قراءة في أي عملية برية إسرائيلية قد تستهدف قطاع غزة

2023.10.19 | 15:29 دمشق

قراءة في أي عملية برية إسرائيلية قد تستهدف قطاع غزة
+A
حجم الخط
-A

لاشك أن عملية طوفان الأقصى المفاجئة التي تعرضت لها إسرائيل في السابع من هذا الشهر وكلفتها مئات الأسرى وآلاف القتلى والجرحى قد أذلت إلى حد كبير قوتها العسكرية والاستخبارية والأمنية التي توصف بأنها لا تقهر، والشيء اللافت لها في هذا الذل والقهر أنه لم يحدث على يد عديد الجيوش العربية المدججة بالعدة والعتاد، أو على يد إيران وحزب الله الذين يجاهرون ليلا ونهارا جزافا بشعارات العداء لإسرائيل والشيطان الأكبر، بل المذهل والمفاجئ في الأمر أن عملية طوفان الأقصى تمت على يد أفراد وأبطال كتائب شهداء الأقصى والقسام رغم كل سنوات هذا الحصار اللا مسبوق الذي يعيشه قطاع غزة، حيث تمكن هؤلاء الأبطال من اجتياز وعبور الحواجز والأسوار الأمنية المتقدمة وكسر خطوط الدفاع الأولى ووصولهم وبالمئات إلى عمق مستوطنات غلاف غزة، والقيام بعمليتهم الفدائية وتكبيد العدو الصهيوني كل هذه الخسائر الفادحة غير المتوقعة، والتي لم يكن يتصور أن يتعرض لها في يوم من الأيام.

عمليا فإن هذه العملية الجريئة والمفاجئة قد أخرجت العدو الصهيوني عن طوره وأصابت قيادته العسكرية والسياسية بالتخبط والارتباك من هول وفداحة الصدمة، وعليه فلم يجد هذا العدو الغاشم أمامه إلا القيام بارتكاب عشرات المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية من خلال حملة غير مسبوقة من القصف الجوي والصاروخي الهمجي الذي طال به كل أحياء محافظات قطاع غزة ومستشفياتها ومخابزها وحتى مقابرها، ولم يعد هناك مكان آمن يلجأ إليه المدنيون من هول القصف والدمار الذي كلف أهالي غزة دمارا كبيرا في المربعات السكنية والبنى التحتية، وخلف حتى الآن آلاف القتلى والشهداء وعشرات آلاف المصابين والجرحى أمام مرأى وسمع العالم المتحضر الديموقراطي الذي التف كما واشنطن حول القيادة الصهيونية وتبني رؤيتها.

في الواقع وبعد هذه العملية يحاول قادة حكومة إسرائيل واليمين المتطرف إضافة إلى قيادات وأركانات جيش العدو وأمنه من خلال الاجتماعات الساعية التي لا تنتهي وحكومة الحرب والطوارئ الموسعة التي أنشئت لترميم صورة هذه الهزيمة النكراء والخرق الأمني الكبير الذي لحق بمؤسساتهم وكيانهم المزيف، وذلك من خلال الانهماك في دراسة كل الخطط والخيارات والسيناريوهات التي ستكون محتملة وواردة في هذه المسألة، بما في ذلك الخيار البري لاجتياح كامل أو جزئي لقطاع غزة خاصة بعد إعلان نتنياهو منذ اليوم الأول للعملية حالة الحرب واستدعاء قيادة جيش العدو أكثر من ألف من جنود قوات الاحتياط، والزج بمئات الدبابات والمدرعات والمدفعيات على طول الحدود البرية مع قطاع غزة ناهيك عن استنفار وحشد مئات القطع البحرية والجوية.

ميدانيا وعملياتيا فإن القصف الجوي التدميري المكثّف الذي تقوم به إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى والحصار الشامل الذي تضمن قطع كل الخدمات من ماء وغذاء ودواء ومحروقات وإغلاق المعابر. يدلنا دلالة واضحة على تفكير القادة الصهاينة الجدي بالتحضير لهجوم بري كبير وواسع النطاق، إذ أن الضربات الجوية الحالية تهدف عمليا لتهجير السكان المدنيين باتجاه الجنوب والعمل على إزالة وتدمير المباني السكنية من الشريط الشمالي والشرقي لقطاع غزة القريبة والمطلة على غلاف غزة ومستوطناته والتي يعيق وجودها ويربك أي هجوم بري قادم، إضافة إلى ضرب البنية التحتية العسكرية لحماس، والقضاء ما أمكن على القادة السياسيين والميدانيين وتدمير الأنفاق ومخابئ ومستودعات الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ لتقليل خطر الهجمات الصاروخية ضد المستوطنات الإسرائيلية، والحد من المخاطر الكثيرة والمتوقعة التي سيتعرض لها عناصر وجنود الجيش الإسرائيلي خلال سير أي عملية برية محدودة كانت أو واسعة ستقوم خلال الأيام القادمة.

عمليا وفي وقت سابق كشفت تقارير عبرية أن رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو"، تحدث صراحة عن العملية البرية مع الرئيس الأميركي "جو بايدن"، في مكالمة هاتفية أجراها بعد بدء الحرب، حين قال لبايدن إنه يريد الدخول في عملية برية إلى قطاع غزة. وبالطبع فمن المعروف لدى القادة والمخططين الاستراتيجيين وقبل البدء بأي عملية عسكرية برية ومهما كان نوعها وحجمها فعلينا أن نفهم أولا ما طبيعة الموقف وفكرة المعركة والأهداف المعلنة المرحلية والنهائية التي يجب أن تتحقق، وفي هذه الحالة فقد حدد "نتنياهو" الهدف العام للعملية البرية المزمعة وهي "القضاء على قادة حماس وسحق الحركة والقضاء عليها"، وبالتالي فإن هذا الهدف هو هدف كبير وأشبه بالمستحيل إذا لم يتم السيطرة على قطاع غزة بالكامل وهذا الهدف بحد ذاته يحتاج إلى قوات كبيرة قد تضعف باقي الجبهات التي تدافع عنها إسرائيل، ناهيك عن أنها عملية برية واسعة قد تدخل" نتنياهو" وحكومته وجيشه في مستنقع غزة ودفع فاتورة استنزاف جيشه إلى وقت طويل.

تحليلا فإن دخول غزة من قبل قوات الاحتلال ليس كما الخروج منها، وهذا ما أشار إليه حقيقة الناطق باسم القسام "أبو عبيدة،" حين قال إن تلويح الاحتلال بالحرب البرية "مُثير للسخرية قائلا أهلا بكم في الجحيم"، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذا الأمر هو ما تتمناه المقاومة وكتائب القسام، وبالتالي فإن اجتياح غزة ومهما كان نوع هذا الاجتياح، فأتصور أنه لن يكون مجرد نزهة عابرة وتنتهي كما تريد تل أبيب، بل سيكون وبالا وجحيما على الجيش الإسرائيلي من حيث استنزافه واصطياد مدرعاته وجنوده من فوق وتحت الأرض، وبالطائرات المسيرة الانتحارية والكمائن والإغارات ومن المسافة الصفرية، بل سيوسع ذلك حجم المقاومة العسكرية وازدياد شراستها وخاصة في حال وصل جيش الاحتلال إلى أحياء وسط غزة وحدوث معارك شوارع ومدن، وهو الأمر حقيقة جربته إسرائيل في مراحل سابقة حين كانت تحتل غزة.

ختاما.. في الواقع فإن مقاتلي حركة حماس وبلا أدنى شك لديهم معرفة كبيرة وكاملة بطبيعة الأرض التي يقاتلون عليها ومعرفة مداخل ومخارج المناطق، وبالتأكيد هم في حالة جاهزية عالية، ولديهم خططهم القتالية الجاهزة التي أعدوها وتدربوا عليها طويلا في حال حدوث أي سيناريو مشابه، وبالطبع سيكون مقاتلوها قد جهزوا خطوط دفاعاتهم ومناوراتهم وتحركاتهم الخفية بشكل جيد، وسوف يلحقون خسائر غير متوقعة وفادحة بالجيش الإسرائيلي الذي سيكون أمامه مسرحا واسعا لعملية دامية ومرهقة ومكلفة وعقبات كثيرة ليس من السهل تجاوزها. وهذا ما أكده نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، الذي قال في بداية انطلاق المعركة، إن المقاومة لديها خطة كاملة لكل مراحل تطور الصراع الحالي بما في ذلك الحرب الشاملة والتصعيد إلى أبعد الدرجات.