icon
التغطية الحية

كيف حرمت لجان التقييم آلاف الأسر من المعونات الغذائية في دمشق؟

2024.03.20 | 04:30 دمشق

كيف حرمت لجان التقييم آلاف الأسر من المعونات الغذائية في دمشق؟
معونات غذائية في دمشق
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

تفاقمت معاناة السوريين مع بداية شهر رمضان، ولم يتوقف الأمر على الغلاء المعيشي الذي قسم ظهورهم أو غياب مقومات الحياة الأساسية كالكهرباء ومحروقات المواصلات والتدفئة في مناطق سيطرة النظام، بل تعدّاه إلى صعوبات الحصول على وجبة إفطار تليق بإنسانيتهم وتلبي بمحتواها احتياجهم الغذائي.

ويبدو رمضان في هذا العام مقلّاَ بخيراته وبحق الصائمين من السوريين؛ ولا سيما في ظل غياب المساعدات الإنسانية "السلات الغذائية" التي كانت تسند العائلات المهجّرة والفقيرة في السنوات الماضية.

إيقاف المعونات الرمضانية

أملت العائلات في مناطق سيطرة النظام، بالحصول على سلّة رمضان الغذائية، التي كانت الجمعيات الخيرية مثل جمعية حفظ النعمة والمنظمات الإنسانية كمنظمة الهلال الأحمر السوري، توزعها كل عام في هذا الشهر الفضيل.

وعلى عكس الآمال، لم يتلقَ المسجلون في الهلال الأحمر أي رسالة أو إشعار للمساعدات الرمضانية الغذائية أو النقدية؛ ويأتي ذلك بالتزامن مع تطبيق قرار برنامج الأغذية العالمي بإيقاف مساعداته المقدمة لعامة السوريين بدءاً من مطلع العام الجاري 2024.

وحرمت بعض العائلات من مخصصاتها من المساعدات بعد أن أقيمت حملة "تقييم" للعائلات المُسجلة على السلات الغذائية، إذ أرسلت جمعية حفظ النعمة التابعة للهلال الأحمر السوري، "لجان التقييم" منذ نهاية عام 2020 واستمرت إلى 2021 من أجل دراسة وضع العائلات ذات البيانات المسجلة لديهم، وإعادة تقييمها إلى "مستحقة" و"غير مستحقة" إلى جانب تصنيف الفئة المستحقة في فئات حسب حدّة احتياجها.

لجان التقييم "غير العادل"

بعد إجراء التقييم، حُذفت أسماء مئات العائلات في مدينة دمشق وريفها، من جداول استلام الحصص الغذائية على الرغم من كون بعض العائلات المحرومة تعيش وضعاً إنسانياً مأساوياً لكونها تضم أفراداً يعانون من أمراض مزمنة أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو أطفالاً.

في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، أوضحت (أم عمر) كيف تمّ حرمانها من السلة الغذائية بصورة تامة بعد زيارة اللجنة لبيتها في منطقة دف الشوك، على الرغم من وضعها المادي المتردي ومعاناتها من دفع الإيجار الشهري لمنزلها.

تقول أم عمر: "زارت اللجنة بيتي في الشهر الرابع من عام 2021، وقد سجلوا بياناتنا الشخصية إضافة إلى الأمراض المزمنة التي أعاني منها والوضع الصحي لبقية أفراد العائلة، ثم تفحّصوا أثاث المنزل والقطع الكهربائية الموجودة فيه، وطلبوا مني عقد إيجار المنزل، وعلى الرغم من كونهم وعدوني آنذاك بمساعدتي في الحصول على غسالة جديدة إلى جانب استمرار حصولي على السلة الغذائية، إلا أنني اكتشفت أنهم حذفوا اسمي من قوائم المستحقين منذ تلك الزيارة ولم أحصل بعدها على أي نوع من المساعدات، على الرغم من سوء وضعي المادي ومرضي بالديسك، كما لدي ولد مصاب بالتهاب العصب الوركي... ولم يأخذوا ذلك بعين الاعتبار".

"جائزة ترضية" مليون ونصف ليرة

توقفت المساعدات عن بعض العائلات منذ نهاية عام 2021؛ إذ لم يتلقوا لقرابة السنة أية رسائل أو مكالمات من الهلال الأحمر لاستلام حصصهم الغذائية، وبعد هذا الانقطاع تمّ تسليمهم مبلغا ماديا كبديل عن الحصص التي لم يستلموها في الأشهر الماضية.

تتحدث (أم جميل) التي تعيش في منطقة جرمانا لموقع تلفزيون سوريا عن تأثير انقطاع المساعدات الشهرية وزيادة العبء المادي المترتب على ذلك ولا سيما مع الغلاء المعيشي المتفاقم عاماً بعد عام وانعدام القدرة الشرائية.

تضيف "انقطع استلام الحصص الغذائية لمدة سنة تقريباً ، ثم وصلتنا رسالة بمبلغ مالي من شركة الفؤاد من دون أن نعلم ما السبب، وعند تسلّم المبلغ أوضحت الموظفة أن المبلغ المقدر بمليون ونصف هو بديل عن الحصص المستحقة والتي لم نتسلمها خلال الفترة الماضية، وأن هذا المبلغ يمنح لمرة واحدة فقط للعائلات التي رُفع عنها الاستحقاق بعد التقييم".

حصص ناقصة وأخرى مسروقة

عانى الأهالي خلال السنوات الماضية التي تمّ فيها توزيع الحصص الغذائية من تأخير استلام سلاتهم الغذائية لمدة قد تتجاوز الأربعة وخمسة أشهر، ما يعني تكفّلهم بإحضار المواد الأساسية مثل الزيت والرز والسكر في الأشهر التي تأخر فيها التسليم وبالتالي زيادة الأعباء المادية على رب الأسرة.

فضلاً عن الانتظار في طابور طويل من الصباح الباكر حتى المساء من أجل استلام حصّتهم عند توزيع المستحقات في مراكز الهلال.

أما المشكلة الثانية فهي نقص بعض المواد التموينية من الحصص سواء بغياب المادة بشكل كامل عن حصتهم لبعض الأشهر مثل: غياب المعلبات كالفول والمسبّحة والتونا والسردين والحليب. أو وجود نقص في كميات المواد الموزعة؛ إذ كان يتم تسليم 5 عبوات (بسعة ليتر واحد) من الزيت النباتي بدلاً من تسليم المستحقين 6 عبوات.

مصدر خاص من اللجان التابعة للهلال الأحمر في منطقة التضامن جنوب دمشق، أوضح لموقع تلفزيون سوريا أن العديد من الحصص التموينية الشهرية تمت سرقتها بشكل كامل وبالتالي تم حرمان العائلات المستحقة لها بحجة أن لا حصة لهم هذا الشهر وبالتالي عليهم الانتظار لشهر آخر، كما تم سحب بعض المواد من الحصص بحجة تخفيض المخصصات أو نقص المواد من المصدر الأساسي.

يقول (عثمان – اسم مستعار): "لم تكن سرقة الحصص الغذائية جديدة علينا، لكن الوقاحة في الحجج والأسباب عند سؤال المستحقين عن حصصهم كانت أمراً يستحق الوقوف عنده، إذ تمّ ملء مستودعات كاملة من المواد التموينية في منطقة التضامن بالتعاون بين السارقين والمختار ولجان الحي، وحتى بسكويت الأطفال (المدّعم بالفيتامينات) لم يَسلَم من دناءة نفوسهم؛ فقد تم بيعه مع بقية المواد التموينية المسروقة على بسطات تنتشر في المنطقة سواءً بالقرب من فرن الزاهرة الاحتياطي أو عند مدرسة الاسكندرون".

وبالتقصي عن حقيقة الأمر، تبين أن البسكويت الذي تحدث عنه المصدر  المذكور آنفا والذي يوزع مجاناً للأطفال في المدارس يتم بيع العلبة الواحدة منه بثلاثة آلاف ليرة سورية للأطفال نفسهم المستحقين له مجاناً، إذ يباع على عربة متنقلة بالقرب من مدرستهم، يرتدي صاحبها سترة عسكرية.

أما مواد الحصص التموينية المسروقة، فيتم بيعها عادةً بسعر أقل من سعر السوق بفارق بسيط؛ ففي الوقت الذي وصل فيه سعر عبوة الزيت من إحدى الشركات الغذائية المحلية إلى 24 ألف ليرة سورية، تُباع فيه علبة الزيت التي تحمل شعار برنامج الأغذية العالمي وعبارة "غير مخصص للبيع" بـ 21 ألف ليرة سورية.

التوزيع بنمط "النقاط"

بعد استبعاد عدد كبير من العائلات من برنامج المساعدات الغذائية، تم تقسيم الفئات المستحقة حسب شدة احتياجها إلى أربع فئات:

احتياج شديد جداً: سلة غذائية + مساعدة مالية (شهرياً)

احتياج شديد: سلة غذائية شهرية

احتياج فوق المتوسط: سلة غذائية كل شهرين

احتياج متوسط: سلة غذائية كل ثلاثة أشهر.

الجدير بالذكر أن جمعية حفظ النعمة اتبعت أسلوباً جديداً في التوزيع عبر مركزها الكائن في منطقة باب مصلى وسط دمشق، وهو أسلوب "تجميع النقاط" الذي يعتمد على تخصيص عدد معين من النقاط لكل مادة غذائية ثم يتم منح العائلات المستحقة قسيمة لأخذ المواد التموينية من المستودع "المول المصغّر" الموجود أيضاً في باب مصلى.

مصدر في داخل جمعية "حفظ النعمة" أوضح لموقع تلفزيون سوريا آلية التسليم عبر النقاط، يقول (صالح – اسم مستعار): "تُرسل الجمعية إلى أرقام المستحقين رسالة نصية بعدد النقاط التي يستحقونها: مثلاً 350 نقطة، ثم يتوجهون إلى مركز باب مصلى ويشهرون الرسالة للموظف الذي يمنحهم قسيمة يستطيعون من خلالها أخذ ما يحتاجونه من المواد بما يعادل عدد النقاط المخصص لهم".

المصدر أكد أن ذلك ساعد العائلات في ازدياد الخيارات الغذائية المتاحة أمامهم، فضلاً عن عدم إجبارهم على مواد لا يحتاجون إليها، إذ إنّ مخصصات السلات في السابق كانت محددة وبعضها غير مرغوب به من قبل العائلات؛ مثل الكميات الكبيرة من العدس الأحمر أو الحُمُّص اليابس، والذي يزيد عن حاجة بعض العائلات.

وهو ما أعطى مبرراً في السابق لبعض العائلات لبيع حصصها كاملةً أو بعض المواد التي لا يحتاجون إليها مقابل شراء مواد أخرى بثمنها.

مصدر من الأهالي في منطقة مخيم اليرموك، أوضح لموقع تلفزيون سوريا أن آخر قسيمة نقاط تسلّمها بعد انقطاع طويل كان في مطلع العام الحالي 2024، ولم يتسلّم أي رسالة بحصوله على نقاط إضافية مع بدء شهر رمضان، من دون أن تكون لديه فكرة إذا ما كان سيحصل على المزيد من المعونات الغذائية أم أن تلك كانت المرة الأخيرة، ولا سيما بعد إعلان برنامج الأغذية العالمي إيقاف المساعدات خلال هذا العام بسبب "نقص التمويل".

%70 من السوريين بحاجة المساعدات

وأدى الفقر بالسوريين في مناطق النظام السوري إلى الاعتماد على البقوليات والحبوب مع غياب اللحوم الحمراء والبيضاء عن موائدهم الرمضانية؛ إذ عمدت ربّات البيوت إلى الاعتماد على العدس الذي يسميه السوريون "لحم الفقراء" والبرغل "مسامير الركب" من أجل تعويض الحديد والحصول على البروتين.

في حين عمد البعض إلى الاعتماد على البيض كمصدر وحيد للبروتين الحيواني لا يزال ضمن قدرتهم المادية، رغم وصول سعر البيضة الواحدة إلى 2200 ليرة سورية.

ويأتي إيقاف الحصص التموينية والمعونات الغذائية بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تعدّ من عادات رمضان مثل: "المعروك و"الناعم" بنسبة وصلت إلى 150 %، بينما وصل سعر السلة الرمضانية الخالية من اللحوم والفاكهة، إلى ما يقارب المليون ونصف ليرة سورية هذا العام.

وفي الوقت الذي يعيش فيه أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر وفق بيانات الأمم المتحدة، تتعمد حكومة النظام السوري "سياسة التجويع"، عبر رفع الأسعار بين الحين والآخر بقفزات هائلة، واتباع لعبة "رفع الدعم الحكومي" عن العديد من العائلات بالنسبة للمواد الأساسية، كالخبز والسكر والمحروقات والغاز.

يُشار إلى أنّ المبعوث الأممي إلى سوريا صرّح يوم الجمعة الفائت بتاريخ 15 آذار 2024 عن تفاقم الاحتياجات الإنسانية في سوريا بالتزامن مع ازدياد وتيرة العنف والقتل من دون الوصول إلى حل سياسي.

إذ إنّ قرابة 17 مليون سوري؛ أي ما يعادل 70 بالمئة من السوريين داخل البلاد بحاجة حقيقية إلى المعونات الغذائية والدعم المالي.

قال بيدرسون في بيانه: "يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، وهو أكبر عدد من المحتاجين منذ بدء الصراع، كما أن هناك أكثر من 5 ملايين لاجئ يعيشون في الدول المجاورة، وأكثر من 7 ملايين نازح داخل سوريا".