icon
التغطية الحية

كيف وسّعت روسيا من نفوذها في الساحل السوري عبر الاستثمار العقاري؟

2023.01.01 | 06:35 دمشق

(سبوتنيك)
(سبوتنيك)
+A
حجم الخط
-A

منذ أن دخلت القوات الروسية الحرب في سوريا بشكل علني إلى جانب قوات النظام في آب عام 2015 كان سعيها لتعزيز نفوذها في الساحل السوري واضحاً.

ففي أيلول من عام 2015 وقع كل من النظام السوري وروسيا على اتفاق يعطي للأخيرة الحق الكامل باستخدام قاعدة حميميم العسكرية كمنطلق لضرباتها الجوية ضد فصائل المعارضة المسلحة وإنشاء قواعد عسكرية في حي الرمل الجنوبي في اللاذقية.

ومع نجاح روسيا في قلب موازين المعركة لصالح النظام السوري، باتت المنقذ ومُنحت الضوء الأخضر لتوسعة نفوذها عبر إقامة مقار وثكنات تضمن من خلالها السيطرة المطلقة على الشواطئ السورية.

قاعدة حميميم الروسية
مطار حميميم العسكري

أولاً : الثكنات العسكرية الروسية التي أنشئت في عام 2016 داخل مدينة اللاذقية

توسع روسيا في مدن الساحل ازداد بشكل تدريجي بالتوازي مع نجاحها العسكري في الدفاع عن النظام السوري، ففي مطلع شهر تموز من عام 2016 أي بعد نحو عام من دخول روسيا الحرب في سوريا، شوهدت في مدينة اللاذقية أول دورية مشتركة تجمع سيارات مصفحة ترفع العلم الروسي، إلى جانب سيارات الأمن العسكري التابع للنظام، تجوب شوارع مدينة اللاذقية وبالتحديد الطريق البحري على طول الشاطئ الجنوبي لمدينة اللاذقية.

إلى ذلك فقد حوّلت روسيا فيما بعد ما يعرف سابقاً بمعهد التدريب الفندقي في حي الطابيات لمقر عسكري بعد أن تم نقل المعهد إلى داخل الحرم الجامعي لجامعة تشرين.

ضم هذا المقر عددا من الضباط الروس وبعض العناصر إلّا أنه سرعان ما بدأت هذه الثكنة بإرسال دوريات عسكرية إلى ميناء اللاذقية الرئيسي وإقامة نقاط داخله ليكون ثاني مقر للقوات الروسية في المدينة.

ميناء اللاذقية كان في ذلك الوقت نقطة عسكرية "للحرس الثوري الإيراني" الذي يقاتل أيضاً إلى جانب قوات النظام السوري وكانت شحنات الأسلحة الإيرانية تصل لميليشياتها تباعاً عن طريق هذا الميناء.

ومع تكثيف إسرائيل لضرباتها للمواقع الإيرانية في سوريا بداية عام 2017 انسحبت النقاط الروسية من داخل الميناء لتجنب أي اصطدام مع إسرائيل في المنطقة.

فيما بعد انصب تركيز روسيا على شاطئ المدينة الجنوبي بدايةً من إقامة مقر عسكري لها فيما يعرف بمخفر "مسبح الشعب" ونقاط أخرى في "ثكنة اليهودية" و"معسكر الطلائع" لتكون بذلك سيطرت على كل شاطئ اللاذقية الجنوبي.

ثانياً : أسباب سهلت سيطرة روسيا على الشاطئ الجنوبي لمدينة اللاذقية

في مدينة اللاذقية يوجد شاطئان رئيسيان وهما الرمل الجنوبي والرمل الشمالي وهما مثال حي "للتمييز المناطقي" والذي عمد النظام منذ استلامه السلطة في سبعينيات القرن الماضي إلى تطبيقه.

إذ إن الرمل الشمالي أو ما يُعرف بالشاطئ الأزرق والذي تسكنه غالبية من الطائفة العلوية، التي ينحدر منها رأس النظام السوري حافظ الأسد، هو واجهة الساحل السياحية وتنتشر فيه المنتجعات والمجمّعات السياحية والنوادي المتعددة ويعد قبلة السياح القادمين إلى سوريا.

وللمفارقة فإن الرمل الجنوبي والذي يُعرف أيضا "بمخيم الرمل الفلسطيني" يضاهي بجماله الشاطئ الأزرق لكن يُمنع إقامة أي مشروع سياحي فيه.

يقطنه ما يقارب الـ 300 ألف نسمة عرفوا بمعارضتهم لنظام الحكم من بينهم نحو 100 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في عشوائيات وبيوت ذات أسقف مستعارة.

يقع مخيم الرمل الفلسطيني داخل حي الرمل الجنوبي وتعود ملكية أراضيه لمنظمة ( الانوروا - UNRWA ) المعنية باللاجئين الفلسطينيين ويملك سكان الحي عقود دائمة من المنظمة يحق لهم من خلالها الاستفادة من العقار الى أجل غير مسمى.

مخيم الرمل الفلسطيني في حي الرمل الجنوبي
مخيم الرمل الفلسطيني في حي الرمل الجنوبي

في بداية الحراك الثوري في مطلع عام 2011 كان الرمل الجنوبي من أولى المناطق التي خرجت في مظاهرات ضد النظام لكن سرعان ما طوقت  قوات الأمن الحي و فرضت حصاراً عليه.

في 14 آب من عام 2011 صباح يوم الأحد بدأت السفن الحربية التابعة للبحرية السورية بقصف طريق البحر في الرمل الجنوبي تزامناً مع قصف بري بالدبابات وتقدم القوات الأمنية على حساب الثوار المحاصرين داخل الحي، إلى أن أعلنت قوات النظام في اليوم التالي سيطرتها عليه بتاريخ 15 آب بعد مقتل العشرات واعتقال المئات وتدمير الكثير من المنازل بالإضافة إلى هدم جميع البيوت على شاطئ بقذائف السفن الحربية.

مشاركة الزوارق الحربية التابعة للبحرية السورية بقصف الطريق البحري لحي الرمل الجنوبي

بعد عودة الحياة إلى تلك المناطق وانتقال الحرب إلى ريف المدينة حاول السكان إعادة ترميم المنازل التي تهدمت على طريق البحر لكن قوات النظام منعتهم بحجة أن هذه المنازل أساساً كانت عشوائيات والأرض التي كانت عليها هي أرض تعود ملكيتها للدولة.

وعلى الرغم من أن بعض أصحاب هذه المنازل يملكون أوراقا تثبت ملكيتهم للأرض والعقار لكنهم مُنعوا من إعادة بنائها.

ويكون بذلك الشاطئ الجنوبي للمدينة يحوي ثلاث ثكنات عسكرية روسية أساسية وبعض البيوت المدمرة نتيجة قصفها سابقاً من قبل السفن الحربية.

ثالثاً : أهمية الشاطئ الجنوبي للروس

يُعد الشاطئ الجنوبي أقرب الشواطئ للمدينة إذ إن امتداده يصل حتى المربع الأمني في وسط مركز المدينة في حين أن الشاطئ الشمالي يقع خارجها.

هو شاطئ رملي بعيد عن الصخور أي أنه مناسب لترسوا عليه السفن الحربية و التجارية إذا ما أقيم عليه ميناء بحري أو قاعدة عسكرية.

وكالة أنباء النظام "سانا" كانت قد قالت في تقرير سابق إن الشركات الروسية أجرت بعض أعمال التنقيب على النفط والغاز قبالة شواطئ اللاذقية واكتشفت أن الرمل الجنوبي يحوي كميات كبيرة من الغاز الطبيعي مما يعزز أهمية هذا الشاطئ لدى الروس.

الطريق البحري لحي الرمل الجنوبي
الطريق البحري لحي الرمل الجنوبي

رابعاً : تحرك مفاجئ لسوق العقارات بالرمل الجنوبي

على الرغم من أن العشوائيات التي تقع على الطريق البحري في مدينة اللاذقية ما زالت مدمرة وما بقي منها أو ما تم إعادة ترميمه خفيةً عن قوات النظام أو بدفع بعض الرشى للبلدية للسكوت عنه مهددة بالإخلاء إلا أن عام 2019 شهد تحركاً مفاجئاً لسوق العقارات في تلك المنطقة حيث قامت بعض المكاتب العقارية المحلية بعرض مبالغ مالية كبيرة على سكان حي الطريق البحري لإغرائهم لبيع بيوتهم ومحالهم.
سارع  من كان لديه ورقة "طابو" آنذاك إلى بيع عقاره على الفور أما الذين يسكنون في العشوائيات "المخالفة" والتي تعود ملكية الأرض فيها للدولة فقد قاموا بدفع رشى لموظفي الإدارة المحلية  واستطاعوا استخراج عقد "اخضر" ينص على أن الذي يسكن في هذه المساحة العقارية والتي أقيم عليها المنزل المخالف يحق له الاستفادة منه لمدة 99 سنة من تاريخ استلامه، بدورها المكاتب العقارية تشتري منهم هذا العقد وتنقلها لاسم المالك الجديد عن طريق معاملة بسيطة في مبنى المحافظة.

 

مكاتب اشترت العقارات لصالح الشركة الروسية:

اسم المكتب

الموقع

 

مكتب أملاك العقاري

مشروع شريتح جانب المقهى البلدي

 

مكتب الساحل العقاري

طريق الحرش بجانب الفرن الآلي

 

مكتب جود العقاري

دوّار هارون

 

أما أولئك الذين رفضوا بيع ممتلكاتهم للمكاتب العقارية تلك فقد مورست عليهم سياسية ضغط من قبل فرع المخابرات الجوية وعناصر تابعة للفيلق الخامس التابع لروسيا بطريقة غير مباشرة.

جل من رفض بيع عقاره هم من أصحاب العقارات التجارية (ورش حرفية – محال تجارية – مقاهي شعبية) هؤلاء كانوا في مواجهة عدة وسائل ضغط كان أهمها إقامة حاجز أمني للتفتيش أمام مدخل محالّهم مما يؤثر سلباً على الحركة التجارية أو سوق أصحاب الحرف للخدمة الاحتياطية في الجيش، مما يضطرهم في النهاية إلى الرجوع عن قرارهم وبيع عقاراتهم بسعر أقل كما حصل مع مالك ماركة "ملبوسات الحسن" و هو مشغل للألبسة الجاهزة مشهور في تلك المنطقة فقد اعتقلته قوات النظام في تلك الفترة لتشغيله عمالا مطلوبين لخدمة العلم وأفرجت عنه فيما بعد مقابل إقفال المشغل مما أجبره على بيعه.

خامساً : خلفية المكاتب العقارية وحقيقة الشركة المالكة.

غالبية تلك المكاتب العقارية هي مستحدثة افتتحت مؤخرا من قبل عناصر سابقين في جيش النظام أصيبوا أو تعرضوا لإعاقة ما خلال المعارك ولكنها كانت مجرد واجهة معنية بالحصول على أوراق الملكية من المالكين فقط فقد اتضح فيما بعض أن كل العقارات على الطريق البحري تحولت ملكيتها لصالح شركة استثمارية ضمن ما يطلق عليه اسم "سينارا جروب" (Sinara group)"، وهي شركة استثمار روسية تأسست في عام 2000 ولديها العديد من الاستثمارات في قطاعات تطوير العقارات والنقل بالسكك الحديدية.

وبحسب وكالة "سبوتيك" الروسية فإن شركة "سينارا" قامت بتوقيع عقد مع إدارة المحافظة بتاريخ 3 يوليو 2020 من أجل البدء بتنفيذ مشروع فندق سياحي بخدمة أربعة نجوم وبكلفة تبلغ 5 مليارات ليرة سورية، أي نحو (28 مليون دولار)  في منطقة "جول جمال" في مدينة اللاذقية.

ولكن مع الوجود العسكري الروسي في منطقة الطريق البحري بالرمل الجنوبي والذي سبقه شراء الشركة الروسية للعقارات وتحول المنطقة تدريجياً لمنطقة نفوذ عسكري، يرجح سكان الأحياء هناك إقامة قاعدة عسكرية بحرية روسية على غرار قاعدة "البسيط" الروسية في ريف اللاذقية الشمالي الغربي وقاعدة ميناء مدينة طرطوس والذي حولته روسيا لقاعدة عسكرية ضخمة وعملت على توسعته في 18 كانون الثاني من عام 2017 بعد أن وقع كل من النظام السوري وروسيا اتفاقية نصّت على السماح للقوات الروسية باستخدام ميناء طرطوس كقاعدة بحرية إلى أجل غير مسمى وبذلك يكون ميناء طرطروس أكبر قاعدة لروسيا على المياه الدافئة لشواطئ البحر الأبيض المتوسط.

قاعدة عسكرية كبيرة  في أقصى الشمال الشرقي عند الحدود التركية السورية (قاعدة البسيط) وقاعدة أخرى في أقصى الجنوب للشواطئ السورية (ميناء طرطوس) فإذا ما نظرنا إلى خريطة شاطئ اللاذقية، باتت روسيا بحاجة فقط إلى قاعدة عسكرية واحدة، وبالتحديد في منطقة الرمل الجنوبي، لبسط سيطرتها الكاملة على الشواطئ السورية، وهو ما يزيد من احتمالية إنشائها خلال الفترة المقبلة.

الساحل السوري من الحدود التركية إلى ميناء طرطوس
الساحل السوري من الحدود التركية إلى ميناء طرطوس