قراءة في الموقف الإسرائيلي من عملية "نبع السلام"

2019.11.29 | 16:59 دمشق

20190924_2_38363345_47855522_web.jpg
+A
حجم الخط
-A

حددت إسرائيل موقفها الرافض المتشنج والحاد تجاه عملية "نبع السلام" بناء على ثلاثة معطيات أو محددات تتمثل بالعلاقة أو التحالف الإستراتيجي مع أمريكا والعلاقة المتأزّمة الباردة والخيارات المتناقضة مع تركيا، ثم العلاقة غير الخفية والمتعددة الأبعاد مع الجناح السوري لـ"بي كي كي" الذي يمثل كل ما تتمناه أو تسعى إليه إسرائيل في المنطقة.

بدايةً نظرت إسرائيل إلى عملية "نبع السلام" من زاوية علاقتها وتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، واعتبرت أن الانسحاب الأمريكي لافساح المجال أمام تركيا لتنفيذ العملية، كما من سوريا والمنطقة بشكل عام يترك فراغاً يرتد سلباً عليها ويقوي خصومها، خصوصاً تركيا وحلفاءها، كون لا مشكلة فعلية لديها مع نظام الأسد، كما أن كل ما قيل عن إيران واستفادتها من العملية غير صحيح ومجافٍ للواقع، حيث إنَّ موقف طهران -كما كتبنا هنا سابقاً- لا يختلف  في الجوهر عن موقف تل أبيب منها.

على الطريقة الإسرائيلية المعتادة الانتهازية والجشعة، جرى التهويل من الانسحاب أو الفراغ الأمريكي، علماً أن هذا لا يحدث ولم يحدث أصلاً وما زالت أمريكا القوة الكبرى القائمة بالاحتلال في سوريا والعراق، وهي لا ولم تتوانَ عن تقوية إسرائيل ودعمها بكل الوسائل للحفاظ على ما يوصف بتفوقها النوعي في المنطقة. وهذا مصطلح عنصري متغطرس ودموي طبعاً.

يجب الانتباه كذلك إلى عدم حدوث تغير جذري للسياسات والممارسات الإسرائيلية في فلسطين، وسوريا والعراق والمنطقة، في ظل ما وصف بالانكفاء الأمريكي، وتلك الممارسات تمت وتتم بتفاهم تام مع القوى القائمة بالإحتلال - أي أمريكا – وبدرجة أقل روسيا - والتهويل الإسرائيلي المنهجي والمتعمد عن الانكفاء يهدف من جهة لإظهار نفسها كضحية وحيدة، ومن جهة أخرى لانتزاع مكاسب دبلوماسية سياسية عسكرية وأمنية من كلا القوتين، أي أمريكا وروسيا.

على الطريقة الإسرائيلية المعتادة الانتهازية والجشعة، جرى التهويل من الانسحاب أو الفراغ الأمريكي، علماً أن هذا لا يحدث ولم يحدث أصلاً

إسرائيل نظرت كذلك إلى العملية من زاوية علاقتها مع تركيا، العلاقة الباردة والمتأزمة في ظل الخيارات السياسية، وحتى الاستراتيجية المتناقضة بين تركيا الجديدة والدولة العبرية المنحازة بشكل مستمر لليمين المتطرف في السنوات الأخيرة. من هنا تعتقد تل أبيب أن أي انتصار لتركيا، أو زيادة لنفوذها يرتد سلباً عليها بالمعنى العام.

لا ينفصل عما سبق الشعور الإسرائيلي بالعجز عن إيقاف العملية التركية، أو حتى التأثير على مجرياتها بشكل فعلي وبالضرورة كانت تل أبيب ضد التفاهمات السياسية التي توصلت إليها أنقرة مع واشنطن وموسكو كونها فهمت مغزاها واستخصلت العبر المناسبة منها، التي يمكن اختصارها بفرض أنقرة لمواقفها وتصوراتها، وفى السياق فرض نفسها كلاعب إقليمي مهم في سوريا والمنطقة.

الزاوية الثالثة التي نظرت إسرائيل لنبع السلام من خلالها تتمثل بالعلاقة مع الجناح السوري لتنظيم بي كي كي – قسد – المعادي بدوره لتركيا، وهي أي العلاقة متعددة الجوانب والأبعاد كون – بي كي كي - متحالفاً أيضاً مع الولايات المتحدة، بل أداة وحتى شركة أمنية لها كما قال، بل أقر سفين دزيى  المسؤول فى حكومة إقليم كردستان العراق فى ندوة عقدت بواشنطن الخميس 21 من نوفمبر الجاري علماً أن أرئيل شارون كان قد قال ذات مرة إنَّ إسرائيل نفسها تمثل قاعدة برية كبيرة لأمريكا.

لا يقل عن ذلك أهمية حقيقة أن تنظيم بي كا كا يبقى خيار التقسيم قائماً في سوريا والمنطقة، وهو الخيار المفضل إسرائيلياً لإضعاف المنطقة واستنزاف قواها الحية، وبالتالي إبقاء وإدامة الهيمنة أو ما يوصف بالتفوق النوعي الإسرائيلي فيها.

أحد مظاهر دعم إسرائيل لـ"بي كا كا" يتمثل كذلك بتشجيعه على خلق نموذج قومي مماثل متماهٍ ومتساوقٍ معها. وإضفاء الشرعية عليه كحليف لها لاستنزاف المنطقة، كما للفت الانتباه عن عدم شرعيتها وممارساتها الإجرامية في فلسطين والمنطقة.

لا أحد يشرح الموقف الإسرائيلي من عملية "نبع السلام" أفضل مما فعلت نائبة وزيرة الخارجية تسيبي حتوبيلي ، التى أقرت علناً ومن منبر الكنيست-الأربعاء 6 من نوفمبر- أن إسرائيل تقدم مساعدات للـ"بي كا كا" السوري، ولا شك أنها لا تقتصر على الجانب الإنساني بل تشمل كذلك مساعدات عسكرية وأمنية ، كما أكدت حتوبيلى أنها تساعد التنظيم كذلك في حملته السياسية والإعلامية فى واشنطن لشيطنة تركيا وسياساتها، وتبييض صفحته ونيل التأييد لأهدافه بما في ذلك إقامة الكيان الانفصالي طبعاً.

عموماً، نجحت عملية نبع السلام منذ اللحظة الأولى، بل منذ الطلقة الأولى في تحقيق أهدافها، كونها قضت نهائياً على حلم الكيان الانفصالي الحليف المفترض لإسرائيل، كما أنها حولت تنظيم بي كا كا ومقاتليه إلى مجرد خفر لحراسة السجون وآبار النفط في أحسن الأحوال وإلى نسخة محلية من شركة بلاك ووتر سيئة الصيت فى أسواها.