في حسن رعاية المستبدين لحدائق الحيوان

2023.08.05 | 06:32 دمشق

في حسن رعاية المستبدين لحدائق الحيوان
+A
حجم الخط
-A

يبدو أنّ حيوانات حدائق النزهة والفسحة والتفريج والترويح والمعرفة والبهجة، ليست آخر ضحايا الاستبداد، وكانت أنباء قد ذكرت الأسبوع الماضي خبرين متصلين بحدائق الحيوان في عاصمتين عربيتين أولهما القاهرة؛ وهو أن المصريين ودّعوا حديقة الجيزة، فأغلقت دونهم، وحرموا منها، وهي واحدة من كبريات حدائق الحيوان في العالم العربي وأفريقيا، ومن أبسطها مساحة.

وحديقة الحيوان بالجيزة هي أول حديقة حيوان في أفريقيا والشرق الأوسط، ومن أقدمها على مستوى العالم، أنشأها الخديوي إسماعيل، وافتتحها ابنه الخديوي توفيق عام 1891، وسُميت "جوهرة التاج" لحدائق حيوان في أفريقيا، وأقيمت على مساحة 80 فدانًا، وبدأت بعرض أزهار كريمة ونباتات شريفة موفدة من مناطق بعيدة. وكان رئيس مصر الحالي قد غيّر اسم حصان قزم يسمى شعبيًا بالسيسي إلى الشيت لاند منعا لخلط العسل بالسكر  ودرءا لخطر شبه الأسماء، وثم ضاقت عينه فأغلقها على المصريين، وتشيع أقوال أنّ الدولة ستخصص الحديقة بكلفة تبلغ 33 مليون دولار للاستثمار السياحي، وهي من المسارح القليلة الباقية لعامة المصريين، وعادة ما تتيح الدول الغربية الرأسمالية، على جشعها حدائق للعامة وذوي الدخل القليل، يستعيضون بها عن رحلات يقوم بها الأغنياء للدول والمناطق السياحية، وإن الحدائق والساحات العامة تنحسر في العواصم العربية، التي يتصف مستبدوها بالشراهة. الاستبداد نهم لا يشبع، وخائف لا يهجع.

وترافق مع خبر إغلاق حديقة الجيزة، التهام قوات الدعم السريع السوداني غزلان حديقة الحيوان السودانية في العاصمة الخرطوم، وسلم الموظفون من أنياب مسلّحي الالتهام السريع ولله الحمد والمنّة.

ذكر الخبر أن الأسود لاذت بالفرار خوفا من قوات محمد حمدان دقلو "وغنيلو"، ولجأت إلى الدول المجاورة، ولم نعرف إن كانت الدول المجاورة قد منحتها حق اللجوء السياسي

وذكر خبر مماثل، أنّ مسلحين من قوات الدعم السريع، اصطادوا غزالين وجملًا مع حواره (عجل الجمل)، وأكلوهم، فالضرورات والمغامرات تبيح المحظورات، وذكر الخبر أن الأسود لاذت بالفرار خوفا من قوات محمد حمدان دقلو "وغنيلو"، ولجأت إلى الدول المجاورة، ولم نعرف إن كانت الدول المجاورة قد منحتها حق اللجوء السياسي، أو أنها الحيوانات أدركت بغريزتها غيرة الحكام على الحدود السياسية والوحدة الوطنية، وحرمة القانون فلاذت بالأحراش والبوادي.

قرأنا قبل سنوات عن تدمير حديقة الموصل، التي لم يسلم من حيواناتها سوى أسد مسكين اسمه سمبا، سمي على اسم أسد من أسود ديزني لاند الكرتونية، ودبّة اسمها لولا، وأن فاضلين وفاعلي خير أعانوهما على النزوح إلى حدائق الأردن الشقيق. ومثل ذلك أنَّ حيوانات حديقة غزة عانت من الجوع بسبب الحصار الإسرائيلي لولا مكرمات الشعب الغزي المحاصر السخية. أما سوريا الأسد، فليس فيها سوى حديقة واحدة، وهي في العاصمة، وفيها 19 أسدًا وعدد من الذئاب والضباع والدببة التي لا تخيف، فليس أخوف من الشبيحة، وكذلك فيها بعض الثعالب الخائفة والطيور والسلاحف والأرانب وبعض الطيور، وذكرت تقارير متوافقة أنّ الدولة ترعى حقوق الحيوانات ومصالحها وتوفر لها أطباء بيطريين واختصاصيين لمتابعة الحالة الصحية للحيوانات يوميًا، إطعامًا وتمريضًا وعيادة.

ووجدنا أن كل الأفلام القصيرة عن حديقة حيوان دمشق هي من متطوعين، ليس بينها أفلام من التلفزيون الرسمي أو التلفزيونين الرديفين! ولا نعرف لذلك سببا.

كان الكاتب الكولومبي المعروف غابرييل غارسيا ماركيز قد قال في روايته خريف البطريق، إن كل مستبد يعادي جنسًا من الحيوان من كل بدّ

وظهر من فلمين قصيرين بثّه هواة تصوير ومغامرات وإعجابات من حديقة العدوي الدمشقية، من غير منع من الاقتراب والتصوير، أن الأسود ليست من المعارضة، وأنها تأكل بحسب قوائم طعام عالمية، مثلها مثل حيوانات حدائق أوروبا، وليس بالبطاقة الذكية، وهذا من عجائب النظام السوري ومكرماته النادرة.

وكان الكاتب الكولومبي المعروف غابرييل غارسيا ماركيز قد قال في روايته خريف البطريق، إن كل مستبد يعادي جنسًا من الحيوان من كل بدّ. ويمكن القول إن المستبدين يضيقون بالأماكن العامة والحدائق الرحبة، وبالحدائق العامة والحيوانات خصوصًا، إما لأنَّ الحيوانات تصرف أفراد الشعب عن رؤية حيوانات القصر الجمهوري ومجلس الشعب، أو أنّ بعض الحيوانات يذكّر بالرئيس وكنيته، وليس في التسمية عيب، لكنهم قوم خصمون.

ومن ذلك أن أسداً هرب من حديقة برلين، واختفى عن الأنظار، في هجرة عكسية، وما يزال حرا طليقا حتى ساعة كتابة هذا المقال، ولم يذكر أنه أذى أحدا أو روّعه، ويخشى عليه موظفو الحديقة من الموت جوعا أو خوفا من الظلام.

يظهر من الأخبار الآنفة الذكر، إن آخر من تدركه المصائب في البلاد المنكوبة بالثورات العربية هو الحيوان في حدائق الحيوان، وهي على سوء مصيرها- أحسن حظا، وأوفر نصيبا، من الإنسان.