كيمـاوي الغوطتيـن لتمكـين الأسـد

2018.08.20 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قبل الخوض في جريمة غاز الأعصاب المنفذ من قبل النظام السوري ضد غوطتي دمشق في شهر آب من عام 2013، لا بد من تذكيركم بأن مرتكبها- أي الأسد، كان قد زج قبل تلك العملية الإرهابية بكامل جيش نظامه، مع عشرات اللجان المسلحة بالبنادق والطائفية لمواجهة الثورة المدنية في البلاد، ليقتلوا ويعتقلوا آلاف المدنيين بسلاسة دموية قل نظيرها، وبعدها الكيماوي، تضاعفت هويات الجهات القاتلة للشعب السوري، واتضحت معها معالم المشروع الدولي المتفق عليه حول مستقبل سوريا بالحفاظ على النظام المطيع، إثر الاكتفاء بصفقة تسليمه لمخزونه الكيماوي، والتغاضي المتعمد عن التوغل الإيراني في المشهد الدموي بشكل أوسع، ومن ثم إعطاء الضوء الأخضر لروسيا لتنفذ الوعد الإسرائيلي بمنع إسقاط الأسد وتمكين نظامه من السلطة مجدداً، وعدم السماح بوصول ثورة السوريين لأهدافها المكتوبة بالدم.

اغتيال أرواح مئات السوريين خلال دقائق كان دافعه صفقات خفية، تصب في صالح رفع منسوب الأمن  في إسرائيل وإنعاش الأسد المحتضر

لعل أفضل القراءات لهجمات الأسد الكيميائية على الغوطتين الشرقية والغربية في العاصمة دمشق، صيف عام 2013، هي التداعيات الدولية لمآلاتها آنذاك، وهنا علينا ألا نستغرب بأن اغتيال أرواح مئات السوريين خلال دقائق كان دافعه صفقات خفية، تصب في صالح رفع منسوب الأمن  في إسرائيل وإنعاش الأسد المحتضر.

25 صاروخ غاز أعصاب، سقطوا على الغوطتين في 21 من شهر آب- أغسطس عام 2013، خلال دقائق معدودات، راح ضحيتهم زهاء 1450 مدنياً، من كافة الفئات العمرية، لتصبح تلك المجزرة، منطلقاً لمجازر أخرى، اتسمت جميعها بأنها انتهكت القوانيين الدولية من أوسع أبوابها، وأن المخططات مع المصالح أهم بكثير من دماء الأبرياء الضحايا، قل عددهم أم زاد.

بعد 20 يوماً على جريمة العصر الحديث، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن لديها أدلة تشير بقوة إلى أن هجوم غاز سام على المناطق المحررة بريفي دمشق، نفذته قوات النظام السوري، وبأنها توصلت لتلك النتيجة بعد تحليل روايات شهود ومعلومات وبقايا للأسلحة التي استخدمت وسجلات طبية للضحايا، وكذلك تفاعلت عشرات الدول والمنظمات الدولية مع مجزرتي الغوطتين، ولكن ما فائدة التفاعل الظاهري؟ أمام دفع الجهة  ذاتها لمواصلة أفعالها بكل أريحية وطمأنينة؟

ولو أن هذه الفئة المسلطة على السوريين، كانت تخشى العقاب بأقل نسبه، لما تجرأت على قصف الغوطتين بالسلاح الكيماوي

مما لا شك فيه، بأن الأسد ونظامه، يسيرون وفق مخطط لا يحيدون عنه أبداً، ولو أن هذه الفئة المسلطة على السوريين، كانت تخشى العقاب بأقل نسبه، لما تجرأت على قصف الغوطتين بالسلاح الكيماوي، ولا أعادت استخدام  السلاح ذاته  عشرات المرات  في مناطق أخرى، وما كانت لتفكر يوماً لفعل ما فعلته بالسوريين وما تزال، ولكن ما نراه في واقعنا من انعكاسات، يقول إن هذا النظام يقتل يميناً ويساراً دون أن يرتجف له جفن، ولسان حاله يقول "طالما أن إسرائيل في صفي، وأنا في جيبها، فلن أخشى أحد، وسأقتل كيفما وكما أشاء".

وذكر تقرير حديث للشبكة السورية لحقوق الإنسان، أنَّ حصيلة الهجمات الكيميائية الموثَّقة لديها منذ أوَّل استخدام لها في 23/ كانون الأول/ 2012 حتى 22/ حزيران/ 2018 بلغت ما لا يقل عن 221 هجوماً، النظام السوري مسؤول عن 216 منها، كان لمحافظتي إدلب وريف دمشق النَّصيب الأكبر منها.

وكانت روسيا قد استخدمت حقَّ النَّقض في مجلس الأمن لصالح النظام السوري اثني عشرَة مرة، من بينها ست مرات في خصوص ملف الأسلحة الكيميائية تحديداً، وفي إطار ذلك ذكرَ التقرير أنَّ عشرينَ هجوماً كيميائياً على الأقل نفَّذها النظام السوري منذ الفيتو الروسي الأوَّل في 28/ شباط/ 2017 حتى هجومي دوما في 7/ نيسان/ 2018، منها ثلاثة عشر هجوماً بعد الفيتو الروسي الثاني، وتسع هجمات بعد كل من الفيتو الثالث والرابع، وسبع هجمات بعد الفيتو الخامس، في حين لم تُسجل هجمات بعدَ الفيتو الروسي السادس في 10/ نيسان/ 2018.

كانت الرسالة واضحة المعالم، بأن لا عقوبات حقيقية تنتظر هذا النظام، وعليه الاستمرار بالقتل بأدوات وأساليب أقل بشاعة

صدى الهجمات الكيماوية على الغوطتين، لعله حدثاً لا يقل عن الجريمة ذاتها، إذ اكتفت الدول صانعة القرار، ومحركة السياسة العالمية، بتطبيق معادلة تسليم الأسد لمخزونه الكيماوي مقابل إنقاذه من أي ضربات عسكرية، وهنا طبعاً، كانت الرسالة واضحة المعالم، بأن لا عقوبات حقيقية تنتظر هذا النظام، وعليه الاستمرار  في القتل بأدوات وأساليب أقل بشاعة، حتى لا تعود المطالب المشروعة إلى الواجهة مجدداً، خاصة بعد توجيه السياسة العامة في الملف السوري نحو مكافحة الإرهاب، وتسليط مكثف مع تضخيم أكبر لتنظيم الدولة، حتى تتم عملية لفت الأنظار عن أفاعيل الأسد ونظامه الأمني.

عدم معاقبة الأسد على جرائمه المرتكبة قبل كيماوي الغوطتين، وبعدها إلى يومنا هذا، لعلها مؤشرات إسرائيلية غربية بأن رحيل النظام، لم يكن خياراً جدياً للحظة رغم سيل الجرائم التي ارتكبها، بل إن المراد، هو تعويمه مجدداً، وهذه المرة فوق الدماء، بعد سوقه لقيادة نظام حكم أبيه عام 2000، وإن الجهات ذاتها ، لن تسمح بإيصال الثورة السورية إلى بر الأمان، حتى لو قتل الأسد الدولي منهم، أضعاف ما قتله للآن.

ولا أدري حقيقة، ما أهمية تصنيف الأسلحة ما بين محرمة ومحللة، طالما أن القوانيين الناظمة لإبقاء ديكتاتور أو ترحيله مرهونة بالصفقات، ومدى قيمة عمالته وتبعيته لصناع القرار، وفي سوريا، وعلى مدار السنوات الخالية، مئات الأمثلة على ذلك، فهل تدمير الأحياء السكنية فوق رؤوس قاطنيها بالبراميل المتفجرة، حلال مثلاً؟ وهل محاصرة ملايين الأبرياء وتركهم يموتون جوعاً وعطشاً تحت أقسى الظروف هي أسلحة مرحب بها في القوانيين الدولية؟ فما بالكم بتهجير السكان الأصليين على مرأى ومسمع العالم؟

وإذا ما لاحظنا الضجة والضجيج الممارسين بعد كيماوي الغوطتين، وقارناه بعشرات الانتهاكات والجرائم الأخرى من قبل النظام السوري، التي لا تقل إرهاباً ووحشيةً، نجد أنفسنا أمام تداعيات خطيرة للسياسة العالمية الراعية للديكتاتورية وأزلامها، وأن استخدام الأسلحة المحرمة من قبل أدوات المجتمع الدولي أهون بكثير من السماح لشعوب المنطقة بكسر قيود الاستبداد، وامتلاك أدنى حقوقها، وهو الحرية.

نجد أنفسنا أمام تداعيات خطيرة للسياسة العالمية الراعية للديكتاتورية وأزلامها

بعد خمس سنوات على كيماوي الغوطتين، تعيش سوريا، حدثاً لا يقل ألماً عن تلك المحرقة الصامتة للسوريين، بعد تسريب آلاف الأسماء لمعتقلين قتلوا بكل بشاعة داخل أقبيته الاستخباراتية، وهنا لا بد أن نقول بأن المدنيين خارج سجون الأسد ومسالخه البشرية، لم ينجوا من بطشه وإرهابه، فكيف سينجون منها، أي سوري وقع بين مخالب أذرع السامة؟ ورغم الجرائم التي لا تعد ولا تحصى لم يتغير في الواقع أي شيء سوى تدهور نحو المزيد من الإرهاب والقتل بدم بارد، والأسد ما زال قابعاً في قصره، يتكلم بلسان المنتصر والمتباهي بأفاعيله.

ومع اقتراب تنظيم الدولة من الاندثار، نرى بأن ورقة جديدة بدأت عملية التلويح بها، وهي إيران، من قبل الدول المعنية بالسياسة العالمية، والشرق أوسطية على وجه التحديد، وهنا قالتها إسرائيل مراراً وتكراراً وعلى العلن، بأن لا رغبة لها بإيذاء الأسد، وأن هدفها تحجيم الدور الإيراني في سوريا، وغالبيتكم تعلم بأن تل أبيب هي المشرع الأول للسياسة الأمريكية وحتى الغربية، مما يعني بأن الأسد خارج العقاب، وهذا ما تعكسه السياسة الروسية المجندة دولياً في سوريا، من منحها صك إدارة الملف السوري سياسياً وعسكرياً بما لا يتضارب مع المصالح الأمريكية في الجغرافية المفيدة في البلاد.