قراءة فى موقف حماس من التصعيد الإسرائيلي الأخير بغزة

2019.12.06 | 15:41 دمشق

2019-11-26t105948z_1934109967_rc2yid9z43db_rtrmadp_3_israel-palestinians-usa-settlements.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تنخرط حركة حماس في التصعيد الإسرائيلي الأخير منتصف تشرين الثاني الماضي والذي أعقب اغتيال بهاء أبو العطا المسؤول العسكري لحركة الجهاد الإسلامي شمال غزة. فخاضت هذه الأخيرة المواجهة وحدها إلى جانب فصائل صغيرة أخرى وبعيداً عن غرفة العمليات المشتركة المفترض أن تضم كل الأجنحة العسكرية بما فيها كتائب القسام وتحدد بشكل جماعي طبيعة الردود وأساليب المواجهة.

موقف حماس أثار ردود فعل وسجالات ونقاشات حادة لم تتوقف حتى الآن، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، بينما بدت الحركة خجولة وعاجزة عن شرح أسبابها وحيثياتها المنطقية والمعقولة جدّاً مع الاكتفاء بكلام سياسي ديبلوماسي منمق وعام عن دعم المقاومة وخياراتها.

امتلكت حماس في الحقيقة أسباباً وجيهة ومنطقية لعدم التدخل في التصعيد الأخير، منها قناعتها التامة أن ذلك سيؤدي حتماً إلى اتساع المواجهة وطول أمد الجولة، وإيقاع مزيد من الخسائر والدمار بغزة وأهلها، وبالتأكيد خسائر موازية وجدية لإسرائيل وتعطيل الحياة والاقتصاد فيها، ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في موازين القوى، أو تعديل تفاهمات التهدئة التي تم التوصل إليها منذ أكثر من عام بوساطة مصرية والمستندة أصلاً إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته القاهرة - أغسطس 2014 - في أعقاب حرب غزة الأخيرة.

بدا لافتاً جدّاً أن الناطقين باسم حماس ومناصريها، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعى صمتوا تقريباً خلال التصعيد وبعده

وفيما يتعلق بالتهدئة فإن حركة حماس تعتقد أن تفاهمات المرحلة الأولى منها تسير بصورة مقبولة، حيث تدخل المساعدات القطرية بشكل منتظم إلى غزة ما أوجد سيولة مالية وأنعش الطبقات الفقيرة، إضافة طبعاً إلى تحسين السلطة لنسب صرف رواتب موظفيها، مع تكفل الدوحة بتزويد محطة الكهرباء بالوقود إلى نهاية العام، ما خفّف الأزمة وحسن ساعات التشغيل بشكل ملموس وجدي.

تدخلت مصر بشكل جدّي وملموس أيضاً، ومباشرة لمساعدة حركة حماس للحفاظ على التهدئة بغزة وضبط الأمن على الحدود المشتركة عبر إدخال بضائع ومستلزمات ضرورية – وقود مواد غذائية وأدوية -عبر بوابة صلاح الدين التي تشرف عليها سلطة حماس وتجمع الضرائب والجمارك لخزينتها، علماً أن الحديث يدور عن مواد بكميات كبيرة، حيث قال تحقيق صحفي لافت الأحد-17 تشرين الثاني- أنها تبلغ ضعف البضائع التي يتم إدخالها من قبل الاحتلال عبر معبر كرم أبو سالم، وتعود عوائدها للسلطة في رام الله. هذا أدى طبعاً إلى توفير سيولة وتحريك ولو نسبي للعجلة الاقتصادية، مع عوائد مالية مقبولة للسلطة في غزة من أجل القيام بمسؤولياتها وواجباتها تجاه المواطنين.

كذلك وضمن استحقاقات المرحلة الأولى وصل تأسيس المستشفى الميداني الأمريكي شمال القطاع إلى مراحله النهائية، الأمر الذي يتم بتمويل قطري أيضاً ، ويساعد فى حل الأزمة الصحية الخانقة بشكل جدي وملموس أيضاً.

أما الانتقال إلى المرحلة الثانية من التهدئة، التى تتضمن إقامة المنطقة الصناعية على حدود غزة، و تمديد خط إضافي للكهرباء فمرتبط بانتهاء الأزمة السياسية في إسرائيل، مع وعود جدية من قبل الوسطاء، خاصة الوسيط القطري، الذي تثق به حركة حماس، والمستعد لتوفير ميزانيات للمشروعات الكبرى لتلك المرحلة، علماً أن الدوحة استعدت فعلاً لتحمّل نفقات خط الكهرباء الإضافي الذي سيحل الأزمة بشكل كبير، وربما نهائي خاصة مع تحويل محطة كهرباء غزة للعمل بالغاز لتوفير النفقات، علماً أن الأمر قيد البحث والإنجاز أيضاً.

سياسياً؛ لم تكن الظروف مؤاتية أيضاً لانخراط حماس فى التصعيد الأخير مع دعوة الرئيس محمود عباس لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية  ولو بشكل غير متزامن، لكن بمرسوم واحد وموافقة الحركة على ذلك باعتبار أنها أي الانتخابات ستساهم في إنهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني وحلّ مشاكل غزة أو على الأقل تخفيف عبء السلطة عنها.

سياسياً؛ أيضاً كان كلام لافت ومباشر لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الذي اعتبر أن التصعيد الإسرائيلي يستهدف مساعي الوحدة الفلسطينية في إشارة إلى الحوارات حول الانتخابات، علماً أنه تحدث قبل أيام فقط عن اشتباك سياسي مع الاحتلال من أجل إجراء الانتخابات، خاصة في القدس هو مصطلح جديد على خطاب الحركة الإسلامية المقاومة.

في الخلفية طبعاً، ضمن الأسباب غير المباشرة عدم ارتياح حماس لما كان يفعله الشهيد أبو العطا، ليس لوجود أجندة خارجية، وإنما للخروج عن تفاهمات غرفة العمليات المشتركة، كما حصل في قصف مستوطنة سيدروت قبل التصعيد مباشرة -الجمعة 8 نوفمبر - وقصف إسدود أثناء مشاركة بنيامين نتنياهو بفعالية انتخابية بالمدينة في فعل سياسي مباشر وغير مرتبط بإنهاء الحصار أو تسريع تفاهمات التهدئة في غزة، لكن دون أن يصل الأمر طبعاً بحماس إلى التشكيك بوطنية الشهيد أو الارتياح لغيابه وقبول عملية الاغتيال كما تروج وسائل الإعلام الإسرائيلية المجندة، خاصة بعد سفره أي أبو العطا رفقة قيادة حركة الجهاد إلى القاهرة منتصف أكتوبر الماضي والتوصل إلى تفاهمات مع السلطات المصرية للالتزام بالتهدئة شملت كذلك التأكيد على عدم ربط جبهة غزة بأي جبهات أخرى.

عموماً ثمة جهد كبير مبذول من قبل قيادتي الحركتين لرأب الصدع، وتجاوز ما جرى. وتوج هذا العمل بعقد لقاء رفيع بينهما فى القاهرة

بدا لافتاً جدّاً أن الناطقين باسم حماس ومناصريها، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعى صمتوا تقريباً خلال التصعيد وبعده ولم يطرحوا تلك الأسباب والحيثيات الوجيهة المنطقية والواقعية ببساطة لأنها تتناقض مع مجمل خطاب الحركة في السنوات الماضية، وتحديداً كونها تنطبق على جولات التصعيد، وحتى الحروب التى انخرطت فيها الحركة بما فيها جولة حد السيف - نوفمبر 2018 - التي تستحضرها الحركة دائماً بإنجازاتها وتفاصيىلها حيث كان يمكن وبنفس المنطق الاكتفاء بإفشال عملية التوغل الإسرائيلية وقتل قائدها دون الذهاب إلى تصعيد كبير أوقع أيضاً عشرات الشهداء في الجانب الفلسطيني، إضافة إلى دمار كبير في المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة.

تبدو المعطيات السابقة واضحة أيضاً لحركة الجهاد حتى مع تحللها من أعباء السلطة فى غزة، ومع تأكدها من موقف حماس وعدم انخراطها في التصعيد الأخير  كان على الجهاد أن تسعى لإنهائها بأسرع وقت ممكن بعد الرد على اغتيال الشهيد أبو العطا مساء الثلاثاء12 أو صباح الأربعاء13 نوفمبر، ما كان سيوفر مزيداً من الأثمان عليها، خاصة أنها خسرت عشرات من مقاتليها، إضافة إلى خسائر مادية كبيرة وجدية في قواعدها وبناها التحتية.

عضو المكتب السياسي للجهاد محمد الهندي وصف موقف حماس بالحكيم – الإثنين 18 تشرين الثاني- مؤيداً فكرة أن انخراطها كان سيؤدي إلى إطالة أمد الجولة، وإيقاع مزيد من الخسائر بغزة. هذا صحيح  طبعاً إلا أنه يطرح تساؤلات عن عدم تصرف الحركة بشكل مماثل ومسارعتها إلى إنهاء الجولة بأسرع وقت ممكن في ظل تأكدها من عدم انخراط حماس فيها، كما عدم قدرتها على التأثير أو تغيير تفاهمات التهدئة المعمول بها حالياً.

عموماً ثمة جهد كبير مبذول من قبل قيادتي الحركتين لرأب الصدع، وتجاوز ما جرى. وتوج هذا العمل بعقد لقاء رفيع بينهما فى القاهرة –الثلاثاء 3 كانون الأول– حيث أن حماس لا تستطيع وهى أصلاً ليس بوارد تبني  خطاب خيار آخر غير المقاومة، أما الجهاد فيعيش معظم قادتها في غزة ويلمسون معاناة الناس بأنفسهم،  لذلك تبلورت إرادة واضحة لدى الجانبين من أجل التوافق، وإدارة الصراع بشكل مشترك حكيم ومسؤول،  لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة للقضية الوطنية والناس ومصالحهم .

 

كلمات مفتاحية