icon
التغطية الحية

في ثقافة الأضحية.. عيد السوريين بلا طعام

2023.06.29 | 09:48 دمشق

آخر تحديث: 29.06.2023 | 11:27 دمشق

أضحى
+A
حجم الخط
-A

تشكلت ثقافة العيد من مفهوم الاحتفال بذكرى تعاد بشكل سنوي، ولربما يكون الإنسان منذ بداية وعيه لذاته ولقدراته، قد سعى دائما نحو إيجاد ذكرى تقوده للاحتفال بها، وهو الأمر الذي يحمل عن الروح تعب الحياة وقسوتها، ويعينها على الاستمرار على الرغم من الانتكاسات الإحباطات.

أولى المحاولات التي احتفى بها الإنسان، تمثّلت في علاقته المباشرة مع الطبيعة التي كانت وما زالت تشكل أهم المؤثرات في شكل حياته واستمرارها، على الرغم من تقدم حضارته ووسائلها، وتعقيدات مجتمعه وطريقة عيشه. ولربما كان احتفال حضارات وشعوب بلاد الشام والرافدين بقدوم الربيع وانفجار الحياة من جديد، والذي تمثل قديما بعيد الإله (بعل)، إله الخصب والاخضرار وبعث الحياة؛ أول الاحتفالات التي تعاد كل عام بشكل طبيعي بحسب ناموس الطبيعة الأم. وهذا ما يفسر وجود تماثيل بعل على قمم جبال مناطق تلك الحضارات، وإطلاق أسماء ترتبط باسم بعل على مدن هامة مثل بعلبك على سبيل المثال.

ومن الجدير بالذكر، الإشارة إلى أن ربط العيد بمفهومي الأضحية والفرح، كان قديما قدم تشكل مفهوم العيد بحد ذاته في المنجز البشري الجمعي، خاصة وأنه -العيد- أخذ يتحول من احتفاء بتاريخ انفجار الربيع، إلى عيد للإله بعل، كما أن مفهوم الإله أو الآلهة المتعددة، وإضفاء صورة القدسية عليها وإعطاءها صفات ما فوق القدرات البشرية، جعلها تحاط بهالة من الرهبة والخوف، الأمر الذي قاد بدوره إلى مفهوم تقديم الأضحية لها لضمان رضاها، ولتجنب غضبها الذي لا يستطيع الإنسان القوي/ الضعيف بالوقت نفسه، تحمله.

يأتي عيد الأضحى والسوري المعلق من حبل أحلامه لا يجد ما يقدمه للعيد، ولا يجد ما يمكن أن يستر فيه الجوع البدائي الذي يحول أقدم حضارات الأرض إلى مكان للخراب

أما مفهوم الفرح فقد كان رديفا للتعويض عن الخوف، ومخففا من حدته. وقد تجلى سابقا بإحياء طقوس ورقصات خاصة، وبكونه مرافقا لإعداد الأطعمة ذات المذاق الحلو، والتي تضفي على الحياة حلاوتها. هذا ما جعل الإنسان يبدأ بإنتاج ثقافة التحمل طوال العام كي يستطيع أن يوفر لنفسه وأسرته طعاما طيبا في العيد، ومن ثم لباسا جميلا زاهيا يعزز طقوس الفرح. كما أن الفرح العام الذي يتشارك فيه الجميع بالوقت نفسه، يكون ممتعا جدا للذات البشرية التي جل ما تخشاه هو الوحدة، حيث يعزز الإحساس الجماعي بالبهجة داخل كل بيت شكل العلاقات البشرية، ويعمّق من تلاحمها، بسبب حاجة الجميع بعضهم إلى بعض وحاجتهم إلى الفرح، وإن كان ذلك الفرح من صنعهم.

هذه الأيام، يعيش عالمنا العربي والإسلامي عيد الأضحى المبارك الذي يعني في جوهره الديني عيد قبول الإنسان لمفهوم الإله الواحد الكلي الشامل، مثلما يعني أيضا قبوله بالتضحية من أجل هذا الإله الكلي الذي يعد معادلا للضمير والحب والخير، والذي هو بجوهره يمثل روح الإنسانية النقية، أي أن عيد الأضحى المبارك هو احتفال بالدين التوحيدي الحنيف، وبحج المسلمين إلى بيت الله في مكة. وقد اعتاد الناس في بلادنا أن يحولوا هذا العيد إلى حالة من الابتهاج المتواصل، الذي يعبر عن أجمل أشكاله من خلال فرح الأطفال ومهرجان ملابسهم وأرجوحات أحلامهم التي لا تتعب، ومن خلال صلة الرحم أيضاً، بمختلف أشكالها وعمق معانيها.

ولعل الشعب السوري، ابن أقدم حضارات الأرض، ابن دمشق وحلب وماري وإيبلا وأوغاريت وشهبا وبصرى الشام... وأول من زرع الحنطة المباركة في الأرض، وأول من طحنها وعجنها وخبزها، وأطعم العالم حلويات يعود تاريخها إلى أكثر من عشرة آلاف عام، كان من أكثر الشعوب تنوعا في طريقة احتفائه بالعيد، من خلال تنوع مفردات مطبخه العريق، وتنوع تشكيلات الحلويات التي تعدها أيادي نسائه. ولأن حضارات المنطقة هي الأقدم، فقد مر عليها تاريخ طويل من المدنية التي تتمثل بوضوح في طريقة حياة ناسها وقدرتهم على صرف كثير من الجهد والشغف والحب من أجل أن يقدموا لمن يحبونه، طعاما شهيا متنوعا جذابا في أناقة مظهره، وشكل تزيينه، مثله مثل أقمشة الشام وحريرها، ومثل أصداف نقوشها وزجاجها المعشق بالألفة والضوء.

اليوم، وبعد اثنتي عشرة سنة على ثورة السوريين ضد الذل والفساد، وعلى أكبر حرب عرفها التاريخ الحديث، وأكبر مأساة إنسانية عرفتها المنطقة؛ يأتي عيد الأضحى والسوري المعلق من حبل أحلامه، لا يجد ما يقدمه للعيد، هذا الضيف خفيف الظل، ولا يجد ما يمكن أن يستر فيه الجوع البدائي الذي يحول أقدم حضارات الأرض إلى مكان للخراب والحرائق والخطف والموت والجوع!

يمرّ العيد على السوريين الذين يشكّلون مع أبنائهم اليوم، في المخيمات والمعتقلات والشتات، أضحيات الحرية، أمام عالم أطرش وأعمى، لا يستحق أن تُقدّم له الأضاحي وأفراح العيد.

يأتي الأضحى المبارك اليوم، ولا بركة في الشام إلا اسمها، ولا عيد فيها إلا ماضيها. يأتي العيد وأطفال الشام يتمرجحون بين الفقر والقهر والذل واليتم والجوع. اليوم، لا عيد يأتي أبدا!