في ذكرى انطلاقه.. ماذا بقي من الربيع العربي؟

2024.01.14 | 17:59 دمشق

ryysy7-2_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

في مثل هذا اليوم انطلق رسمياً قطار الربيع العربي، فبعد هروب بن علي بدأت الشعوب العربية رحلة البحث عن خلاصها من هذه الأنظمة التي كانت تحكمها بالعصا والجزرة.

تأريخ بداية الثورات العربية يجب أن يكون من لحظة هروب بن علي وليس لحظة إحراق البوعزيزي لنفسه، صحيح أن ما أعقب "البوعزيزي" من احتجاجات كانت السبب في هروب بن علي، لكن الانطلاقة الفعلية لقطار الثورات كان لحظة هروب الرئيس التونسي، لأنّ الشعوب العربية أدركت أنها تستطيع كسر حاجز الصمت والبدء في مسار التغيير.

وعند هروب "بن علي" بدأت ساحات النقاش بين الشباب العربي افتراضيا وفي الجلسات الهامسة عن متى وكيف سنبدأ.

وبعد ثلاثة عشر عاماً على بداية رحلة القطار، يعاد طرح الكثير من الأسئلة منها عن جدوى ما حدث وهل الوضع الآن أفضل من قبل؟ أسئلة يمكن أن تعتبر مشروعة في حال طرحت من قبل أبناء الثورات لأنها تطرح في سياقات المراجعة والتصحيح ونعتبرها أسئلة خبيثة في حال طرحها أنصار الأنظمة وأعداء التغيير، لأنها تحيل إلى أن سبب دمار بعض الدول هي الثورات وليس ما فعلته الأنظمة.

في كل الأحوال، يجب إلقاء نظرة على واقع الحال في الدول التي حدثت فيها ثورات وحتى تلك التي لم تشملها رياح التغيير، وإذا بدأنا من تونس محطة القطار الأولى نجد أن واقعها اليوم مزرٍ، فالاقتصاد شبه منهار وعجلة التنمية متوقفة والأسوء هو عودة القمع وتكميم الأفواه والاعتقال السياسي، أي انعدام أي مساحة لممارسة الديمقراطية.

وذات الأمر ينطبق على مصر مع إضافة عامل توغّل الجيش في الحياة الاقتصادية والعامة بشكل غير مسبوق.

في ليبيا وسوريا واليمن تحوّلت الدول الثلاث إلى مناطق نفوذ إقليمي ودولي نتيجة التدخل العسكري المباشر وباتت مقسّمة تحت سلطات الأمر الواقع، مع وجود استثناء سوري يتمثّل بأن النظام القديم بقي ولو شكلياً، بينما أُسقط النظام السابق في ليبيا واليمن.

واقع دول الثورات الحالي إذا أردنا تقييمه من زاوية واحدة ضيّقة بالتأكيد سنحصل على نتيجة كارثية، لأن ما سعى إلى تحقيقه الشعب الثائر في هذه الدول لم ينجز بعد..

يمكن أن نضع المغرب في مساحة تقييمية لوحده، لأنّ المظاهرات أتت بالديمقراطية وجاءت بالمعارضة لتحكم من خلال صندوق الانتخاب، أي أن التغيير كان أقل كلفة من بقية الدول لكن في نهاية المطاف عاد المخزن (الاسم المغربي لما اصطلح على تسميته بالدولة العميقة) ليحكم البلد بقبضة حديدية، ولا يجب هنا إغفال الطريقة التي قُمع بها حراك الريف ووضع قادته في السجون.

واقع دول الثورات الحالي إذا أردنا تقييمه من زاوية واحدة ضيّقة بالتأكيد سنحصل على نتيجة كارثية، لأن ما سعى إلى تحقيقه الشعب الثائر في هذه الدول لم ينجز بعد، أي التغيير السياسي والانتقال من حالة الدول الديكتاتورية إلى دول ديمقراطية تُحكم عبر صناديق الإقتراع.

وفي بعض الدول تحوّل الصراع إلى اقتتال داخلي مع دعم كل طرف من قبل قوى إقليمية ودولية، أي تحوّلت الدول هذه إلى مراكز نفوذ وسيطرة لأكثر من دولة وجهة.

لكن لو أردنا تقييم الوضع الحالي من عدة زوايا وبعقل بارد جداً، سنجد أن ما حدث كان سيحدث آجلاً أم عاجلاً لأنّ الدول العربية ومنذ استقلالها عن المستعمر الغربي قبل أكثر من سبعة عقود فشلت في كل شيء، فشلت في تحقيق التنمية وفي خلق نظام سياسي مقبول بالحد الأدني وفشلت في الاقتصاد لأنّها دول مستهلكة لكل شيء ولا وجود لها على خارطة الاقتصاد العالمي سوى بالمنتجات النفطية وهذه تُستخرج ولا تصنع، والأهم أنها فشلت في حماية نفسها وتحصين حدودها من أي عدوان خارجي، أي أنها فشلت في أن تصبح دولة!

وما يحدث منذ مئة يوم وحتى الآن في فلسطين المحتلة أكبر دليل على أن ما يُسمى بالأمن القومي العربي لا وجود له، وأن العالم العربي وعلى امتداد خريطته من المحيط إلى الخليج ليس أكثر من مجرد محميات تدار بأنظمة هشة وضعيفة تستجدي بقاءها في السلطة من خلال تبعيتها وارتهانها الكاملين.

فحين تعجز كل الدول العربية عن إدخال الماء والغذاء والدواء إلى غزة المحتلة، التي تتعرض لأكبر عملية تدمير وإبادة جماعية من قبل مجرمي الاحتلال الإسرائيلي، هذا يعني أن الضعف العربي وصل إلى مراحل غير مسبوقة منذ نشأت هذه الدول.

يجب أن لا ننسى أن أسباب اندلاع الثورات كلها ما تزال قائمة والدليل حدوث موجة مظاهرات جديدة بعد أعوام على ثورات 2011 في لبنان والعراق والسودان والجزائر..

سقوط النظام الرسمي العربي خطوة أولى ومهمة على طريق خلاص الشعوب العربية ونيلها الحرية، ولتحقيق هذه الخطوة لا بد من أثمان كثيرة دُفعت سابقاً وتُدفع اليوم وسيتواصل هذا النزيف، لأنّ الشعب العربي أدرك مؤخراً مدى هشاشة هذه الأنظمة.

ويجب أن لا ننسى أن أسباب اندلاع الثورات كلها ما تزال قائمة والدليل حدوث موجة مظاهرات جديدة بعد أعوام على ثورات 2011 في لبنان والعراق والسودان والجزائر، صحيح إنها قمعت بذات الأساليب التي قُمعت بها ثورات 2011، لكن هذا دليل دامغ على أن الرغبة في التغيير حاضرة بقوة وهي تحتاج إلى شرارة جديدة، ومن واجب النخب الثورية في كل الوطن العربي عمل مراجعات جدية لتجنب الأخطاء السابقة التي ارتكبتها معظم هذه القوى وفي كل الدول.

صحيح أن الثورات لم تنتصر لكنها لم تُهزم، وبدلاً من أن نسأل ماذا بقي من الربيع العربي، تعالوا نعكس السؤال: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟