لا مفاجأة في زيارة الأسد للإمارات

2022.03.22 | 05:29 دمشق

bshar_zyart.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن الزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى الإمارات مفاجئة، مثلما بدت لبعض الناشطين والمعارضين السوريين وأصابتهم، ومعهم آخرون، خيبة أمل، كونها جاءت تتويجاً لتطور العلاقات بين النظامين، إذ بالرغم من أنها محكومة بحيثيات سياسية واقتصادية مهمة بالنسبة إلى كليهما، إلا أنها أعلنت اكتمال مسار تطبيع الإمارات علاقاتها مع النظام، والذي بدأته منذ عدّة سنوات، وسارت معها في دروب التطبيع دول عربية عديدة، لم تتوقف يوماً محاولاتها ومساعيها من أجل إعادته إلى الحضن العربي، الذي يعجّ بطغاة ومجرمين كثر مثل بشار الأسد.

وبالنظر إلى مسار العلاقات التي تربط بين الإمارات العربية المتحدة ونظام الأسد، فإن الاتصالات بين مسؤولين إماراتيين ونظرائهم من النظام استمرت، بالرغم من انضمام الإمارات إلى مجموعة دول الخليج التي استدعت سفراءها من سوريا، وطلبت منهم مغادرتها في 6 من مارس/ آذار 2012، واتخذت في بداية الثورة السورية خطوات داعمة للتغيير السياسي، حيث انضمت إلى مجموعة "أصدقاء الشعب السوري"، التي كانت تدعم الوصول إلى حل سياسي في سوريا، وتطالب برحيل النظام، إلى جانب رفضها في 2014 إجراء مهزلة انتخابات النظام الرئاسية على أراضيها، لكنها، بالمقابل، أبقت على بعثة دبلوماسية للنظام في عاصمتها من أجل تسيير معاملات السوريين الموجودين على أراضيها. كما عملت على تسهيل إقامة أفراد من عائلة الأسد وأسرهم في مدينة دبي وسواها، وفتحت بنوكها لأموالهم التي نهبوها من الشعب السوري، فضلاً عن استثمارات المقربين من الأسد في مشاريع إماراتية شتى، ثم بدأت الإمارات شيئاً فشيئاً بتغيير مواقفها من النظام، وقامت باتخاذ خطوات تدريجية باتجاه التطبيع مع نظام الأسد، عبر إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق في27 من ديسمبر/ كانون الأول 2018، وبعدها بدأت بشكل خفي زيارات وفود اقتصادية بين البلدين، وعودة الشركات الإماراتية للاستثمار في سوريا. وتطور الأمر إلى ظهور تطبيع العلاقات مع النظام إلى العلن مع اتصال ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، مع بشار الأسد، في مارس/ آذار 2020، وحاولت الخارجية الإماراتية تبريره من بوابة التضامن الإنساني في ظل ظروف انتشار جائحة كورونا. أما في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فقد جرى تشكيل "مجلس الأعمال السوري الإماراتي"، بغية الإسهام في "إعادة إعمار سوريا"، عبر تفعيل دور القطاع الخاص، وتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، بكل المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية، ثم قام وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، بزيارة دمشق في نهاية العام الماضي، وطالب خلالها بضرورة عودة النظام إلى محطيه العربي واسترجاع دوره في جامعة الدول العربية.

زيارة بشار الأسد إلى أبو ظبي قد لا تختلف كثيراً عن الزيارات القليلة، أو بالأحرى عمليات الشحن، التي استدعي فيها الأسد إلى موسكو وطهران

وبصرف النظر عن التبريرات والمسوغات التي تسوقها الأنظمة العربية لخطواتها التطبيعية مع نظام الأسد، والتي تريد أبو ظبي تسويقها عبر مقولات الحضور العربي في الملف السورية وإبعاد النظام عن إيران وسوى ذلك، إلا أن زيارة الأسد إلى أبو ظبي، وإن كانت هي الأولى له إلى بلد عربي منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، فإنها قد لا تختلف كثيراً عن الزيارات القليلة، أو بالأحرى عمليات الشحن، التي استدعي فيها الأسد إلى موسكو وطهران، كي يتلقى الأوامر والتعليمات من فلاديمير بوتين و"النصائح" من طرف ملالي طهران، الأمر الذي يشي بأن الزيارة صحيح أنها تسهم في إطار فك عزلته العربية والدولية، لكن يبدو أن الأسد تبلّغ خلالها ما المطلوب منه كي يعود إلى الحظيرة العربية، إضافة إلى أنها ليست بعيدة عن زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى روسيا قبلها بعدة أيام، خاصة وأن ساسة الكرملين لم يكفوا عن مطالبة الأنظمة العربية وغيرها بضرورة التطبيع مع نظام الأسد، وعن حثها على مساعدته والإسهام في إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.

ويخال الساسة في الإمارات بأن التطبيع مع نظام الأسد يدخل في سياق "انتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات، وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة"، وأنه مسخر من أجل شده إلى الجانب العربي، عبر "تكريس الدور العربي في الملف السوري"، وكي لا تترك الساحة السورية "مفتوحة للتدخلات الإيرانية"، لكن ذلك لا يتعدى، بالنسبة إليهم، عملية شراء النظام عبر دفع مبلغ أكبر من المبلغ الذي تدفعه ملالي إيران، ولا يصمد أمام طبيعة وتركيبة نظام الأسد الإجرامي، وأمام معارضة بعض الدول العربية عودة النظام بشكله الحالي، وربطه عودته إلى عضوية الجامعة بالانخراط الفعلي في العملية السياسية، لذلك تحدث الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، مؤخراً، عن عدم وجود توافق بشأن عودة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة. وهو أمر يضاف ويتناغم مع موقف الإدارة الأميركية التي ترفض التطبيع مع الأسد، ومع تأكيد دول الاتحاد الأوروبي على أنه لا تطبيع مع النظام، ولا إعادة إعمار، ولا رفع للعقوبات إلى أن يتم التوصّل إلى حلّ سياسي ينسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بشكل واضح. 

وليس مفاجئاً أن يكون بشار الأسد سعيداً جداً بزيارته للإمارات، لأن مرد سعادته هو الاطمئنان على أمواله وأموال عائلته المودعة في بنوك الإمارات والاستثمارات الموظفة في مشاريعها، الأمر الذي يفسر الغاية من مروره على دبي موطن الأموال والاستثمارات الأسدية، ولا يمنع ذلك من أن يحاول الموالون، ومعهم سائر الممانعين، من تصويرها بوصفها إنجازاً وانتصاراً لهم، سيصفقون له مثلما يصفقون لإرسال النظام مرتزقة إلى أوكرانيا من أجل القتال إلى جانب جيش فلاديمير بوتين ضد الشعب الأوكراني.

  ولا شك في أن نظام الأسد بحاجة ماسة إلى معونات ومساعدات اقتصادية عاجلة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية السوريين في مناطق سيطرته، الذين هم بأمسّ الحاجة إلى تأمين المواد من قمح وأرز وسكر وزيوت وسوى ذلك، لكن لا يبدو أن الإمارات في وارد تأمين ما تحتاجه مناطق سيطرة النظام، لأن المهم بالنسبة إلى ساستها هو استغلال الزيارة لتوجيه رسائل سياسية، والاستفادة من الأجواء الدولية، في ظل انشغال الولايات المتحدة بمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، التي عبّرت عن استيائها من الزيارة، إلا أنها ليست مستعجلة من أمرها للقيام بجردة الحساب معهم، ومع محاولتهم مناطحتها.