كيف قرأ السوريون نتائج الانتخابات المحلية في تركيا؟

"ضبوا الشناتي" لطالما استخدمت هذه العبارة في الانتخابات التركية بين السوريين في تركيا بمختلف أوضاعهم القانونية من حاملي الإقامة أو الكملك أو حتى المجنسين، لكن بعد سنوات من تكرار التجربة الديمقراطية التي توصف بالملهِمة أرى أن قراءة المشهد باتت أكثر وعياً ومنطقية من الأعوام الماضية.

من الأفضل عدم مناقشة الموضوعات التي تثير اهتمام السوريين بشكل عاطفي، وخاصة القضايا التي تثير اهتمام السوريين، مثل الانتخابات التركية التي استُخدموا فيها كملف أساسي ومدى تأثيرها في نفوسهم، ومن المهم محاولة الفهم بدقة كيف نظر السوريون للاستحقاق الأخير الذي حققت فيه المعارضة مفاجأة على جميع الأصعدة مشكلة خيبة أمل لأنصار العدالة والتنمية؟

وبالفعل يلمس المتابع مواقف متعددة من سوريين نظروا بخوف وقلق شديدين من النتائج الأخيرة خصوصاً أن الدعاية الانتخابية لحزب الشعب الجمهوري والعديد من الأحزاب المعارضة لم تتغير في استخدام "رحيل اللاجئين عموماً والسوريين بشكل خاص" كوسيلة لاستقطاب الناخبين، وإن كانت أخف بدرجات مقارنة مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في أيار 2023.

ربما تشكل الوعي لدى فئة واسعة من السوريين أن الأثر المحتمل لنتائج الانتخابات المحلية التركية 2024 سيكون محدوداً عليهم.

زيادة الوعي السوري

لكن بالمقابل ومن خلال الاطلاع على العديد من المجموعات في منصات التواصل وأخرى على أرض الواقع تهتم بالشؤون الخدمية والمعرفية والتعليمية في تركيا وتضم مختلف الفئات من صحفيين وأطباء وأكاديميين وطلاب وعمال وغيرهم، ليس من المبالغة القول ملاحظة وعي كبير لدى السوريين في التعاطي مع الانتخابات الأخيرة.

والمقصد في ذلك بشكل خاص "غير المجنسين" الذين لم يظهروا اصطفافاً أو تدخلاً غير مرغوب به من الأتراك في الشؤون الداخلية التركية وربما أسهم في ذلك أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أكثر أهمية من المحلية التي لا يمكن أن تؤثر بشكل جوهري في وجود السوريين أو رحيلهم.

وربما تشكل الوعي لدى فئة واسعة من السوريين أن الأثر المحتمل لنتائج الانتخابات المحلية التركية 2024 سيكون محدوداً عليهم، بما يقتصر على التضييق أو محاولة فرض مزيد من الإجراءات والضرائب على الأجانب بما يشمل السوريين.

وأحياناً قد تتعلق القرارات الجديدة بالسوريين تحديداً لكن كل ذلك من المفترض أن لا يخالف الدستور التركي والقواعد القانونية العليا التي تنص على العدالة والمساواة وعدم انتهاك حقوق الإنسان أياً كانت جنسيته.

وربما يؤكد السياق، ما قاله رئيس حزب النصر التركي المعارض أوميت أوزداغ في أن نتائج الانتخابات المحلية في تركيا، تظهر بأن الشعب التركي لا يرى بأن رحيل اللاجئين، الذين يشكل السوريون معظمهم، قضية ذات أولوية بالنسبة إليه.

من حق السوري وأي إنسان على وجه الأرض أن يعبر عن رأيه وتأييده لأي طرف سياسي أو غير سياسي، بما لا يخالف القوانين والأنظمة.

لا بد من الحذر!

ومع كل ما سبق فإن قسماً واسعاً من السوريين يرون أنه لا بد من توخي الحذر بشكل أكبر من مخالفة القوانين والتدخل بشؤون داخلية تركية خاصة بالنسبة لغير المجنسين وهو ما بات السوري يدركه ويتصرف وفقه على الأقل بنسب مرتفعة تختلف عن واقع ما جرى في انتخابات السنوات الماضية.

لا شك أن من حق السوري وأي إنسان على وجه الأرض أن يعبر عن رأيه وتأييده لأي طرف سياسي أو غير سياسي، بما لا يخالف القوانين والأنظمة وبما لا يسبب أو يتوقع أن يسبب احتقاناً شعبياً أو يعد اصطفافاً مع جهة ضد أخرى وكذلك بما لا يخدم الشائعات والأكاذيب المضللة التي تنشر حول السوريين في تركيا.

كل ذلك بات يطبق بشكل أكبر من فئة واسعة من السوريين في الانتخابات المحلية التركية من خلال ملاحظة مجموعات كبيرة تضم الواحدة منها مئات المقيمين في مختلف أنحاء تركيا.

وفيما كان البعض يدخل في جدالات واحتفالات وحملات لا شأن له فيها تتعلق بدعم حزب على حساب آخر في وقت لا يجب عليه أن يكون بداخلها، بات اليوم أكثر حرصاً وحذراً وانتباهاً لما قد يسبب له ولغيره من السوريين المشكلات.

وقد يكون هناك عوامل أخرى ترتبط بسياسة تركيا التي باتت أكثر حزماً في التعامل مع المخالفات التي قد يرتكبها بعض السوريين أو الأجانب وهو ما شكل قناعة لدى فئة واسعة من المقيمين في مختلف الأراضي التركية بتوخي الحذر من أي فعل قد يؤدي إلى مشكلات قانونية حالياً أو مستقبلاً.

تجربة ديمقراطية ملهمة

وبالنسبة للمجنسين فإن الكثير منهم عبر حساباته في منصات التواصل أكد تأثره بأهمية الاستحقاق الديمقراطي الذي عاشوه من خلال تنافس أحزاب ومرشحين بكل شفافية وتقبل الحزب الحاكم للنتائج رغم أنها ليست في صالحه في تجربة تفتقدها سوريا والكثير من الدول العربية.

وبعيداً عن أي حسابات سياسية أو تحليلات للوضع الاقتصادي وما إلى ذلك من أمور بعيدة عن عالم الانتخابات قد تكون هذه التجربة في تركيا ملهمة للملايين من السوريين والعرب في بلادهم ما يجعلهم أكثر معرفة بحقوقهم وما يجب أن تكون عليه بلادهم في المستقبل.