icon
التغطية الحية

كيف حركت أزمة اللجوء السورية الشارع في نيوجيرسي؟

2021.12.21 | 13:50 دمشق

01fcd64a-ddc4-42eb-82eb-4f752a3056d1-072221-jersey_city-syrianrefugees-005.jpg
لاجئات سوريات في مدينة نيوجيرسي (northjersey)
نورث جيرسي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في صيف عام 2015، هزت الشارع الأميركي صور اللاجئين السوريين بسبب الحرب وقد تجمعوا في قوارب هشة ليقطعوا المتوسط، فضلاً عن صورهم في المخيمات وعلى الحدود كونهم أخذوا ينشدون الأمان لعائلاتهم.

وهكذا وعلى بعد آلاف الأميال في هايلاند بارك، تأثرت جوقة أطفال بمحنة هؤلاء الناس، لذا خلال قداس يوم الأحد، غنوا ترنيمة تتخللها أقوال لأطفال لاجئين سمعوها في فيلم وثائقي، ومنها: "رباه! أريد من يسوع أن يسير معي... كانت الطائرات الحربية تأتي وتقصف، فأصابتنا شظايا... في المحن التي عشتها كان الرب معي... إنهم في حالة صدمة، لدرجة تشعر معها بأنهم لم يعد لديهم قلب".

كانت تلك دعوة لليقظة بالنسبة للقس سيث كابر-ديل، بما أنها أسهمت في تغيير طريقة تعاطي الأميركيين مع اللاجئين.

وهنا يتذكر قس الكنيسة الإصلاحية في هايلاند بارك ما جرى فيقول: "خرجت وقلت: لقد سبقنا هؤلاء الأطفال، لذا يجب أن نقدم أكثر". وبعد أيام على ذلك، توجه القس لتقديم الدعم والمساعدة لإحدى المنظمات التي تقدم مساعدات للاجئين.

لم يكن حشد المصلين هذا الوحيد الذي لبى ذلك النداء، إذ خلال العقد الذي بدأ منذ اندلاع الحرب التي تسببت بأكبر أزمة لجوء في العالم، حشد متطوعون ومنظمات في المنطقة تمويلاً للآلاف من اللاجئين الذين فروا إلى الولايات المتحدة وقد أسفرت جهودهم عن بناء شبكة علاقات دائمة مع العديد من المنظمات والبرامج التي ما تزال تعمل اليوم، حتى بعد فترة طويلة من انخفاض عدد اللاجئين القادمين من سوريا.

 

1cc2aa58-ca87-4d7d-a04a-1eb8297124fc-072221-Jersey_City-SyrianRefugees-006.jpg
متطوعة في Jersey City Welcome Home تساعد طفلاً سورياً في مشروع للفنون والحرف

 

توسعت تلك البرامج الإنسانية الناشئة لتسهم في مساعدة مزيد من اللاجئين في الولايات المتحدة، وقد شمل ذلك موجة اللجوء الجديدة القادمة من أفغانستان. بيد أن أثرها بات واضحاً اليوم بما أن هذه المنظمات أصبحت تؤمن شققاً للاجئين وتقوم بتزويدها بالمفروشات، إلى جانب تقديمها لمساعدة في دفع الإيجار، مع مساعدة القادمين الجدد على تعلم الإنجليزية ومهارات عملية جديدة.

"كان هنالك فيض جارف من الدعم"

بالنسبة لأغلب المتطوعين، كانت صورة آلان الكردي التي تمزق القلوب نقطة تحول، فقد غرق هذا الطفل البالغ من العمر 3 أعوام برفقة والدته وشقيقه وهم يحاولون الوصول إلى اليونان في قارب مطاطي، وذلك خلال شهر أيلول من عام 2015، وقد أظهرت تلك الصورة التي التقطها صحفي تركي وجابت بقاع العالم كله طفلاً وقد اندفن رأسه في رمل الشاطئ، يرتدي قميصاً أحمر، وبنطالاً قصيراً وحذاء خفيفاً بقي في قدميه حتى بعد غرقه.

وعن تلك الصورة حدثتنا كورتني مادسين مديرة مكتب مدينة جيرسي لخدمة الكنائس العالمية، وهي وكالة تعنى بإعادة التوطين، فقالت: "لقد أضفت تلك الصورة لمسة إنسانية على الخوف الذي عانت منه العائلات وعلى المعاناة التي عاشوها، وجعلت من النزاع شيئاً بوسع الناس أن تشعر به بدلاً من الاكتفاء بمشاهدة صور القصف والأبنية المدمرة عبر التلفاز".

وتخبرنا كورتني بأن خطاب ترامب وسياساته المعادية للاجئين أدت لظهور موجة دعم هي أيضاً.

في ذلك الحين كانت وكالات إعادة التوطين مشغولة بدعوة الأفراد للتطوع، ولكن في مكتب مدينة جيرسي لخدمة الكنائس العالمية زادت التبرعات عشرة أضعاف بحسب ما ذكرته كورتني.

وانتشرت تلك الحالة في مختلف أرجاء الولايات المتحدة، حيث تقول كورتني: "كان هنالك فيض جارف من الدعم".

سياسة ترامب المعادية للهجرة واللجوء

بعد أن اختفت سوريا من العناوين الرئيسية للصحف، بقيت ثلة من المنظمات التطوعية في نيو جيرسي ملتزمة بتلك القضية، إلا أن الأمر كانت خطيراً بالنسبة لوكالات إعادة التوطين، التي اضطر بعضها إلى إغلاق مكاتبه المحلية وصرف كوادره من الخدمة بعد القيود الصارمة التي فرضها ترامب على قبول دخول اللاجئين إلى البلاد.

فقد سمح الرئيس السابق بدخول 53700 لاجئ خلال سنته الأولى في الحكم، أي أن العدد كان أقل من عدد المقبولين في السنة التي قبلها والذي بلغ 85 ألف لاجئ. وواصلت تلك الأرقام انخفاضها، لتصل إلى أدنى مستوى لها في عام 2020 والذي بلغ 12 ألفاً فقط، وذلك بعدما خفض ترامب عدد المقبولين كما أصبحت عملية معالجة طلبات القبول أبطأ بسبب جائحة كوفيد.

أدى هذا الانخفاض إلى هبوط في عمليات تمويل وكالات اللاجئين التي تحصل على 2175 دولاراً من خزينة وزارة الخارجية عن كل لاجئ تقوم بإعادة توطينه.

 

01fcd64a-ddc4-42eb-82eb-4f752a3056d1-072221-Jersey_City-SyrianRefugees-005.jpg
ضحى لاجئة من سوريا، خلال فصل دراسي للغة الإنجليزية كلغة ثانية وتجمع للاجئين في جيرسي

 

واليوم انقلبت الأمور نحو الاتجاه المعاكس، وذلك لأن الشعب الأميركي يسعى لتوطين آلاف اللاجئين الأفغان الذين تم إخراجهم من بلدهم. وحتى قبل الانسحاب الأميركي من أفغانستان، سعى الرئيس جو بايدن لرفع نسبة قبول اللاجئين لتصل أعدادهم إلى 125 ألف لاجئ عن كل سنة مالية تبدأ في 1 تشرين الأول.

إلا أن كريستي وغيره من حكام الولايات الأميركية اعترضوا على ذلك مستشهدين بمخاطر تتصل بالأمن، حتى في الوقت الذي أصر فيه المدافعون عن اللاجئين بأن عملية التدقيق كانت وافية، فقد سبق لترامب عندما كان مرشحاً أن صور اللاجئين على أنهم يمثلون تهديداً وعبئاً، وهذا ما يهدد الدعم الحزبي الدائم لعملية إعادة توطين اللاجئين.

منظمات عديدة هدفها مساعدة اللاجئين

أخذ متطوعون من منظمة هموم بين الأديان في نورث جيرسي، تضم أعضاء من 25 طائفة دينية مختلفة، يبحثون عن طرق وأساليب لتقديم المساعدة، حيث يقول رئيس هذه المجموعة جيم أدرينو: "إن منظر المعاناة في تلك المخيمات والأطفال الذين يمكن أن يكونوا أطفالنا أو أحفادنا، أثر في قلوبنا".

ولذلك ارتبطت منظمته بمنظمة الاستجابة والمساعدة الطارئة العالمية وهي منظمة أقيمت في نورث جيرسي وأخذت تساعد الأسر السورية منذ عام 2015 عبر تقديم هبات على شكل مفروشات وملابس إلى جانب إقامة شبكات لتأمين عمل لهم ومساعدتهم في التقديم للحصول على معونات. وأقامت هذه المنظمة رحلات كما استضافت برامج تعليمية في أماكن تم التبرع بها بمدينة واين.

إلا أن عدد اللاجئين السوريين هبط مع فرض ترامب لقيود صارمة عليهم، ولكن شبكة المنظمات المدنية بقيت، بل وسعت من مهامها.

ففي منطقة مونتكلير، دعت منظمة نادي الغداء السوري لاجئين ليقوموا بطهي وتناول الطعام برفقة عائلات من الأهالي، الأمر الذي ساعد القادمين الجدد على كسب بعض المال والتواصل مع جيرانهم. وبعد أن غيرت هذه المنظمة اسمها إلى النكهات المتحدة الأميركية، أصبحت تقدم اليوم تدريباً على فنون الطهي وفرصاً لتقديم خدمات الإطعام لشريحة واسعة من الأميركيين الجدد.

وفي سوميت، ظهرت منظمة عالم واحد حب واحد التي تأسست في عام 2016، عبر دعوة لجمع التبرعات، ثم تطورت لتصبح منظمة تشتمل على 100-200 متطوع فعلي وألفي متابع على فيس بوك بحسب ما ذكرته مؤسستها ومديرتها سالي الصادق. وقد ساعدت تلك المنظمة أكثر من 300 أسرة في تأثيث بيوتها، وتزويدها بالأسرة والستائر والأواني والألعاب. كما نظمت هذه المنظمة دروساً لتعلم الإنجليزية ورحلات إلى المتنزهات والمتاحف والشواطئ لكسر العزلة والاكتئاب الذي يعيشه كثير من اللاجئين.

يقول أنصار حملة المساعدة إنهم بحاجة ماسة إلى تلك المساعدات، إذ يحصل اللاجئون عادة على مساعدة الحكومة الفيدرالية التي تغطي أول 30 إلى 90 يوماً من تكاليف السكن فضلاً عن المساعدة النقدية التي تستمر لمدة ثمانية أشهر، والهدف من ذلك هو دفع اللاجئين بسرعة نحو الاكتفاء الذاتي.

إلا أن الأمور تنتهي باللاجئ في معظم الأحيان إلى الاعتماد على المعونات الحكومية وذلك نظراً لحصوله على عمل بأجر متدن، بحسب ما ذكرت جين باتالوفا، وهي من كبار المحللين السياسيين في معهد سياسات الهجرة، حيث تقول: "إن الجانب المظلم لبرنامج إعادة توطين اللاجئين يتمثل في تركيزه على إيجاد عمل بسرعة للاجئ، إلا أن الناس يحتاجون إلى وقت أطول حتى يعتادوا ويتكيفوا وحتى يتعلموا اللغة ويكونوا معارف وصداقات بحيث يصبح بإمكانهم أن يخرجوا من إطار الوظائف التي تحتاج إلى أقل المهارات والتي تفتقر إلى أي ترقية مهنية، وينطبق ذلك إلى حد كبير على الأشخاص الذين يحملون درجات تعليمية عالية".

أكثر من مجرد صلاة

منذ أن تحولت الترنيمة التي قدمها الأطفال في هايلاند بارك إلى مصدر إلهام للكبار، تحولت الكنيسة الإصلاحية إلى شيء أكبر من دار عبادة.

إذ بعد فترة قصيرة من تأدية تلك الجوقة لهذه الترنيمة، أقامت الكنيسة مسيرة لدعم اللاجئين انضم من خلالها 300 شخص إلى المتطوعين كما تم جمع 12 ألف دولار أميركي كتبرعات. وكذلك جمع كابر-ديل 40 ألف دولار أخرى بعدما نقلت المحطات الإخبارية رده على تحذيرات كريستي من اللاجئين، ويعلق القس على ذلك بقوله: "لم تكن لدينا فكرة عما كنا نقوله، وعن طريقة عمل إعادة التوطين، بل كل ما فكرنا فيه هو أنه ينبغي على الجميع أن يشارك في هذا".

بعد ذلك أسس كابر-ديل منظمة تحمل اسم "نهوض بين الأديان" لدعم اللاجئين وطالبي اللجوء، وفي عام 2016، تم تصنيف تلك المنظمة على أنها منظمة تابعة لإحدى الوكالات التسع المتخصصة بإعادة التوطين في البلاد، وذلك من قبل وزارة الخارجية الأميركية.

وهذه المنظمة التي يديرها القس كابر-ديل تأسست في عام 2021 وكان لديها 10 موظفين ووكلاء في كل بقاع العالم، غير أن هذا الفريق توسع بشكل كبير مع ظهور الأزمة في أفغانستان، فأصبح لدى هذه المنظمة اليوم 40 موظفاً وستفتتح مكتباً جديداً لها في ساوث جيرسي. ومن بين 505 أسر لاجئة قامت هذه المنظمة بتقديم المساعدة لها خلال هذا العام، كانت هنالك 180 أسرة وصلت إلى الولايات المتحدة منذ الأول من أيلول الماضي.

يرى المدافعون عن هذه القضية في نيوجيرسي بأن النزاع السوري كان مصدر إلهام ليس فقط بالنسبة للدعم المادي بل أيضاً في ظهور وعي ونشاط جديد من أجل قضايا اللجوء والهجرة، حيث أصبح المتطوعون الذين يتعاملون مع اللاجئين يقومون بزيارات للنواب الأميركيين، وينظمون مسيرات ويلقون خطابات في دور العبادة وغيرها من المؤسسات حول موضوع إعادة التوطين.

ويعلق كابر-ديل على ذلك بقوله: "كانت الحالة السورية هي ما جعلنا نتأثر وحفزنا على الانطلاق على الفور، ولكننا قلنا منذ البداية إن المكان الذي أتى منه الناس لا يهمنا، بل ما يهمنا هو أنهم أشخاص بحاجة وبوسعنا أن نقدم لهم المساعدة".

 

المصدر: نورث جيرسي