في حيثيات فشل إرجاع الأسد إلى الحظيرة العربية

2023.04.18 | 06:27 دمشق

وزير خارجية النظام فيصل المقداد في السعودية ـ الأناضول
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن الآمال التي عقدها ساسة في المملكة العربية السعودية ونظام الأسد، تبخرت بعد انعقاد "لقاء جدة التشاوري"، الذي ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، فاللقاء انفضّ دون التوصل إلى تحقيق غايته، المتمثلة بحصول توافق عربي على إعادة الأسد إلى الحظيرة العربية، ما يعني فشل لقاء جدة التشاوري، لذلك اكتفى بيان الخارجية السعودية بالتأكيد على أن "الوزراء العرب تشاوروا وتبادلوا وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية"، وراح يتحدث في العموميات، التي تبرز نقاط الحد الأدنى التي توافق عليها المجتمعون، عبر التأكيد على "أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وعلى ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري"، وكذلك التأكيد على "أهمية حل الأزمة الإنسانية وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق المتضررة من الزلزال، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم".

اللافت هو أن تقود السعودية جهود إرجاع الأسد إلى الحظيرة العربية، بعد أن كانت ترفض ذلك من قبل، حيث سبق وأن رفضت محاولات ساسة الجزائر إرجاعه، خلال التحضير لقمة "لم الشمل" التي عقدت في الجزائر العام الماضي، الأمر الذي يشي بأن تغير موقفها جاء كإحدى ثمار صفقة الاتفاق السعودي الإيراني، التي جرت برعاية صينية، وكشفت بروزاً لافتاً للدور الصيني في المشهد السياسي الشرق أوسطي على حساب تراجع الدور الأميركي.

قد لا يعول نظام الأسد كثيراً على عودته إلى الجامعة العربية، بقدر تعويله على ما سيجنيه من مكاسب مقابل إعادة علاقاته الثنائية مع البلدان العربية، التي استقلت قطار التطبيع معه، دون أن يرهن معظم ساستها تطبيع علاقات بلادهم معه بأي ثمن سياسي، وهو ما فعله الساسة السعوديون حين ركبوا نفس القطار، واستقبلوا وزير خارجية النظام، وأشاروا بشكل خجول إلى الحل السياسي في سوريا، من دون أي ذكر للقرارات الدولية، فيما لم يجد ساسة الولايات المتحدة سوى إرسال رئيس جهاز استخباراتهم، وليام بيرنز، إلى السعودية، من أجل تقديم النصح لساستها بأن يكون تطبيع علاقات بلادهم مع نظام الأسد، مقابل تحسين الوضع الإنساني والأمني للسوريين، وليس كما كان تربط ساستها ذلك، من قبل، بانخراطه بالحل السياسي، وبتطبيق القرارات الأممية المتعلقة بالوضع السوري، خاصة القرار الأممي رقم 2254، الأمر يشير إلى أن الولايات المتحدة لم تكن بعيدة عن رياح التطبيع العربي، وأنها، حسبما تسرّب من معلومات، تجري مفاوضات سرّية مع نظام الأسد في العاصمة العُمانية مسقط، التي برع ساستها في القيام بمثل هذه الأدوار، وسبق لهم وأن قاموا بها، ونجحوا في أكثر من ملف وقضية.

قد لا يعول نظام الأسد كثيراً على عودته إلى الجامعة العربية، بقدر تعويله على ما سيجنيه من مكاسب مقابل إعادة علاقاته الثنائية مع البلدان العربية

الأرجح أن ساسة بلدان التطبيع العربي لن يوقفوا محاولاتهم لإعادة نظام الأسد إلى الحظيرة العربية، خاصة وأن أنظمة قطار التطبيع معه، لم تعد تربط جهودها بإزالة أي سبب من أسباب تجميد عضوية الأسد في الجامعة العربية، مع أنها ما تزال تصطدم بمواقف كل من قطر والكويت والمغرب ومصر وليبيا، حيث ما تزال قطر تؤكد على لسان رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة، وبالتالي لن تتخذ "أي خطوة إذا لم يكن هناك تقدم وحل سياسي للأزمة السورية"، كما أن دولة الكويت ما تزال ترى بأن عملية إرجاع نظام الأسد إلى الجامعة يجب أن تتم "وفق الأسس والأطر السليمة واحترام قرارات جامعة الدول العربية، التي من بينها أهمية اتخاذ الحكومة السورية خطوات حقيقة وملموسة نحو إجراءات بناء الثقة"، وأن يقوم نظام الأسد "بإطلاق سراح السجناء والمعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين وتسهيل عملية وصول المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين في مختلف المناطق السورية واستئناف أعمال اللجنة الدستورية وصولاً إلى المصالحة الوطنية". إضافة إلى أن مصر، التي استقبلت مؤخراً وزير خارجية نظام الأسد، شددت على لسان وزير خارجيتها على ضرورة تطبيق القرار 2254، وهو أمر ما يزال نظام الأسد يرفضه بشكل قطعي.

اللافت هو أن التطبيع العربي مع نظام الأسد، كشف عن حقيقة انتفاء الفروق بين غالبية الأنظمة العربية، حيث أماط اللثام عن الحدود المصطنعة في تصنيفها وتقسيمها إلى محورين زائفين: محور المقاومة والممانعة، ومحور الاعتدال، وبالأخص أظهر زيف شعارات وجعجعات محور الممانعة، حيث أن أغلب دول الاعتدال طبعت علاقاتها مع إسرائيل، وبالتالي لم يعد يهم جماعة الممانعة أن يطبعوا علاقاتهم مع المطبعين مع إسرائيل والمتهافتين عليها، وذلك في توافق غريب بين المطبعين مع إسرائيل ونظرائهم المطبعين مع نظام الأسد، يُعبر عن وحدة حال هذه الأنظمة، والتشابه الكبير بين طبيعتها وسياساتها.

غير أن فشل لقاء جدة التشاوري لن يفضي إلى توقف مساعي أنظمة التطبيع مع نظام الأسد، وذلك من أجل تلميعه وإعادة تأهيله، تحت مختلف الحجج التي تريد تسويق مقولة أن لا فائدة من عزله، وأن الحوار مطلوب معه، فيما يكشف واقع الحال أن أنظمة التطبيع لا تختلف كثيراً عنه، من حيث تركيبتها، وممارساتها، وأنها باتت تتذرع بأولويات مصالحها وسياساتها، التي تتناغم مع يدفع باتجاهه الساسة الروس وساسة نظام الملالي، لذلك لن يكترث ساستها بحقيقة أن نظام الأسد حوّل مناطق سيطرته إلى مقر لصناعة المخدرات وتهريبها إلى بلدانهم والعالم، ولا بما ارتكبه هذا النظام من جرائم وفظائع بحق غالبية السوريين، ولن يدخروا جهداً من أجل غسيل سمعته القذرة، على الرغم من فشل محاولتهم،  وهم يدركون تماماً أن كل مساعي التطبيع وإعادة العلاقات مع نظام الأسد لم تجديه نفعاً، إذ لا يزال هذا النظام مجرماً بنظر القوى الفاعلة والحية في المجتمع الدولي، ومن غير الممكن التغاضي عن استبداديته وإجرامه ولا أخلاقيته، وعن المآسي التي سببها لملايين السوريين، بوصفه مجرم حرب مكانه الطبيعي محكمة الجنايات الدولية، والعدالة تقتضي أن يلاقي مصير هتلر وموسوليني وتشاوشيسكو وسواهم من الطغاة.