لماذا إعلان لا اتفاق سلام بين البحرين وإسرائيل؟

2020.10.24 | 00:00 دمشق

18-10-20-6613-.jpg
+A
حجم الخط
-A

وقّعت البحرين الأحد الماضي إعلان سلام لا اتفاق تفصيلي مع إسرائيل، كما كان يفترض خاصة بعد التوقيع على اتفاق سلام عام ومبدئي بينهما في البيت الأبيض منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي.

حصل هذا بناء على رغبة بحرينية على خلفية الرفض الشعبي الواسع للتطبيع، وفي ظل تعتيم إعلامي تام، حيث خلت الصحف البحرينية الرئيسية الثلاث من أي خبر عن الحدث على عكس الصحف الإماراتية التي احتفت بالتطبيع بالأزرق والأبيض، بينما تعاملت الصحافة الإسرائيلية مع الإعلان ببرود ظاهر حتى أن كبرى الصحف العبرية يديعوت أحرونوت نشرته كخبر صغير في صفحاتها الداخلية.

تم التوافق عند الإعلان الأول عن التطبيع بين البحرين على توقيع اتفاق سلام عام ومبدئي في البيت الأبيض، ثم التفاوض على اتفاق تفصيلي يتم توقيعه فيما بعد، غير أن هذا لم يحدث لعدة أسباب منها استعجال التوقيع البحريني بالتزامن مع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي لخدمة حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية. ومزاعم نجاح سياسته الخارجية التي حققت اتفاقات سلام عربية لصالح إسرائيل، ودون دفع هذه الأخيرة لأي ثمن خاصة فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية المستندة إليها.

أما ثاني الأسباب فيتمثل بشعور القيادة البحرينية بالمفاجأة كونها لم تتوقع حجم الرفض الشعبي الواسع للتطبيع مع إسرائيل لذلك طرحت فكرة إعلان سلام فضفاض بدلاً من اتفاق تفصيلي وموسع مقابل التوقيع على مذكرات فرعية تتعلق بالتبادل الدبلوماسي ومناحي التطبيع والتعاون الأخرى.

في المقابل أصرّت القيادة البحرينية على مراسم مماثلة لما جرى مع الإمارات لجهة حضور وفد أميركي إسرائيلي للتفاوض والتوقيع في رحلة مباشرة من تل أبيب إلى المنامة مروراً بالأجواء السعودية. وفي السياق

ثمة بُعد سعودي خفي وغير ظاهر للعيان يتضمن فكرة أن التطبيع العربي الإسرائيلي يجري من خلال الأجواء وحتى القيادة السعودية حيث الرياض حاضرة بالصورة لكنها تقود من الخلف المشهد كله

تدشين الخط الجوي التجاري بشكل رسمي بين البلدين لكن الوفد الأميركي الإسرائيلي كان أقل مستوى طبعاً من ذاك الذي سافر إلى أبو ظبي - أوائل أيلول/ سبتمبر الماضي - حيث غاب صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنير، بينما حضر وزير المالية ستيفن مونشين ومساعد كوشنير والمبعوث إلى المنطقة آفى بيركوفيتش مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات بصحبة موظفين متوسطي الدرجة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

في هذه النقطة تحديداً، وإضافة إلى رغبة القيادة البحرينية في الشعور بالأهمية، ثمة بُعد سعودي خفي وغير ظاهر للعيان يتضمن فكرة أن التطبيع العربي الإسرائيلي يجري من خلال الأجواء وحتى القيادة السعودية حيث الرياض حاضرة بالصورة لكنها تقود من الخلف المشهد كله، وكما يقال عن حق في الصحافة الإسرائيلية ما كان ليحدث لولا الرضى، بل الانخراط السعودي الإيجابي في العملية كلها، علماً أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لم يرفض التطبيع من حيث المبدأ تماماً كرأس النظام بشار الأسد الذي استخدم تعبيرات مشابهة.

السعودية كانت حاضرة كذلك في دفع السودان وربما إجباره على التطبيع مع إسرائيل ولو تدريجياً، كما أنها عرضت إغراءات مالية هائلة على السلطة الفلسطينية من أجل العودة للمفاوضات مع حكومة نتنياهو وفق صفقة القرن الأميركية أو أي إطار آخر للتغطية، وحتى تسويغ المسيرة التطبيعية العربية الإسرائيلية برمتها. إلى ذلك كله بدت قصة الوفود الأميركية الإسرائيلية بروتوكولية وشكلية من أجل الإعلان رسمياً عن التفاهمات التي توصل إليها رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين الذي زار البحرين مباشرة بعد التوقيع الاتفاق المبدئي بالبيت الأبيض، والتقى الملك وولي عهده حيث جرى التوافق على شكل العلاقة البحرينية الإسرائيلية وخطوطها العريضة.

بدا لافتاً كذلك ما نشره موقع إكسيوس الأميركي - الأربعاء 21 تشرين أول/ أكتوبر - عن وجود سفارة إسرائيلية سرية في البحرين منذ عشر سنوات تقريباً تحت غطاء شركة للاستشارات التجارية والمالية ضمّت دبلوماسيين إسرائيليين من حملة الجوازات الأجنبية، وكما قال أحدهم للموقع، فالأمر بسيط ولا يحتاج أكثر من تغيير اللافتة على المدخل.

عموماً ثمة قناعة ظاهرة مفادها أن التطبيع البحريني الإسرئيلي سيكون رسمياً تماماً، كما النموذج المصري –الأردني، وهو ما أشارت إليه الصحافة الإسرائيلية الأحد الماضي عبر حديثها عن سلام بارد في ظل رفض الشارع البحريني الواسع للتطبيع، وبالتالي لن نشهد دفئا وحميمية في العلاقة مع إسرائيل، كما هو الحال مع الإمارات وسيجري بالتأكيد تبادل سفارات وتشغيل خط جوي مباشر وتبادل تجاري وتعاون علمي أو تكنولوجي علني وأمني مستتر، لكن هذا سيظل في إطار رسمي جامد وبارد بعيداً عن الحاضنة الشعبية أو انخراط فئات اجتماعية معتبرة في العلاقات الرسمية بين الحكومتين.

وبناء عليه من الصعوبة بمكان تصور أن يخرج  طيار بحريني ملوحاً بالعلم الإسرائيلي، كما فعل قائد رحلة طيران شركة الاتحاد الإمارات التي هبطت في إسرائيل الأسبوع الماضي وبعد يومين من التوقيع على إعلان السلام الإسرائيلي البحريني في المنامة.

تبالغ الإمارات وتكاد تخرج عن طورها لتأكيد علاقتها الحميمة مع إسرائيل، حيث شهد الأسبوع نفسه تدشين خط بحري بين ميناءي جبل علي وحيفا، سيؤدي إلى خفض سعر الغسالات وأجهزة كهربائية أخرى للمواطنين الإسرائليين حسب التعبير المتفاخر والمتبجح لنتنياهو، كما قام وفد إماراتي رفيع بزيارة تل أبيب والتوقيع على تفاهمات لتبادل السفارات ورفع التأشيرات عن مواطني البلدين مع 28 رحلة أسبوعية بين تل أبيب وأبو ظبي غير رحلات رخيصة مفتوحة غير محدودة العدد بين أبو ظبي وآيلات بموازاة سعي الإمارات للاستثمار في إسرائيل عبر التقدم بطلبات لشراء شركة إسرائيل اير الجوية المتعثرة، كما ميناء حيفا ونيتها المساهمة في خطط تهويد القدس عبر مشروع وادي السليكون الاستيطاني في محيط الحرم القدسي الشريف بقلب المدينة المحتلة.

المعطيات السابقة تؤكد مجتمعة على أهمية العامل الديمقراطي في مواجهة التطبيع مع إسرائيل وأجواء التعددية والانفتاح النسبية التي عاشتها البحرين أدت إلى حضور لافت لمنظمات أهلية وجمعيات ومؤسسات ذات ثقل وحضور جماهيري ترفض التطبيع وتعبىء الشارع ضده، بينما أجواء الرعب والاستبداد في الإمارات أطلقت يد السلطة باتجاه التطبع -التحالف وحتى الذوبان في السياسات الإسرائيلية الأميركية الاستعمارية في فلسطين والمنطقة بشكل عام.

العامل الديمقراطي نفسه نجده في الكويت حيث حرية التعبير والتعددية والرفض الواسع سياسياً وشعبياً للتطبيع حتى مع الضغوط الأميركية. كما أن العامل الديمقراطي نفسه يجعل التطبيع غير محسوم في السودان ويواجه مقاومة شعبية وسياسية وإعلامية عنيدة رغم الضغوط الهائلة العربية والإقليمية والدولية على الخرطوم للالتحاق بالمسيرة التطبيعية، والأمر نفسه يمكن قوله ولكن عكسياً عن السعودية، حيث أجواء الرعب التي خلقها حاكمها الفعلي محمد بن سلمان منعت معارضي التطبيع من التعبير علناً عن مواقفهم دون أن يغير هذا من المزاج الشعبي الرافض – قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الخميس الماضي إن 90 بالمئة من السعوديين بما فيهم الجيل الشاب يعارضونه - لذلك ستأخذ الرياض وقتاً أكبر باتجاه التطبيع الذي تراه القيادة المستبدة حتمياً ومحسوماً نظرياً، وهو نفس التعبير الذي استخدمه بشار الأسد رأس النظام الاستبدادي في سوريا، وأحد رموز الثورات المضادة عربياً سوية مع حاكمي الإمارات والسعودية محمد بن زايد ومحمد بن سلمان ما يعني أن هزيمة الثورات المضادة ورموزها تكفل بالتأكيد إسقاط التطبيع وكل دعوات التقارب والتحالف والذوبان بالسياسات الإسرائيلية والأميركية الاستعمارية في الحوض العربي الإسلامي.