لاريجاني مرتدياً عباءة سليماني في دمشق وبيروت

2020.02.21 | 23:00 دمشق

eq5p37txuaasepe.jpg
+A
حجم الخط
-A

قام رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الأسبوع الماضي بجولة شملت سوريا ولبنان التقى خلالها رأس النظام بشار الأسد، وحسن نصرالله ومسؤولين آخرين لبنانيين وفلسطينيين في بيروت.

الزيارة لا تتعلق فقط باستعراض أو تبجح إيراني معتاد للتغطية على الأزمات الداخلية والتراجعات الخارجية، وإنما لتأكيد الانخراط في جريمة إدلب إلى جانب النظام، والأهم ربما إعطاء الانطباع بأن مقتل قاسم سليماني "المهين" لن يترك فراغاً أو يؤثر على السياسة الإيرانية الإمبريالية في المنطقة.

فيما يتعلق بسليماني تحديداً فإن أحد أهم أهداف زيارة لاريجاني تمثل بسعي هذا الأخير لملء الفراغ الكبير الذي تركه الجنرال، والعمل على تجاوز مشهد اغتياله المهين لإيران وغطرستها.

كما في كل الأنظمة الاستبدادية والشمولية من المستحيل تعويض قائد أو مسؤول تصرف بمركزية شديدة وأمسك بملفات عدة بين يديه حتى أنه أي سليماني قال متبجحاً ذات مرة - وضمن سياق تفاوضي - في رسالة لقائد جيش الاحتلال الأمريكي بالعراق الجنرال ديفيد باتريوس نقلها الرئيس الراحل جلال طالباني: "أنا قاسم سليماني المسؤول عن السياسة الإيرانية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وقطاع غزة".

وحيث أن إسماعيل قآني خليفة سليماني لا يمتلك الخبرات والكاريزما اللازمة

ثمة تعمد واضح لإبعاد وزير الخارجية جواد ظريف عن تركة سليماني السياسية، الأمر يستبطن طبعاً عدم ثقة تجاهه كما لإبقاء الجوهر الأمني للسياسات الإيرانية

لمواصلة مهام سلفه قررت السلطات الإيرانية توزيع المسؤوليات، بحيث يتولى قآني إدارة فيلق القدس "المزعوم"، بينما يتولى علي لاريجاني الملفات السياسية، وحسن نصر الله الملفات الأمنية والعسكرية، تحديداً فيما يتعلق بإدارة فصائل الحشد الشعبي المتنافرة والمنفلتة بالعراق.

بدا لافتاً جداً تكليف علي لاريجاني بالملفات السياسية التي كان يديرها سليماني، ونحن هنا أمام تأكيد على الطابع البوليسي للنظام الإيراني لدرجة أن يتم تكليف مسؤول سياسي، بل رئيس السلطة التشريعية بإدارة ملفات ذات طابع سياسي أمني، أصلاً وهو ما يؤكد من جهة أخرى وهم الفصل بين السلطات في إيران التي يتحكم بها وبشكل تام علي خامنئي والحرس الثوري.

ثمة تعمد واضح لإبعاد وزير الخارجية جواد ظريف عن تركة سليماني السياسية، الأمر يستبطن طبعاً عدم ثقة تجاهه كما لإبقاء الجوهر الأمني للسياسات الإيرانية، والأهم ربما تحكم الدولة العميقة و"الموازية" التام بالتوجهات والسياسات الإيرانية؛ الدولة التي ينتمي إليها لاريجاني وعائلته – المافياوية - على عكس الحال مع جواد ظريف، طبعاً الذي كان وصف تلك السياسات بالفاشلة، مثبتاً حقيقة تحكم خامنئي وسليماني "والحرس" التام بها خلال الفترة الماضية.

في البعد السوري حرص لاريجاني، على الحضور في هذا الوقت تحديداً ضمن سعيه لملء الفراغ الذي تركه سليماني وبث رسالة طمأنة للحلفاء مفادها أن لا شيء تغير بعد مقتل هذا الأخير.

إلى ذلك فإن أحد الأسباب الرئيسية للزيارة كان دعم عمليات وجرائم النظام، بل هجمات روسيا التي ينفذها النظام في إدلب وحلب. وهذا الدعم الإيراني له علاقة أيضاً بالرد على مقتل سليماني عبر قتل مزيد من السوريين ودون استهداف أمريكا نفسها ولا حتى حليفتها إسرائيل.

الحضور الإيراني عبر لاريجاني جاء كذلك إثر تأكد إيران من نية روسيا المضي قدماً بمعركة إدلب وهي أي إيران سعت لتأكيد دورها وترميم مكانتها المتراجعة في سوريا والمنطقة، حتى قبل اغتيال سليماني، مع الانتباه إلى أن مشاركتها المتأخرة في المعركة عبر ميلشياتها وحشودها الشعبية الطائفية الموتورة جاءت في سياق وهم الرد على مقتل سليماني، كما أثر اتضاح عجز النظام عن توفير القوة البرية اللازمة لمواكبة الهجمة الجوية الروسية الدموية والإجرامية.

زيارة لاريجاني إلى لبنان لا تقل أهمية كذلك عن زيارته دمشق، كون بيروت واحدة من العواصم العربية التي تتبجح إيران باحتلالها، والزيارة لها علاقة بملء فراغ سليماني، ومواصلة تنسيق السياسات مع الذراع الإقليمي المركزي لإيران أي حزب الله. الذي كلّف أمينه العام بإدارة الملفات الأمنية والعسكرية التي كان يتولاها سليماني في العراق تحديداً فيما يتعلق بإعادة ترتيب صفوف الحشد الشعبي وحلّ المشاكل بين فصائله، علماً أنه يعاني بعد اغتيال أبو مهدي المهندس، الذي كان بمثابة الذراع العراقي المركزي لسليماني، بينما مثّل حسن نصر الله الذراع الإقليمي المركزي.

سياسياً؛ فإن توقيت الزيارة له علاقة أيضاً بتأكيد الحضور الإيراني بعد نجاح أو وهم النجاح في تشكيل حكومة تابعة لإيران وأذرعها، التفافاً على الانتفاضة الشعبية ضد سطوة حزب الله وحلفائه ، وتماهيهم مع الاحتلال الإيراني للبلد الذي أفقده كل خصوصيته ومقومات ومكامن قوته وأوصله إلى حافة الهاوية.

البعد الفلسطيني؛ في الزيارة جاء لافتاً أيضاً عبر لقاءات جرت مع قادة الفصائل وتحديداً حركة حماس. وهو مرتبط كذلك بتقمص لاريجانى دور سليماني السياسي عبر التواصل مع الفصائل الفلسطينية، وأعتقد أن حسن نصر الله سيتولى كذلك الجانب الأمني من العلاقة مع الفصائل، بينما سيكون الجانب السياسي من نصيب لاريجاني نفسه.

هنا ثمة سعي لتأكيد الحضور الإيراني في فلسطين، واستغلال صفقة القرن في بازار التصعيد المفتوح بين إيران وأمريكا مع الانتباه إلى أن الموقف الإيراني من الصفقة عادي وتقليدي، حيث تبدو طهران حذرة من التصعيد، علماً أن الملف الفلسطينى أصلاً هامشي ودعائي بالنسبة لها ، لوجود أولويات إيرانية عديدة تأتى فلسطين فى آخرها.

عموماً بدت الزيارة وكأنها تعبير عن الأزمة وليس جزء من الحل بالنسبة لايران، كونها أظهرت هزال لاريجانى فى عباءة سلفه، وأكدت ضعفها وليس قوتها فى إدلب وسوريا عامة، حيث طهران لاعباً ثانوياً وهامشياً مقابل أنقرة موسكو وواشنطن، ولبنانياً فإن انتصار حكومة حسان دياب ليس سوى وهم، وهي لن تصمد طويلاً أمام الغضب الشعبي، ولن تنجح فى حل مشاكل وأزمات البلد العميقة، خاصة أنها كانت محض تذاكى وتشاطر وهروب إلى الأمام من قبل إيران وحزب الله وأدواتهم المحلية.

أما فلسطينياً؛ فلا حضور أو تأثير إيراني جدي، رغم صخب الحشد الشعبى الإعلامى وخفة وسذاجة الفصائل، التي تعي جيداً أن مواجهة صفقة القرن تتم مع محمود عباس على علاته، وحتى مع عواصم عربية أخرى، وبالتأكيد ليس مع طهران والعواصم العربية التي تحتلها.