icon
التغطية الحية

كيف استغل "نظام الأسد" المساعدات الإنسانية في الغوطة؟

2018.03.29 | 18:03 دمشق

بيتر ماورير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الغوطة الشرقية - 15 آذار (AFP/Getty Images)
فورين بوليسي - ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، اليوم الخميس، حواراً أجرته مع رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر ماورير، حول زيارته لضواحي الغوطة الشرقية، التي شهدت أسوأ أزمة إنسانية في الشرق الأوسط، حسب ما ذكرت المجلة.

وأوضحت المجلة خلال حوارها مع "ماورير" في العاصمة اللبنانية بيروت، كيفية استغلال "نظام الأسد" للمساعدات الإنسانية في تضييق الحصار على الفصائل العسكرية في الغوطة الشرقية، وذلك وفقاً لما شاهده وعاينه خلال زيارته للغوطة التي اعتبرها أحد الأماكن الخمسة الصعبة التي زارها خلال ست سنوات مضت منذ أن شغل منصب رئاسة "الصليب الأحمر".

واعتمد النظام وحلفاؤه - حسب المجلة - قواعد اللعبة المخادعة نفسها التي استخدمها قبل سنتين شرق حلب، حيث أخضع السكان إلى حصار متواصل وقصف جوي ومدفعي مستمر، إضافة لشنّهِ هجمات بالكلور والنابالم، والتي أدت إلى إجلاء أكثر من عشرة آلاف شخص، ما سمح للنظام تقريباً "القضاء على التهديد الذي تشكّله الغوطة (آخر معقل للمعارضة يهدد العاصمة دمشق).

يعيش سكان الغوطة الشرقية حياة تحت الأرض، حيث اضطروا للهرب إلى الملاجئ خوفا من عمليات القصف الجوي

ووفقا لما جاء على لسان "ماورير"، "يعيش سكان الغوطة الشرقية حياة تحت الأرض، حيث اضطروا للهرب إلى الملاجئ خوفا من عمليات القصف الجوي. وكانت جميع وجوههم شاحبة، نظرا لأنهم كانوا غير قادرين على التعامل مع العدد المتزايد من الجثث"، مضيفاً "عندما تتجول في هذه الأراضي، يسألك الناس عما إذا كان بحوزتك قنينة ماء. وهذا لا يحدث في أماكن كثيرة. ففي غالب الأحيان يطلب الناس الطعام، والكثير من الأشياء الأخرى. لكن، يحتاج أهل الغوطة إلى المواد الأساسية".

ويجد "ماورير" نفسه - كل يوم - في مواجهة مهمة محفوفة بالمخاطر، من أجل توفير المساعدات الإنسانية للمحتاجين، أما في سوريا، فيتمثل أهم تحدي واجهه، في إيصال المساعدات الطبية إلى الغوطة الشرقية. وعلى الرغم من أن قوات النظام تسمح بشكل دوري بتمرير أكياس الطحين والطرود الغذائية، إلا أنها تمنع دخول أدوات الإسعاف والمواد الطبية الأساسية، مثل الأنسولين.

 

الصليب الأحمر  والتعاون مع "نظام الأسد"

كذلك - حسب الصحيفة- يجب على "ماورير" أن يتعامل مع عداء النقّاد المواليين للمعارضة السورية، الذين يزعمون أن منظمات الإغاثة قد تخلت عن مبادئها وأصبحت متواطئة مع الحكومة السورية. ومن التهم الأخرى التي نسبت إليها، نذكر العمل على تقوية قبضة بشار الأسد على السلطة.

واضطرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى درء الانتقادات التي أثارها شريط فيديو يعرض مشهدا للرئيس "بشار الأسد" وهو يقود سيارته في إحدى طرق الغوطة الشرقية، في حين كانت تسير سيارة تابعة للصليب الأحمر وراءه، واعتبر بعض المعلقين المناهضين للنظام هذا الفيديو دليل على أن منظمة الإغاثة تقوم بتوفير الحماية للأسد.

في المقابل، ردّ "الصليب الأحمر" على هذه الاتهامات مبيناً أنه تم تصوير شريط الفيديو بالقرب من إحدى أكثر ميادين دمشق ازدحاما، لذلك، لم تكن سيارتهم تحمي "الأسد"، بل كانت من إحدى السيارات التي تسير في الشارع المزدحم، علاوة على ذلك، أكّدت المنظمة أنها لم تقم بإجراء أي عملية مساعدة في الغوطة الشرقية يوم تصوير الفيديو.

ولكن، يبدو أن هذه الحقائق لم تساعد على وقف سيل الانتقادات المتهاطلة على اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي انتشرت داخل الدوائر المناهضة لـ"نظام الأسد". وفي هذا السياق، كتب أحد المعارضين على لافتة ما مفاده أن "الأطفال الجرحى لم يخرجوا من الغوطة، لكن المجرم بشار الأسد دخلها".

ماطلت منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في تقديم المساعدات لمئات الآلاف من المدنيين في المناطق المحاصرة

في الحقيقة، تكمن العديد من الأسباب وراء الشكوك المستمرة التي تساور المعارضة تجاه منظمات الإغاثة، ومنذ سنوات، كتب العديد من الصحفيين الكثير من المقالات التي تطرقت إلى كيفية مساهمة رغبة هذه المنظمات في البقاء تحت ظل حماية "نظام الأسد"، في انحراف مسار المعونات الإنسانية وتبييض سلوك "الأسد"، على سبيل المثال، ماطلت منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في تقديم المساعدات المنقذة لحياة لمئات الآلاف من المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فضلا عن ذلك، سمح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لـ"نظام الأسد" بمحو أي إشارة إلى كلمة "المحاصرة" من تقرير الأمم المتحدة.

وتجدر الإشارة إلى أن المبادئ الأساسية للجنة الدولية للصليب الأحمر تنص على ضرورة إيصال المعونات دون أي تمييز على أساس الانتماء السياسي. فضلا عن ذلك، يجب على المنظمة أن تظل حيادية في ظل مثل هذه النزاعات، كما جعلت اتفاقيات جنيف وقرارات الأمم المتحدة، منظومة العمل الإنساني تُسلم لمبدأ سيادة الدول، وأوردت أنه "لهذا السبب، أصبح من غير المفاجئ أن تكون الحكومات وجهتنا الأولى بشكل دائم، وأن نسعى للتفاوض معهم حول ما نحن قادرون على فعله".

واستطرد "ماورير" قائلا إن هذا الأمر "أدى إلى نوع من اختلال التوازن" فيما يتعلق بتسليم المساعدات. وعلى الرغم من ذلك، سارع "ماورير" إلى التذكير بالجهود المضنية التي تتكبدها اللجنة الدولية للصليب الأحمر كي تدفع بـ"نظام الأسد" إلى توسيع نطاق توزيع المساعدات، مشيراً إلى أن المنظمة قدمت المساعدات الغذائية لحوالي ثلاثة مليون شخص في سوريا خلال السنة الفائتة، في حين تمكن أكثر من مليون شخص من التمتع بالخدمات الصحية.

وفي الغوطة الشرقية وحدها - حسب ماورير -، ينتفع عشرات الآلاف من الأشخاص بالغذاء والماء الصالح للشراب، فضلا عن مستلزمات النظافة الصحية التي توفرها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مضيفاً أنهم "على دراية بأن النتيجة غير مثالية، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار لحقائق القوة على أرض الواقع"، حيث تشتمل حقائق القوة هذه على قيادة الفرع المحلي للجنة الدولية للصليب الأحمر، المتمثل في الهلال الأحمر العربي السوري. وفي حين يبذل المتطوعون تحت راية الهلال الأحمر المحلي مجهودات جبارة، ويُعبّرون عن مجموعة من الآراء السياسية، يُعتبر كبار مسؤوليها مرتبطين بشكل وثيق بـ"نظام الأسد".

 

الهلال الأحمر السوري و"رامي مخلوف"

وفي هذا الصدد، تباهى رئيس الهلال الأحمر العربي السوري السابق، عبد الرحمن العطار، بروابطه المتينة مع رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس، بشار الأسد، الذي موّل الميلشيات الموالية للنظام. وحيال هذا الشأن، أشارت برقيات ديبلوماسية أمريكية صدرت عام 2008، إلى أن "عطار" المرجح أنه حلقة وصل مع "مخلوف"، حاول تأجير طائرات في خطوة تتعارض مع العقوبات الأمريكية.

وعندما توفي "عطار" في شباط/ فبراير الفائت، أشاد "ماورير" بقيادته وخدمته لشعب سوريا طوال حياته، فيما تساءلت صحيفة "فورين بوليسي" عن الطريقة التي يرسم بها "ماورير" الحدود، إذ يبرز السؤال جليا حول ما إذا كان العمل مع شخصيات مرتبطة بـ"نظام الأسد" هو ببساطة ثمن العمل في سوريا، أم أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قادرة على بلوغ نقطة تُعرِّض عندها علاقتها مع دمشق للخطر في سبيل حماية مبادئها؟

يرتبط الهلال الأحمر العربي السوري بـ"نظام الأسد" بشكل قانوني

واعترف "ماورير" باضطراره للتنقل، وهو ما مثّل مصدرا آخر للتوتر. فمن جهة، يرتبط الهلال الأحمر العربي السوري بـ"نظام الأسد" بشكل قانوني. ومن جهة أخرى، تنتمي هذه المنظمة المستقلة إلى تحركات الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدولية وتلتزم بمبادئها. في هذا السياق، يرى "ماورير" أن الصليب الأحمر لم يقترب من الوصول إلى القطيعة مع الهلال الأحمر العربي السوري. وصرح أن "تقييمه كان دائما يفيد بأن فرص تقديم المساعدة وتوفير حماية أفضل للشعب السوري تفوق خطر وجود قيادة مقربة من النظام".

وإن لم يكن تمشيط مناطق النزاع في بلد تنخره الحروب مثل سوريا أمرا شاقا بالقدر الكافي، فقد اضطر "ماورير" إلى إدارة العلاقات مع الجهات المانحة للجنة الدولية للصليب الأحمر، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي اضطلعت بتوفير النسبة الأكبر من ميزانية اللجنة السنوية، فيما أفاد "ماورير" أنه لم يتلق أي دلائل تشير إلى إدراج التمويلات الموجهة إلى اللجنة الدولية على لائحة الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، للأمور المزمع إلغاؤها. مضيفاً أن الصليب الأحمر يتمتع بـ"تفاعلات إيجابية للغاية" مع الولايات المتحدة بصفتها مانحا للتبرعات ودولة كبرى مشاركة في النزاعات حول العالم.

ولفت صحيفة "فورين بوليسي"، أنها أرادت التحدث عن إحدى هذه التفاعلات التي اكتست طابعا سلبيا، وسألت "ماورير" حول تقرير كتبته اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 2007 على وقع زيارة مسؤوليها لمنشأة الاحتجاز في خليج غوانتانامو، عن تقرير نشرته اللجنة حول تعذيب الولايات المتحدة للمعتقلين الواصلين للسجن عبر "مواقع سوداء" تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، إلّا أن "ماورير" تظاهر بالرزانة، وقال إن التقرير لم يُنشر مِن قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكنه سُرّب إلى المنافذ الإخبارية.

وختمت الصحيفة، أن كل ما ذكر آنفا أقرب ما يمكن التوصل إليه خلال السعي للدفع بـ "ماورير" إلى التعمق في الحديث عن السياسة الأمريكية، مع العلم أن البلدان تتغير، ولكن الاستراتيجية تبقى كما هي. وفي عالم "ماورير" يحيل تقديم أداء جيد إلى العمل مع أولئك المتواطئين في المشاكل التي يسعى إلى حلها، كما لا يعتبر الأمر مقتصرا على سوريا فقط.