icon
التغطية الحية

كيف يضغط النظام على الصيادلة ليشاركوا بصناعة وتجارة الكبتاغون؟

2022.11.16 | 06:12 دمشق

كمية من المخدرات ضبطها الأردن (الأمن العام الأردني)
كمية من المخدرات ضبطها الأردن (الأمن العام الأردني)
تلفزيون سوريا - نور عويتي
+A
حجم الخط
-A

بعد أن تحولت سوريا إلى مصنع دولي لإنتاج الكبتاغون ومختلف أنواع المخدرات، تسعى أجهزة الأمن المتورطة في تلك الصناعة، للضغط على شريحة من المواطنين القاطنين في المناطق التابعة لسيطرة لنظام لتشغيلهم في قطاع صناعة المخدرات، مستخدمين أساليب وحشية ليست غريبة عنهم كالابتزاز والتهديد بالاعتقال، فيما يلي شهادة من أحد الصيادلة في ريف دمشق، حاولت أجهزة الأمن الضغط عليه مؤخراً ليشترك معها في صناعة المخدرات.

ازدهار صناعة المخدرات في سوريا

يعتمد صنًاع المخدرات في سوريا على مادة أساسية، هي مادة "أمفيتامين"، وهي المركب الأساسي في صناعة أي مواد مخدرة بمختلف أشكالها، فمنها يتم اشتقاق جميع أنواع المخدرات التي يتم تعاطيها على شكل حبوب أو بودرة للشم أو للعق، ويتم استخراج هذه المادة من الأدوية المستوردة. يقول عصام (اسم وهمي لضرورات أمنية): "يعود ازدهار صناعة المخدرات في سوريا بسبب رئيسي إلى توافر المواد الأولية في السوق ورخص ثمنها، حيث نحصل على المادة الأولية "أمفيتامين" من دواء مخصص للزكام، وهو "بسودوافدرين"؛ دواء توقف طرحه في السوق لأن مواده الأساسية تذهب اليوم لصناعة المخدرات، فكل ألف علبة من هذا الدواء تعطينا عشر علب من بلورات نقية من مادة أمفيتامين، التي يصنّع منها الكبتاغون، وبما أن الكبتاغون مصنع من مواد كيمائية، فهو يتفوق بفعاليته على المواد المخدرة الطبيعية، من حيث الهلوسة والتخدير، كما أن سعره أرخص من المواد الطبيعية، وهو الأمر الذي يجعله مطلوباً بشكل أكبر في السوق".

حاجة مصانع المخدرات للصيادلة والكيميائيين

التجار المنتجون للمخدرات يحتاجون في صناعتهم على الدوام إلى صيادلة وكيميائيين، لاستخراج تلك المادة وإعادة تركيبها. في هذا السياق يقول عصام: "كان يتردد إلى صيدليتي رجل أمن رفيع المستوى، تابع للفرقة الرابعة، وفي كل مرة يسألني عن معلومات شخصية لها علاقة بالعائلة وباختصاصي ومدى قدرتي على تركيب الخلطات الكيمائية، إلى أن عرض عليّ في إحدى المرات العمل معه في مجال المخدرات، وأخبرني أن  هناك كثيرين يطمحون للعمل معه إلا انه اختارني لكفاءتي، ولوثوقه بأنني قادر على تحضير بلورات نقية للغاية من مركب "أمفيتامين"، وأخبرني بأنه ليس هناك أي داعٍ للخوف، فهو يؤمن لي الحماية والأرض والأدوات والمواد الأولية التي سأعمل بها، وبالنسبة للأجر فلدي حرية بوضع الرقم الذي أريده".

 

تورط الأجهزة الأمنية في استدراج الصيادلة

يتبع رجال الأمن استراتيجية معينة لإقناع الصيادلة في الدخول بأعمالهم المشبوهة، ففي البداية يحاولون ترغيبهم في العمل عن طريق الهدايا ومنحهم بعض الامتيازات، وفي حال إصرارهم على الرفض يبدؤون تدريجياً ياستخدام نفوذهم للضغط عليهم. يخبرنا عصام: "عندما رفضت عرضهم بدأ رجل الأمن بالتودد مني، حيث راح يحضر لي هدايا ثمينة، منها ساعة رولكس وعلبة سيجار كوبي، وبعدما صممت على موقفي ورفضت بالانخراط معه، بدأ أسلوب التعامل يختلف كلياً، ليرسلوا إلى صيدليتي دوريات أكثر من مرة في الأسبوع هدفها فقط العبث بالصيدلية وبث الرعب في الموظفين وتطفيش الزبائن بحجة الاطمئنان على عدم بيع أدوية نفسية دون رخصة. حاولت تجاهل الأمر ظناً مني أنهم سيملون بعد أيام ويتوقفون عن الإزعاجات، لكن الموضوع تصعّد، فأرسلوا دورية خاصة من الأمن السياسي إلى منزلي، وتعمدوا ترهيب أطفالي وزوجتي، وقاموا بتفتيش المنزل بطريقة مجنونة، حتى قاموا بتفتيش علب الطعام والمطبخ في محاولة إيجاد أي شيء يدينني أو يستطيعون استخدامه لتلفيق تهمة إليّ من خلاله، وفي نهاية تفتيشهم قال لي الضابط المسؤول إنه كان يتمنى أن يعثر على دولار واحد في منزلي ليضعني في السجن. حينها أدركت أنه لا جدوى من التجاهل وليس من الممكن رفض طلباتهم بعد ذلك اليوم".

العشرات من الصيادلة يعملون بصناعة المخدرات

يرضخ العديد من الصيادلة لضغوطات عناصر الأمن خوفاً على حياتهم وحياة عائلتهم أو طمعاً بتحصيل مبالغ مالية كبيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة وتوقف عجلة الحياة. يقول عصام: "أعرف الكثير من الصيادلة الذين يعملون معهم اليوم. ذلك دفعني في النهاية لأن أقول لهم إنني على استعداد للدخول معهم في صناعة المخدرات، إلا أنني طلبت منهم مواد أعرف أنها غير متوفرة بالسوق لكسب بعض الوقت، وتحججت بأن هذه المواد سأتمكن من خلالها أن أستخلص بلورات نقية وبكمية أكبر. وخلال تلك المهلة التي وضعتها لنفسي معهم اضطررت إلى بيع أدوية نفسية بدون وصفات طبية للأشخاص القادمين من طرفهم، والذين كان لدي شك أنهم يرسلونهم إلي لأثبت حسن نيتي معهم؛ وقبل أن نصل إلى مرحلة العمل على الصناعة هربت من البلد".

 

أنواع رخيصة الثمن وعالية التأثير

من المتعارف عليه في سوريا أن الأدوية النفسية هي نوع من أنواع المخدرات رخيصة الثمن وعالية التأثير. وقبل عدة سنوات، كان هناك بالفعل قرارات صارمة من قبل حكومة النظام تحظر على الصيادلة بيع أي أدوية نفسية بدون وصفة طبية ودون الإطلاع على تاريخ المرضي والتأكد من حاجتهم إلى الدواء، أما اليوم فالسوق السوداء مليئة بالأدوية النفسية. في هذا السياق يخبرنا عصام: "معامل الأدوية في سوريا تُصنع الأدوية النفسية بوصفها سلعة رائجة، لا كدواء، بل لتكون مخدرات متاحة في الأسواق. ذلك جعل تركيبة الدواء تختلف بعض الشيء مؤخراً، حيث باتت المعامل تزيد المادة المخدرة فيها بشكل كبير ورغم القوانين التي تُلزم المعامل بإنتاج كمية محدودة من تلك الأدوية، إلا أن هذه القوانين شكلية، فالمعامل تصرح عن إنتاج نسب قليلة من تلك الأدوية وتلك التي تلتزم بتوزيعها على الصيدليات، وما تبقى من إنتاجها تطرحه في السوق السوداء بأسعار خيالية، وكل تلك العملية تتم بغطاء أمني".

الهروب من سوريا لتفادي التورط

وبالنسبة للصيادلة الذين تنتقيهم عناصر الأمن وتفضل الهروب إلى الخارج وعدم التعاون، فإن هربهم لا يعني أنهم آمنون بشكل كامل من بطش النظام، حيث يحاول عناصر الأمن الانتقام منهم بطريقة ما حيث يقول عصام: "عندما استطعت الفرار خارج البلاد، بدأ عناصر الأمن يسألون الموظفين في الصيدلية عني بشكل دوري، وقاموا بزيارة منزلي ومنزل عائلتي لمعرفة معلومات عني وعن وجهة سفري، وعندما تأكدوا أنني أصبحت في أوروبا وليس هناك أمل من عودتي، داهموا صيدلتي وقاموا بإغلاقها بالشمع الأحمر بحجة بيع أدوية من دون وصفة طبية، وطلبوا من عائلتي مبلغ ثلاثين مليون ليرة لإزالة إشارة الشمع الأحمر عن الصيدلية".