icon
التغطية الحية

كيف يعاقب النظام صيادي الساحل السوري ولصالح من؟

2020.02.04 | 11:22 دمشق

465444.jpg
حسام الجبلاوي - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

على وقع الأغنية الشعبية الشهيرة بين صيادي الساحل السوري " يابحرية هيلا.. هيلا" يرفع أبو أحمد قاربه الخشبي عبر رافعة من المياه لإجراء الصيانة الأخيرة قبل عرضه للبيع، لم تترك الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الرجل الأربعيني والذي نشأ منذ طفولته على مهنة آبائه وأجداده من وسيلة أخرى له غير الاستسلام، والبحث عن مهنة جديدة يؤمن من خلالها طعاماً لأبنائه.

واقع أبو أحمد اللاذقاني يلخص اليوم جزءاً صغيراً من حكاية طويلة لمعاناة صيادي الساحل السوري، بدأتها حكومات النظام المتعاقبة عبر الإهمال والفوضى، والقرارات المنحازة لأصحاب "الواسطات"، والتغاضي عن صيادي الديناميت، وسفن الجرف القاعي، ما أدى  إلى تدني مخزون الثروة السمكية، وتقلص قدرة الصيادين البسطاء، واعتزال عدد كبير منهم للمهنة الشعبية.

إفقار متعمد:

يشرح أبو أحمد في حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا مجموعة من الأسباب التي أدت إلى تراجع مهنة الصيد البحري في الساحل السوري وأبرزها محاربة الهيئة العامة للثروة السمكية التابعة للنظام لهم، وعدم الإصغاء المتكرر لمطالبهم، واتخاذ قرارات مجحفة بحقهم، ويوضح أبو أحمد حديثه بالقول:" منذ سنوات ونحن نطالب بمنع مراكب الجرف القاعي غير القانونية أصلاً، قدَّمنا عشرات الاعتراضات نظرا لتأثيرها الكبير على الثروة السمكية، لكنّ النتيجة كانت معاكسة، حيث صدر قرار بمنعنا نحن من الصيد بأقل من شباك 25 مم، بعد أن كانت سابقا 16 مم، كانت الرسالة واضحة للجميع عليكم أن تصمتوا".

وتعرف مراكب الجرف القاعي بأنها عبارة عن سفن كبيرة تجرف كل شيء بطريقها من أعشاش الأسماك وشباك الصيادين، وتأثيرها ضار على الأحياء المائية عموماً، وطريقة عمل هذا النوع من الصيد أن يتمَّ ربط شبكة كبيرة بمركبين يتقدَّمان معاً لالتقاط الأسماك وجرفها لمسافات كبيرة.

ويكمل أبو أحمد حديثه بالقول:" سابقا كنا نخرج في رحلات بحرية موسمية نبقى في عرض البحر لأيام، وهذه الرحلات موسمية، وتعوضنا عن خسائرنا في باقي أيام السنة، لكنّ هذا الأمر لم يعد متاحا لنا منذ سنوات، بعد أن منعت سلطات الموانئ خروج أي مركب إلا بإذن رسمي، وبمدة لا تزيد على 6 ساعات تحت طائلة العقوبة والمساءلة".

ويضيف الرجل الأربعيني بعضاً من جوانب المعاناة الأخرى التي تتمثل بارتفاع سعر المواد الأولية، ووسائل الصيد، وتحكم التجار بالأسعار، مضيفاً في الوقت ذاته" رغم أهمية مهنتنا ودورها في رفد الأسواق السورية بمنتج غذائي مهم لم يتم دعمنا أبدا أسوة بباقي الصناعيين والتجار، حيث نشتري المازوت من السوق السوداء، وأقل رحلة بحرية تحتاج إلى 10 ليترات مازوت على الأقل، وتصل كلفتها حاليا لـ3000آلاف ليرة".

شبيحة الصيد:

منذ عام 2011 اتخذت مديريات الموانئ في الساحل السوري العديد من القرارات التي أثَّرت على مهنة الصيد البحري، وأهمها تحديد ساعات الصيد، والحصول على موافقة مسبقة للخروج، كما منعت في العديد من الأحيان الصيادين من الخروج لأشهر طويلة متعللة بدواع أمنية.

وقبل عدة أشهر منعت قوات الأمن في مدينة اللاذقية الصيادين الهواة من اصطياد الأسماك باستخدام "الصنارة والخيط"، أو الصيد على الأرصفة البحرية، بحجة "تدمير الثروة السمكية" في المدينة، وهو القرار الذي اعتبره بعضهم غريبا بالنظر إلى تجاهل سلطات النظام لأفعال من يُسمّيهم سكان المدينة بالشبيحة، واستخدامهم لأصابع الديناميت والقنابل اليدوية بالصيد.

وفي هذا السياق تحدث حسين وهو صياد من مدينة جبلة لموقع تلفزيون سوريا عن أثر عصابات الديناميت الذين بحسب وصفه باتوا هم المسيطرين على الشواطئ، مضيفا "قبل عدة سنوات كانت هذه الظاهرة تقتصر على عدد محدود من الأشخاص "المدعومين"، ومعظمهم من عائلة الأسد وشخصيات معروفة، ويتم غض النظر عنهم، لكنّ هذا الأمر توسع بشكل كبير خلال السنوات الماضية مع انتشار الرشاوى وضعف الرقابة، حتى باتت هذه العصابات تتحكم بالصيادين البسطاء، ويصل الأمر إلى تهديدهم في حال قدموا شكاوى".

ويوضح حسين الرجل الخمسيني الذي قضى عمره في هذه المهنة أنّ مُفجّري الديناميت البحري يقتلون كل ما هو كائن حي في البحر، مثل الأسماك الصغيرة، والبيوض، وحتى الصخور البحرية التي تعتبر سكنا لها، ما يؤدي إلى هجرة هذه الأسماك بشكل كامل من المنطقة، وتضرر كبير في الثروة السمكية، وهو أمر مخالف لكل القوانين.

وحول الجهة التي تقدم الدعم لهؤلاء الصيادين أكد حسين الذي اشترط عدم ذكر اسمه الكامل لدواعٍ أمنية أنّ من يقوم بتلك المخالفات هم القائمون على الهيئة العامة للأسماك، وحرس الموانئ الذين يغضّون الطَرْفَ بشكل تام عنهم، ومعظمهم شركاء مع فرع "الأمن العسكري"، وفي حال تجرَّأ أحد على التكلم بالأمر علناً يكون مصيره الاعتقال أو التهديد.

سياسة تطفيش:

بدوره تحدَّث عبد الله وهو صياد من مدينة اللاذقية عن تأثير الحجوزات التعسفية التي يقوم بها عناصر حماية المرافئ بين فترة وأخرى في زيادة "تطفيش" الصيادين من المهنة، ويستغل هؤلاء العناصر وفق عبد الله القوانين الجديدة التي أصدرتها المحافظة بضرورة ابتعاد جميع قوارب الصيد عن اليابسة لمسافة لا تقلّ عن 500 م، بينما في السابق كانت مسافة 10 أمتار كافية.

ويؤكد عبد الله أن عناصر المرافئ الموجودين على الشاطئ لا يلتزمون بالقانون وتتم الحجوزات بشكل تعسفي لاستغلال الصيادين وإجبارهم على دفع رشاوى مالية.

من جهة أخرى تحدث الناشط الإعلامي في اللاذقية "أيهم اللاذقاني" عن استيلاء شبيحة النظام ومواليه على مساحات بحرية واسعة في المنطقة الممتدة بين وادي قنديل إلى رأس ابن هاني، حيث تحولت هذه المناطق منذ سنوات إلى محميات ومسابح وشواطئ خاصة، إضافة لوجود فيلات لمسؤولين من النظام يحظر على الصيادين الاقتراب منها.

ويرى الناشط أن تهميش الصيادين ومعاقبتهم يحمل" أبعاداً طائفية كون معظمهم من أبناء المدينة الفقراء الذين خرجت الثورة من أحيائهم" مضيفاً في الوقت ذاته:" النظام لم يكن يوماً حريصاً على مصالح السوريين، وآخر اهتماماته هو العناية بالثروة السمكية وتنميتها".

وكان صيادو مدينتي اللاذقية وجبلة أضربوا عدة مرات عن الخروج للصيد في مراكبهم لعدة أيام خلال العامين الأخيرين، مطالبين الهيئة العامة للثروة السمكية بدعمهم، والتراجع عن القرارات المجحفة التي تتخذ بحق أصحاب هذه المهنة.

وكانت إحصاءات جديدة للهيئة العامة للثروة السمكية في سوريا صدرت قبل قرابة شهرين كشفت أنّ حصة الفرد من الأسماك في سوريا لا تتعدى الكيلوغرام الواحد سنويا، وهي نسبة منخفضة جدا قياسا بالمعدل العربي (8 كيلوغرامات للفرد) والعالمي (20 كيلوغراما).

وتشير إحصائيات الهيئة إلى تراجع حاد في كمية الأسماك المنتجة سنويا في البلاد، إذ تراجعت من (17.8) ألف طن، ما قبل العام 2011، إلى نحو (5.5) آلاف طن العام 2018.