمه بقرار الحركة العام، ما يقتضي بالضرورة تواجد رئيس المكتب السياسي سواء كان هنية أو غيره بالخارج، ومن هذه الزاوية يجب عدم تجاهل احتمال ترشح خالد مشعل لرئاسة المكتب السياسي مرة أخرى مدعوماً بتجربة طويلة، ودعم سياسي وتنظيمي كبير له من داخل حماس وخارجها، وهنا نعود إلى القرار المصري الذي ربما هدف إلى منع هذا السيناريو تحديداً.