icon
التغطية الحية

قلق يساور اللاجئين السوريين حيال خطط ترحيلهم من لبنان

2022.07.21 | 15:42 دمشق

أطفال سوريون يلعبون كرة القدم في مخيم بمدينة بر إلياس بالبقاع اللبناني - المصدر: ستارز آند ستريبس
أطفال سوريون يلعبون كرة القدم في مخيم بمدينة بر إلياس بالبقاع اللبناني - المصدر: ستارز آند ستريبس
ستارز آند سترايبس- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أثناء جلوسها خارج خيمتها في أحد المخيمات شرقي لبنان، أخذت لاجئة سورية تبلغ الثلاثين من العمر تتأمل غروب الشمس وهي تفكر بالخيارات المتاحة أمامها والتي ازدادت سوءاً في الآونة الأخيرة، إذ هربت أم جواد إلى لبنان في عام 2011 بعد حصار النظام السوري لمدينتها حمص، وتدبرت أمور العيش هناك طوال العقد الماضي، بالرغم من الانهيار الاقتصادي المدمر الذي تشهده البلاد والمزاج السيء تجاه اللاجئين السوريين.

إلا أن لبنان اليوم بات يرغب بإعادتها هي ومليون لاجئ آخر إلى سوريا، بذريعة أن معظم أنحاء ذلك البلد الذي دمرته الحرب أصبح آمناً، وهذا ما بث الرعب في قلب أم جواد، إذ على الرغم من صعوبة الحياة وقسوتها في لبنان، إلا أنها ماتزال تخشى من العودة إلى سوريا لأن ما ينتظرها هناك هو الموت المحقق.

الخيار الأول: الموت غرقاً

أصبحت أم جواد تفكر بالسفر إلى أوروبا بحراً برفقة زوجها وولديها اللذين يبلغ أحدهما 11 عاماً والثاني ستة أعوام، بالرغم من خطورة الرحلة، إذ في أوروبا، بوسعها أن تكمل دراستها وتنال شهادة جامعية بالمحاسبة، وأن تسجل ولديها في المدرسة مع ضمان تكفل الدولة بنفقات دوائها كونها تعاني من الصرع، ولذلك تحدثت دون أن تكشف عن اسمها الحقيقي وقالت: "يعيش الأوروبيون حياة أفضل بينما نعيش هنا أنا وزوجي وأولادي في خيمة".

دفع الانهيار الاقتصادي في لبنان الذي يعتبر الأسوأ في التاريخ الحديث عدداً كبيراً من اللبنانيين والسوريين إلى خوض غمار تلك الرحلة البحرية الخطرة للسفر إلى أوروبا، بعدما أعلنت الحكومة اللبنانية مؤخراً عن خطة لترحيل 15 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم شهرياً، وهذا ما قد يدفع المزيد من الناس لخوض تلك الرحلة، في الوقت الذي ينوء فيه كاهل أوروبا عن حمل ملايين اللاجئين الأوكرانيين الذين هربوا من بلدهم بعد الحرب التي اندلعت فيها قبل أشهر.

أعلن الجيش اللبناني وكذلك الجهات الأمنية بلبنان عن إحباطهم لمحاولات الهجرة قبالة السواحل الشمالية بشكل أسبوعي. ثم إن سبعة مهاجرين على الأقل غرقوا في شهر نيسان الفائت عقب مواجهة بين قارب يحمل لبنانيين وسوريين مهاجرين والجيش اللبناني.

تقول أم جواد: "لم يعد اللبنانيون سعداء بحياتهم هنا ولهذا يحاولون السفر ، إذن ماذا يعني ذلك بالنسبة للسوريين؟ أتمنى أن يساعد الله اللبنانيين والسوريين على الخروج من هذه الأزمة".

الخيار الثاني: الدفع بالدين

تعيش أم جواد في مخيم للاجئين السوريين بالقرب من المعبر الحدودي الشمالي للبنان مع سوريا، حيث يلعب الأطفال كرة القدم في أزقة المخيم الشبيهة بالمتاهة، في حين يشتري الأهالي بعض الحاجيات من بائع متجول يمر بعربته من هناك، كما أقام رجل صالون حلاقة داخل إحدى الخيام في ذلك المخيم.

بيد أن الحياة في المخيم باتت أصعب من ذي قبل، وذلك لأن التعب الذي أصاب الجهات المانحة، وتفشي جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان، كلها أجبرت المزيد من اللاجئين على التعامل بالدين لشراء المواد الغذائية والأدوية ودفع بدل الإيجار.

الخيار الثالث: العودة القسرية

أعلن لبنان الذي يبلغ تعداد سكانه خمسة ملايين نسمة أنه لم يعد بوسعه تحمل نفقات استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري، ولهذا فقد عقد العزم على بدء ترحيلهم خلال أشهر، بالرغم من معارضة الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لهذا الإجراء.

يذكر أن السلطات اللبنانية دعمت عمليات الإعادة القسرية للاجئين طوال السنين الماضية، إلا أنها لم تخرج بخطة شاملة حيال ذلك إلا مؤخراً. ولتبرير تلك الإجراءات، أعلنت الحكومة اللبنانية بأن مسؤولين سوريين أكدوا لها بأن هنالك الكثير من المناطق الآمنة التي بوسع اللاجئين العودة إليها اليوم.

في وثيقة صادرة عن الحكومة اللبنانية حصلت عليها أسوشيتد برس، أكدت دمشق لبيروت في نيسان الماضي بأن من يعود من اللاجئين سيحصل على بطاقات هوية وشهادات ميلاد وخدمات اجتماعية وسكن مؤقت وبنية تحتية ملائمة، كما ذكر المسؤولون السوريون بأن العائدين سيستفيدون من مراسيم العفو التي أصدرها بشار الأسد بحق المعارضين السياسيين والفارين من الجيش.

ولكن في الواقع، من الصعب على نظام الأسد إعادة إعمار المناطق التي استعادها بعد حصار وقصف مدمر، كما أن الاقتصاد السوري بات في حال يرثى لها كما هي حال الاقتصاد اللبناني. أما العقوبات الغربية التي فرضت على النظام جراء قمعه الوحشي للمعارضة السياسية في عام 2011 فقد زادت من وضع الانكماش الاقتصادي سوءاً.

يخشى كثير من اللاجئين السوريين على أمنهم في حال إرغامهم على العودة إلى بلدهم، وأكثر ما يخيفهم هو ذلك القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية السورية سيئة الصيت المنتشرة في كل مكان بسوريا. فلقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش الكثير من الحالات التي تعرض فيها لاجئون سوريون للاعتقال والتعذيب والكثير من انتهاكات حقوق الإنسان بمجرد عودتهم إلى بلدهم، حتى بوجود تصاريح أمنية صادرة عن الحكومة السورية تفيد بعدم المساس بهم، بحسب ما ذكرته لما فقيه مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى تلك المنظمة.

ولذلك فإن أم جواد قلقة على زوجها الذي قد يجبر على العودة إلى البلاد والانخراط في الجيش، ولهذا تقول: "هنالك حواجز تفتيش لا يفصل بينها إلا بضعة مئات من المترات، كما نصبت تلك الحواجز بين الأحياء، وتفشت الجريمة في البلاد، أي أنك لن تشعر بالأمان حتى وأنت في بيتك".

يخبرنا حسان المحمد الذي يعمل في أراضي سهل البقاع الخصبة بلبنان برفقة العديد من أولاده الذين يبلغ عددهم 12، بأنه يحلم بالعودة إلى بيته، إلا أن الوقت لم يحن لتحقيق ذلك الحلم بعد، كما ذكر بأن مدينته تقع جنوب غربي مدينة حلب أي أنها ماتزال على الجبهة، ولهذا يقول: "هل ينبغي علي أن أهرب من أزمة اقتصادية حتى يذبح أفراد أسرتي؟"

توتر بين السوري واللبناني

في الوقت ذاته، يرى غالبية اللبنانيين بأن إعادة السوريين إلى بلدهم سيخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية على لبنان، بعدما أصبح ثلاثة من بين كل أربعة أشخاص اليوم يعيشون في فقر هناك.

ولذلك أصبح التوتر بين اللبنانيين والسوريين أمراً واضحاً وملموساً.

إذ يخبرنا المحمد بأن المخابز تفضل اللبناني على السوري بربطة الخبز في بعض الأحيان، ولهذا فإنها تبقي السوريين وغير اللبنانيين ينتظرون دورهم لساعات. وأكثر ما يثير حفيظة المحمد هو تلك المزاعم بأن اللاجئين يستفيدون مادياً على حساب اللبنانيين، ولهذا يعلق بالقول: "لقد خفضوا المساعدات، ولهذا فإننا نعمل حتى نأكل، وكل ما نجنيه من مال بالكاد يكفي لشراء الخبز".

خلال الأشهر القليلة الماضية، اقترحت الوزارات اللبنانية على المفوضية العليا للاجئين أن تمرر المساعدات المخصصة للاجئين إلى سوريا، بهدف تحسين الأوضاع فيها وتشجيع الناس على العودة إليها.

إلا أن تلك الدعوات لم تلق حتى الآن أي أذن مصغية، وذلك لأن مفوضية اللاجئين وأوروبا والولايات المتحدة والعديد من المنظمات الحقوقية أعلنت بكل بساطة بأن سوريا لم تصبح آمنة بعد، وهذا ما أثار حنق المسؤولين اللبنانيين وسخطهم، إذ ذكر وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين في مقابلة أجريت معه في مطلع هذا الشهر بأن رفض الأمم المتحدة لإعادة توجيه المساعدات يمنع اللاجئين من العودة، كما أعلن بأن التقارير حول بدء العملية الوشيكة لترحيل اللاجئين ما هي إلا "حملة للتخويف" لا أساس لها من الصحة.

في حين ذكر اللواء عباس إبراهيم، وهو عضو في لجنة إعادة اللاجئين التي شكلتها الحكومة اللبنانية، أمام الصحفيين خلال الأسبوع الماضي بأن: "المجتمع الدولي على ما يبدو لا يريد للسوريين أن يعودوا إلى بلدهم".

 المصدر: ستارز آند ستريبس