في تذكر واستعادة "الدستور الفيصلي"..

2020.01.01 | 18:21 دمشق

mwssw_aldstwr_alswry_alawl.jpg
+A
حجم الخط
-A

تمرّ في هذه الأيام ذكرى مرور مئة عام على إقرار دستور المملكة السورية في العام 1920، حيث تذكر المصادر التاريخية في موسوعة ويكيبيديا أن المؤتمر السوري العام أعلن في 8 آذار 1920 استقلال سوريا وقيام المملكة السورية العربية وعيّن فيصل الأول ملكاً عليها، ورغم عدم الاعتراف الدولي بهذه الخطوات، إلا أن المؤتمر كلّف لجنة خاصة برئاسة هاشم الأتاسي بصياغة دستور المملكة فجاء الدستور باثني عشر فصلاً و147 مادة، ومن أهم ما جاء فيه أن سوريا "ملكية مدنية نيابيّة، عاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام"، نشر هذا الدستور في 13 يوليو، أي أنه طبّق 15 يوماً فقط، وفعلياً لم تطبق كثير من مواده بسبب تلاحق الأحداث التي بلغت ذروتها مع إنذار غورو واحتلال الفرنسييين دمشق في 25 يوليو ثم نفي الملك فيصل في 28  يوليو1920.

هذا الدستور تستعيده بعض النخب العربية هذه الأيام تحت مسمى "الدستور الفيصلي"، عبر ربطه باسم الملك فيصل الأول، ورغم عدم إغفال السياق الذي ظهرت فيه هذه الوثيقة إلا أن التعبئة باتجاه إبرازه وتعويمه تتجاوز مسألة الذكرى المئوية ليصبح الحديث عنه بوصفه الدستور الأفضل الذي مر في تاريخ سوريا، تجاهلاً لنسخة الدستور التي أقرت في العام 1950 والتي تم العمل بها من تاريخ 1954 وحتى قيام الوحدة مع مصر في 1958، وما تزال راهنة وحاضرة لدى كثير من القوى السياسية الراهنة لكونها وكما يقول بعض المشرعين تمتلك مزايا معاصرة يمكن تعديلها لتصبح نسخة صالحة لسوريا الديموقراطية المستقبلية!

هنا لا تغيب التوجهات للنخب السياسية التي تدفع باتجاه إبراز "الدستور الفيصلي"، فحين يتحدث الأمير الحسن عم ملك الأردن عبد الله الثاني عن هذا الدستور وريادته لا يغيب عن الأذهان التوجه العلني لتوسيع الإرث السياسي للعائلة الهاشمية التي ينتمي إليها كل من الملك فيصل والأمير الحسن ذاته، كما لا يمكن تجاهل الرغبة المضمرة في إدانه العهود التي تلت الانتداب الفرنسي، وجمعها كلها في سلة واحدة مقابل الحكم الملكي لسوريا الذي ظهر سريعاً وانقضى كما ظهر!

"الدستور الفيصلي" أو لنقل على وجه الدقة دستور المملكة السورية كان محصلة لعمل النخب التي كانت تعايش انتقال بلاد الشام من طور الحقبة العثمانية إلى طور الاستقلال الأول، ورغم أن المنطقة تشظت وتقسمت في هذه المرحلة إلا أن هذا لم يكن من عمل أبنائها، بل كان نتيجة للسياسات الدولية التي بنيت على أطماع استعمارية، لم تغادر قواتها هذه الأرض إلا بعد أن وضعت أوتاد تفرقة بين سكان الإقليم (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين المحتلة) فبات من الصعب جداً انتزاعها، رغم الأحلام المشروعة بالوحدة التي عبرت عنها تيارات سياسية بعينها كالحزب القومي السوري وحزب البعث وأيضاً الملكية الهاشمية التي كانت تتحدث بين حين وآخر عن رغبتها بانشاء كيان قومي يضم دول الإقليم، ولكنها سرعان ما كانت تتحدث عن الأمر بوصفه أمنيات لا تعقبها خطوات!

كثيرة هي الدراسات التي عقدت المقارنات بين دساتير الدولة السورية منذ 1920 وصولاً إلى زمننا الحالي

كثيرة هي الدراسات التي عقدت المقارنات بين دساتير الدولة السورية منذ 1920 وصولاً إلى زمننا الحالي، وقد اشتعل النقاش حول هذه الدساتير منذ أن طالبت قوى الثورة السورية في 2011 بإلغاء دستور 1973 الذي وضعه حافظ الأسد ليختصر من خلاله صلاحيات الدولة كلها في شخصه، وحين قام وريثه بوضع دستور 2012 كانت العتبة الأساسية التي جعلت منه ورقاً لا قيمة له كونه لا يلغي صلاحيات الرئيس ولا يستوفي شروط إطلاق الديموقراطية في البلاد!

وضمن المسار ذاته اندلعت معركة اللجنة الدستورية التي يحاول النظام الاحتيال عليها عبر وضع أفخاخ في مسارها مثل قصة الثوابت الوطنية التي عطلت بسببها دورات الاجتماع الثاني قبل فترة قصيرة!

كل ما سبق يؤشر حقيقة إلى أهمية وحساسية الطروحات الخاصة بالدساتير السورية السابقة وكذلك الدستور العتيد الذي يطالب به السوريون، وبالتالي فإن الضخ الإعلامي باتجاه نسخة محددة من نسخ الدساتير السابقة قد لا يكون عفوياً بشكل كامل، وفي نفس الوقت لا يجب أن نحمله ما لا يحتمله عبر جعله مؤامرة على خيارات السوريين يتم التحضير لها هنا أو هناك!

ولكن يمكن لنا أن نناقش من يقومون بوضعه أمامنا بضرورة أن ينتبهوا لحساسية الأمر طالما أن ربطه بالعائلة الهاشمية وتجاوز ذكر من قام بصياغته يعني فيما يعنيه إلحاق تاريخ سوريا الكبرى ونضالات نخبها في سبيل الاستقلال عن العثمانيين التي استمرت لعقود بمستجد عليها ساهموا فيه أيضاً هو الثورة العربية الكبرى التي أدت إلى تولي فيصل الأول عرش البلاد لفترة قصيرة! وهو يعني فيما يعنيه أيضاً شكلاً من أشكال مصادرة الحراك المجتمعي والنخبوي في آن معاً لصالح فردانية الحاكم!

قد يجد مادحو "الدستور الفيصلي" ركائز قوية لاستدعائه من هذه النقطة، فهو دستور سوري خالص وليس دستوراً غربياً أو شرقياً يحاول البعض فرضه على السوريين الذين يخضعون حالياً لاحتلالات متعددة! ولكن هذا لا يكفي في واقع الأمر، وذلك لسبب رئيس هو أن المطالب الراهنة بإقرار دستور جديد لسوريا المستقبلية لا يبدو أنها ستكتفي بما يطرح هنا أو هناك! وكذلك فإن ما سينتج عن عمل اللجنة الدستورية سيبقى خاضعاً للمناقشة والجدل، فمسألة الدستور وكما يراها كثير من السوريين هي من الأهمية بمكان أنهم يرونها عنواناً لشكل مستقبلهم، الذي يطمحون أن يكون مختلفاً عن كل ما عاشوه طيلة العقود السابقة! وهذا ينسجم تماماً مع شعارات الشارع الذي خرج في ثورة لتغيير الواقع بكل تفاصيله ونصوص تشريعاته وماضيه أيضاً!