قراءة "واقعية" في عوائد إسرائيل من اتفاقاتها مع الدول العربية

2020.09.14 | 00:04 دمشق

111_2.jpg
+A
حجم الخط
-A

في غمرة الاحتفالات الإسرائيلية بتوقيع الاتفاق تلو الآخر مع عدد من الدول العربية، لاسيما الخليجية منها، يتحدث خبراؤها الاستراتيجيون عن أهم الفوائد التي ستجنيها إسرائيل من تطبيع علاقاتها العربية بصفة رسمية.

يعتقد الإسرائيليون أنه بينما يواصلون استراتيجيتهم للاندماج في المنطقة، وبناء جبهة مشتركة ضد القوى والدول المعادية لهم، فإن التطبيع الجاري مع عدد من الدول العربية والخليجية يمكن اعتبارها نقطة تحول استراتيجية وتاريخية، لأنه لأول مرة، سيقام "سلام دافئ" بين إسرائيل ودول عربية، بعد أن أقامت مصر والأردن والفلسطينيون علاقات باردة مع إسرائيل، بهدف انتزاع فوائد عملية منها، والابتعاد عن التطبيع معها.

اليوم، بفضل الاتفاقات مع الإمارات والبحرين، وربما دول أخرى في الطريق، تخطو إسرائيل خطوة كبيرة نحو أحد أهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى، وهو الاندماج في المنطقة، ربما كانت علاقاتها بالمعسكر البراغماتي معروفة منذ فترة، لكنها تقيم لأول مرة علاقات طبيعية مع دول أخرى أقل بروزاً، بما يعكس الحيوية التي تعلقها عناصر هذا المعسكر على العلاقات معها.

ذات المعسكر البراغماتي الذي يبدي عداء لنظيره الراديكالي، يعاني من ضعف كبير، واعتراف بأن الدعم الأميركي لا يمكن الوثوق به بسبب الخوف من فوز الديمقراطيين في الانتخابات، مما يزيد الحاجة للاعتماد على إسرائيل كدولة قوية تجرؤ على العمل ضد المتطرفين، ولن تغير موقفها.

يعول الإسرائيليون على أن أهم معاني الاتفاق مع الإمارات والبحرين وسواهما، يكمن في تقوية المعسكر البراغماتي الإقليمي، في ضوء انفتاح إسرائيل على الانضمام لصفوفه.

يزعم الإسرائيليون أن الاتفاقات مع الإمارات والبحرين وسواهما، حطمت "السقف الزجاجي" الزائف، الذي منع تطبيع علاقات إسرائيل العربية طالما أنها لم تذعن للمطالب الفلسطينية، كما حددت "مبادرة السلام العربية"، فالاتفاق كشف أن هذا السقف كان تهديداً لا أساس له يخدم الفلسطينيين فقط، ولذلك هناك احتمال أن يؤدي نجاح الاتفاق لإقناع دول براغماتية أخرى، بإقامة علاقات طبيعية كاملة أو جزئية مع إسرائيل، حتى خلال فترة رئاسة ترامب الحالية.

مع العلم أن الموافقة السعودية بشأن الرحلات الجوية المباشرة بين إسرائيل والإمارات على أراضيها قد تكون مثالاً على التطبيع الجزئي للعلاقات، مع أنه في السياق الفلسطيني، أحدث الاتفاق تغييراً مهماً ومتعدد الأبعاد، لذا لا عجب أن يشعر الفلسطينيون بالغضب من التطورات الأخيرة، لأنهم فقدوا إحدى أدوات نفوذهم الرئيسية، وهي القدرة على منع التطبيع المعلن بين إسرائيل والدول العربية، الذي ضعف في السنوات الأخيرة.

يعول الإسرائيليون على أن أهم معاني الاتفاق مع الإمارات والبحرين وسواهما، يكمن في تقوية المعسكر البراغماتي الإقليمي، في ضوء انفتاح إسرائيل على الانضمام لصفوفه، لا شك أن هذا تغيير مرغوب فيه للغاية بالنسبة لها، وهي مهتمة بتحسين قدرة هذا المعسكر على صد المعسكرات الراديكالية التي تواجهه، ولكن يبقى السؤال عن كيفية استفادة البراغماتيين من هذا التغيير، وما الالتزامات المطلوبة من إسرائيل.

في الخلاصة تعتبر الاتفاقات التي توقعها إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، وقد توقع أخرى في قادم الأيام، إنجازاً مهماً لأطرافها مجتمعة، وقبلها الولايات المتحدة والمعسكر البراغماتي بأسره، ويخلق إمكانات لمزيد من الإنجازات الإسرائيلية على المستوى الإقليمي.

هنا لا يمكن التقليل مما يمكن وصفه بأحد الاختراقات الدراماتيكية في الشرق الأوسط، لأن رحلة الطيران إلى الإمارات مع جاريد كوشنر ومائير بن شبات في سماء السعودية هو حلم احتل عناوين الصحف الإسرائيلية منذ عشر سنوات على الأقل، وأخيراً قد حدث، بالتزامن مع إلغاء محمد بن زايد قانون المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل المعمول به منذ 1972.

إن التأثير الفوري للاتفاقيات المتوقعة بين الإمارات وإسرائيل هو 500 مليون دولار، وأكثر من ذلك بكثير في وقت لاحق، مما يعتبر نسيماً متفائلاً بتعافي الاقتصاد الإسرائيلي، مع أن التفاوض على إبرام الاتفاق مع الإمارات، ورغم أهميته، لكنه ليس هو الشغل الشاغل، في الماضي كان للمفاوضات مع الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك تأثير كبير على البعد الأمني لإسرائيل، والعلاقات الإسرائيلية الأميركية، لكن هذه المرة يبدو أن الإنجاز الاستراتيجي يتمثل بكسر الدائرة العربية المباشرة، المستقلة عن الفلسطينيين.

على الصعيد الأمني والاستخباري، فقد بات واضحاً أن الحركة الانفصالية في اليمن (المجلس الانتقالي الجنوبي)، المدعوم إماراتياً، ستكون لاعباً مهما في اليوم التالي لاتفاق السلام مع الإمارات، وسيسفر عن ذلك تأثير مهم حول العلاقة بإيران، وهذا يعني أن الاتفاق مع الإمارات سيولد مفاجآت أخرى إسرائيلية "سعيدة"، بحكم أن العلاقة ستمتد لتضم قائمة ممن يتبعون ويتلقون الدعم من الإمارات.

من الواضح الاعتقاد أن هناك سبباً وجيهاً للاعتقاد بأن شيئاً ما يختمر وراء الكواليس، مع توفر إشارات في الميدان تؤكد أن الساحة اليمنية سترافق العلاقات الإسرائيلية الإماراتية، ليس على مستوى الفولكلور فقط، بل على المستوى الاستراتيجي.

ومع توقيع اتفاقية السلام مع الإمارات، تفتح إسرائيل نهجاً من النوع الذي لم تشهده من قبل في البحر الأحمر، لأنه منذ فترة طويلة تبحر سفن البحرية الإسرائيلية مسافات طويلة تصل إلى ألف كيلومتر قبالة سواحل إسرائيل لحماية سفن الشحن الخاصة بها، ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية عبر البحر الأحمر.

صحيح أن اليمن بلد منكوب، يشهد حروباً ضارية في نفس الوقت، وعلى مر السنين انضمت للحلقة المفرغة التي تسعى إيران من خلالها لمحاصرة إسرائيل، والسيناريوهات المتعلقة باستمرار الحرب فيها معقدة، فلا نهاية تلوح في الأفق، وفي غضون ذلك من المتوقع أن يواصل كل جانب تحويل الأموال والأسلحة للتزود بالوقود من رعاته، الإيرانيون والسعوديون والإماراتيون سيعمل كل منهم للحفاظ على مكانته، وربما تقويتها.

هذا يعني أن اتفاقية السلام بين إسرائيل والإمارات تلقت منعطفاً خاصاً في الأيام الأخيرة، بعد الأحاديث المتواترة مؤخراً عن تخطيطهما لإنشاء قواعد تجسس مشتركة في جزيرة سقطرى، على بعد 350 كيلومتراً من الساحل اليمني، لجمع معلومات عن حركة الملاحة البحرية في خليج عدن والقرن الأفريقي ومصر، ومتابعة تحركات إيران في المجال البحري، وأنشطة الحوثيين في اليمن.

صحيح أن الاتفاق الإسرائيلي مع الإمارات يثير اهتمام السياسيين والإعلاميين، وليس الجمهور الإسرائيلي فحسب، لأن صناعة السلام مع بلد لم نشهد حرباً معها من قبل، يشبه الإبلاغ عن وفاة شخص مجهول أمام جمهور لم يكن يعرف أنه على قيد الحياة أصلاً.

كما أن الإمكانات الاستخبارية لهذه القواعد هائلة، وقد تصل حتى شواطئ باكستان، وفي هذا الصدد، تتماشى هذه الخطوة إلى حد كبير مع التفكير الأمني العالمي لإدارة ترامب، التي تفضل أن تعهد بمصفوفة الحفاظ على الأمن في المنطقة وخارجها إلى حلفائها، بالتعاون بين إسرائيل والدول البراغماتية وإمارات الخليج.

في ذات الاتجاه، يقلل إسرائيليون آخرون من شأن اتفاق التطبيع مع الإمارات والبحرين وسواهما، لأن هذه الدول لم تكن "عدوة" أصلاً، حتى يتم عقد سلام معهما، ولأن اتفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو مع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، لا يجعل منه مناحيم بيغن الذي اتفق مع أنور السادات، ولا إسحاق رابين الذي اتفق مع الملك حسين، في إشارة إلى رئيسي الوزراء الأسبقين، وكل من الرئيس المصري الأسبق والعاهل الأردني الراحل.

صحيح أن الاتفاق الإسرائيلي مع الإمارات يثير اهتمام السياسيين والإعلاميين، وليس الجمهور الإسرائيلي فحسب، لأن صناعة السلام مع بلد لم نشهد حرباً معها من قبل، يشبه الإبلاغ عن وفاة شخص مجهول أمام جمهور لم يكن يعرف أنه على قيد الحياة أصلاً.

الجمهور الإسرائيلي لديه الكثير من الأخطار الداخلية: مواجهة كورونا، وفشل الحكومة، ودمار اقتصادي، لكن محاولة وضع الاتفاق مع الإمارات والبحرين وسواهما في نفس إطار السلام مع مصر والأردن مسألة مصطنعة، والتظاهر بوضع نتنياهو في صف بيغن ورابين أمر مهين.

لا يتردد الإسرائيليون في الاعتراف بأنه كان لديهم سلام عملي مع هذه الدول منذ 1994، والآن أصبح رسمياً، هذا بلد لم يُقتل أو يُجرح فيه جندي إسرائيلي واحد في صراع لم يسبق له مثيل معها، وهو بعيد عن حدودنا، ولم يزعم أبداً أننا احتللنا متراً مربعاً من أراضيه.

ورغم ما يمكن وصفها بالإنجازات الإسرائيلية من تلك الاتفاقات مع الدول العربية، فإن كل ما يقال عن هذا السلام معها مؤثر، لكنه ليس ذا صلة، ناهيك عن تناقضها مع الحقائق المحرجة، صحيح أن الاتفاق الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين وسواهما يبعث على الارتياح الإسرائيلي بالتأكيد، لكن الأوركسترا المصاحبة له مصابة بالجفاف، وكلمات أنشودتها للسلام يمكن اعتبارها سرقة أدبية.